في أجواء ملتهبة ومتوترة عرفت مصر رئيسها الخامس منذ إزاحة آخر ملوكها عام 1952 وأول رئيس مدني في مطلع الجمهورية الثانية إثر ثورة 25 يناير من العام الماضي التي أزاحت الرئيس السابق حسني مبارك بإعلان مرشح جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي رئيسا لمصر.
فقد احتبست أصوات المصريين منذ صباح أمس وخلت الشوارع من المارة بعدما أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها، وسمح للموظفين الحكوميين بمغادرة مقار أعمالهم للذهاب مبكراً إلى منازلهم.. وكان لافتاً حالة التوتر والمخاوف التي بدت على وجوه الكثير من المواطنين تحسباً لما ستسفر عنه نتيجة انتخابات الرئاسة ما لم تكن مرضية لأنصار أحد المرشحين.
وفي هذه الأجواء أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية اسم المولود الرئاسي الجديد في أصعب حالة ولادة تشهدها مصر في تاريخها، حيث أعلنت اللجنة بعد تأخر 45 دقيقة عن الموعد المحدد واستعراض طويل امتد لأكثر من 45 دقيقة اخرى عن جهدها خلال الشهور الماضية، عن فوز محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية بحصوله على نسبة 51.73 في المائة مقابل 48.27 في المائة لمنافسه الفريق احمد شفيق.
وقال سلطان إن نسبة الحضور بلغت 26.420.763 بنسبة 51.85 في المائة وأن مرسي حصل على 13.230.131 بنسبة 51.73 مقابل 12.347.380 لشفيق بنسبة 48.27 في المائة.
وكشفت الأرقام التي أعلنها رئيس اللجنة فاروق سلطان عن دقة الأرقام التي سبق وان أعلنتها حملة مرسي في اليوم التالي للانتخابات، حيث وصل فارق الأصوات بين الطرفين إلى 882751 صوتا، حيث استعرض سلطان الطعون التي قدمت ورد على أهم قضيتين أثيرتا خلال الفترة الماضية وهما منع بعض القرى التي بها نسبة عالية من الأقباط وتسويد بطاقات، حيث كشف عن أن هذه القرى تضم أغلبيتها مسلمين وان نسبة التصويت بها عالية، فيما أوضح ان نسبة البطاقات التي تم تسويدها لمصلحة محمد مرسي لم تتعد 2154 بطاقة.
هدوء واحتفالات
وجاء اعلان النتيجة لتضفي نوعا من الهدوء على الشارع المصري الذي عاش اجواء متوترة غير مسبوقة في تاريخه، حيث انفجر ميدان التحرير والشوارع المصرية بحالة من الفرحة العارمة فيما ساد الوجوم في حملة شفيق.
وانفجر عشرات الآلاف من المحتشدين في ميدان التحرير فرحا حال اعلان اللجنة الانتخابية فوز مرشح جماعة الاخوان المسلمين.
وأطلقت عشرات من الالعاب النارية احتفاء بالحدث وهتفت الجماهير المحتشدة "الله اكبر" ملوحين بالاعلام المصرية وصور مرسي.
وتعالت هتافات المتظاهرين وانهمرت دموع الفرح من أعين بعضهم وتعانقوا. وسجد البعض شكرا لله على أرض الميدان.
وهتف البعض "يسقط يسقط حكم العسكر" قبل دعوتهم من قسم آخر من المتظاهرين الى التوقف عن رفع هذا الهتاف.
استمرار الاعتصام
لكن هذه الفرحة لم تمنع جماعة الإخوان والقوى السياسية من تأكيدها على استمرارها في الاعتصام في ميدان التحرير ضد المجلس العسكري للتراجع عن قراراته التي اتخذها اخيرا والمتعلقة بحل البرلمان والإعلان الدستوري المكمل، مؤكدين أن اختيار مرسي لن يثنيهم عن فض الاعتصام في الميدان حتى تتحقق مطالبهم.
واستبق إعلان النتيجة حالة من الشد والجذب بسبب المخاوف من احتمال فوز احمد شفيق ودخلت اطراف مختلفة للوساطة بين جماعة الإخوان والمجلس العسكري.
وجاءت أخر محاولات التهدئة بين الطرفين بما قام به محمد البرادعي الذي التقى رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي وعددا من أعضاء المجلس مساء السبت، حيث أشارت دوائر سياسية في القاهرة الى ان البرادعي نصح المجلس بعدم التلاعب مطلقا في أصوات الناخبين وان فوز مرسي سيقلل من حدة الاستقطاب في البلد ولن يؤدي إلى فوضى خلافا لتعمد إسقاطه بما قد يؤدي الى ثورة عارمة.
وتشير المعلومات الى أن البرادعي لم يؤكد أو يرفض قبوله بمنصب رئيس الوزراء مع مرسي للعمل على تخفيف المخاوف من وجود رئيس من الاخوان على رأس اعلى منصب في مصر، وان البرادعي ربط ذلك بالتفاهم مع الرئيس الجديد، فيما تشير الدوائر السياسية الى ان هناك تفاهمات بين الإخوان والعسكري تتمثل في الالتزام بأحكام القضاء الذي ينظر حاليا دعوى ببطلان قرار المشير بحل البرلمان وانه لو صدر حكم فإن المجلس سيلتزم به، فيما ابدى الإخوان تفهمهم لـ"الوضع المميز" للقوات المسلحة.
وأعلن ياسر علي المتحدث الإعلامي بحملة مرسي إن المشهد السياسي الذي يشهده الوطن لا يدعو إلى مظاهر احتفالية بقدر ما يؤكد ضرورة العمل والجد والتكاتف والترابط لتحقيق مطالب الجماعة الوطنية.
وكان مرسي قد اجرى صباح أمس لقاءات مع مختلف قيادات التيار الإسلامي الذين اتفقوا على ضرورة استمرار الضغوط على المجلس العسكري للتراجع عن قراراته الأخيرة.
أول خطاب للرئيس
وتعهد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في خطاب أذيع تلفزيونيا أمس الأحد بعد ساعات من إعلان انتخابه بأن يكون رئيسا لكل المصريين ووصف فوزه بالانتخابات التي أجريت في مطلع الأسبوع الماضي بأنه "لحظة تاريخية".
ووسط حالة من القلق بشأن احتمالات مواجهة بين جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها والجيش أشاد بالقوات المسلحة ودورها في إدارة شؤون البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك أوائل العام الماضي في انتفاضة شعبية.
ووعد الرئيس المنتخب بتحقيق أهداف جميع من شاركوا في الثورة على مبارك.
وقال إن مصر ستحافظ على المعاهدات والمواثيق الدولية في إشارة إلى إسرائيل التي تخشى على مصير معاهدة السلام التي وقعتها مع القاهرة قبل 33 عاما في ظل رئاسة مرسي.
وأشاد في خطابه بالنشطاء الذين قتلوا أو أصيبوا في الانتفاضة التي أسقطت سلفه. وقال "(لولاهم) ما كنت لأقف بينكم كأول رئيس منتخب. ما كنت لأقف معكم الآن بهذه الفرحة العارمة."
وأضاف "هذه الدماء الزكية لن تضيع هدرا."
وبينما كان المحتجون في ميدان التحرير يرددون هتافات مناوئة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يرأسه وزير الدفاع والإنتاج الحربي المشير محمد حسين طنطاوي قال مرسي "لجيش مصر العظيم تحية خالصة من قلبي وحب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى."
وأضاف "أحرص على تقويتهