تبنى الرئيس الأميركي باراك اوباما موقفا هجوميا حيال خصمه الجمهوري ميت رومني فاتهمه بأنه يعتمد مواقف "مخطئة ومتهورة", خلال مناظرتهما التلفزيونية الثالثة والاخيرة قبل 15 يوماً من انتخابات رئاسية تشهد منافسة شديدة بينهما.
ومع اقتراب موعد الاقتراع وجد أوباما نفسه بشكل مفاجئ على قدم المساواة تقريبا مع خصمه بعدما كانت استطلاعات الرأي تشير الى تفوقه عليه, وشكلت المناظرة الاخيرة التي جرت ليل اول من امس والمخصصة لمسائل السياسة الخارجية فرصة ليحاول تسديد ضربة لخصمه تضعف تأييد الناخبين له.
أما رومني فلزم موقفا حذراً متجنباً ارتكاب أي خطأ كبير يمكن ان يجعله يظهر غير مؤهل لتولي القيادة, غير انه ظل في موقف دفاعي باستثناء الاوقات التي تمكن فيها من اعادة تصويب النقاش بشأن مسألة الاقتصاد مهاجماً أوباما بهذا الصدد.
تقدم أوباما
ولم يوجه أي من المرشحين ضربة قاضية كما لم يقع أي منهما في خطأ كبير خلال المناظرة التي استمرت 90 دقيقة, لكن يبدو أن ستراتيجية أوباما الهجومية أتت مفعولها بحسب استطلاعات الرأي الفورية التي جرت, حيث رأى 53 في المائة من الاشخاص "المترددين" الذين استطلعتهم شبكة "سي بي اس" ان الرئيس خرج منتصراً من المواجهة مقابل 23 في المائة اعتبروا رومني منتصرا.
كذلك أفاد معهد "بي بي بي" عن نسبة تأييد قدرها 52 في المائة لأوباما لدى مستطلعين "مترددين" مقابل 42 في المائة لرومني, فيما اعطى استطلاع اجرته شبكة "سي ان ان" تقدما طفيفا للرئيس (48 في المائة مقابل 40 في المائة).
لكن خبير الشؤون السياسية في جامعة جورج واشنطن كريستوفر ارترتون لفت الى ان "رومني تمكن من أن يثبت انه ليس المحافظ الخطير والشرس الذي حاول اوباما وصفه", وهذا ما قد يساعده "بصورة خاصة في الولايتين اللتين يترتب عليه الفوز فيهما, وهما فلوريدا وأوهايو".
حذر رومني
وبالعودة إلى ماجرى في المناظرة, قال أوباما خلال المناقشات المحتدمة بل المتوترة أحياناً وهو يحدق في خصمه "اعلم انك لم تكن في موقع يخولك عملياً تعاطي السياسة الخارجية, لكنك كلما عبرت عن راي كنت مخطئا".
واضاف "قلت انه يجدر بنا دخول العراق مع انه لم يكن هناك اسلحة دمار شامل. قلت انه يجدر بنا الابقاء على جنود في العراق", علما ان الرئيس يشدد باستمرار خلال حملته الانتخابية على انه وفى بوعده وسحب القوات الاميركية من العراق في نهاية العام 2011.
وكان لأوباما التعليقات الاشد وقعا في المناظرة, سيما عند انتقاده مواقف رومني بشأن سورية وايران والخلافات التجارية مع الصين, فاتهمه بأنه يسعى لـ"إصلاح سجله" من خلال تخليه عن مواقفه المحافظة المتشددة سابقاً, ووصف مواقفه في الملفات الدولية بأنها "مخطئة ومتهورة".
وبعدما قضى المرشح الجمهوري اشهرا طويلة يصف أوباما بأنه ضعيف ويسعى للمهادنة, أيد في الجوهر العديد من مواقف الرئيس في مسائل الستراتيجية العالمية سعيا منه لكسب اصوات الناخبين المترددين.
وأيد قرار اوباما الانسحاب من افغانستان بحلول العام 2014 كما ايد استخدام الطائرات من دون طيار ضد ناشطين يشتبه بانهم ارهابيين وهنأه حتى على تصفية اسامة بن لادن, في محاولة واضحة للظهور في صورة المعتدل.
كما توافق المرشحان على نقاط عدة مثل الدفاع عن اسرائيل والتحذير من البرنامج النووي الايراني والتأكيد على وجوب رحيل الرئيس السوري بشار الاسد.
وقال دوتي لينش استاذ الاتصال في الجامعة الاميركية بواشنطن انه "بموافقته (مع اوباما) على النقاط الكبرى في السياسة الخارجية, فإن رومني لزم خطاً حذرا وحاول اعادة تصويب النقاش نحو الاقتصاد, الموضوع الذي يعتقد انه اقوى موقعا فيه".
لكن أوباما تصدى لخصمه قائلا انه "في مسألة السياسة الخارجية, يبدو انك تريد استيراد السياسات الخارجية التي كانت سارية في الثمانينات, مثلما تريد استيراد السياسات الاجتماعية من الخمسينيات والسياسات الاقتصادية من العشرينيات".
من جهته, شكك رومني في ستراتيجية اوباما, وقال "أهنئه على تصفية اسامة بن لادن والتصدي لقيادة القاعدة, لكننا لن نتخطى المشكلة بالقتل فقط".
شبه توافق
ودعا إلى بذل المزيد من اجل انهاء العنف في سورية, وطالب بتشديد العقوبات على ايران بشأن برنامجها النووي, وقال عن القادة في طهران "اعتقد انهم رأوا ضعفا حيث كان ينبغي ان يروا قوة اميركية".
وبالنسبة لسورية, اعرب اوباما عن ثقته بأن أيام الأسد "معدودة" لكنه اكد انه "سيترتب في نهاية المطاف على السوريين ان يحددوا مستقبلهم بأنفسهم", فيما دعا رومني الى "تسليح" المعارضة الساعية الى اطاحة النظام.
وبشأن ايران, أكد اوباما ان الهدف هو منعها من امتلاك السلاح الذري من خلال "عقوبات ساحقة", فيما دعا خصمه إلى تشديد العقوبات عليها وعزلها على الصعيد الديبلوماسي.
كما اتهم رومني الرئيس المنتهية ولايته بإثارة توتر بين اميركا وحليفتها اسرائيل, ورد أوباما قائلاً "طالما انني رئيس لن تحصل ايران على السلاح النووي" مؤكدا ان الولايات المتحدة ستقف الى جانب اسرائيل في حال تعرضها لهجوم.
الخيول والحراب
ونقض اوباما اتهامات رومني بانه خفض القوات المسلحة الى مستويات غير مسبوقة منذ اوائل القرن العشرين.
وقال ساخرا "ذكرت البحرية على سبيل المثال, وقلت ان لدينا عدد اقل من البوارج مما كان لدينا في العام 1916. حسنا ايها الحاكم, لدينا ايضا عدد اقل من الخيول والحراب, ذلك لان طبيعة قواتنا العسكرية تغيرت".
واضاف مثيراً ضحكا في الصالة "لدينا ما يعرف بحاملات الطائرات التي يمكن للطائرات ان تحط على متنها, لدينا تلك القطع البحرية التي تغوص تحت الماء, الغواصات النووية".
وبعيد انتهاء المناظرة, قال مدير حملة اوباما جيم ميسينا "ان الولايات المتحدة رات قائدها الاعلى, وشخصا غير جاهز لتولي القيادة", فيما أكد الجمهوريون ان المناظرة عززت موقع مرشحهم الرئاسي.
لا حسم
ورغم أن الرئيس استفاد من موقعه كقائد أعلى للقوات المسلحة للتأكيد على عدم خبرة رومني, خلص خبراء إلى ان المناظرة, التي جرت في شأن موضوع لا يهم عادة الاميركيين, سيكون لها أثر محدود على مسار السباق الذي سيستخدم فيه كل مرشح أكبر إمكاناته.
واعتبر كريستوفر ارتيرتون الاستاذ في جامعة جورج واشنطن ان "كل شيء رهن بتعبئة الناخبين وقدرة كل معسكر في الأسبوعين الاخيرين على طرق كل باب".
وسيركز المرشحان خلال الأسبوعين الأخيرين قبل الانتخابات المقررة في 6 نوفمبر المقبل على التحرك ميدانيا في نحو عشر ولايات تعتبر حاسمة في السباق الى البيت الابيض.
وخلص تشارلز فرانكلين احد مؤسسي موقع بولستر الى القول "حتى الان, السباق متقارب الى حد انه يمكننا تصور ان كل شيء سيكون في النهاية رهنا بولاية واحدة", مذكراً بأنه في العام 2004 استلزم الامر الانتظار الى اليوم التالي بعد الانتخابات لمعرفة النتائج النهائية في اوهايو وبالتالي فوز جورج بوش.
اضف تعليق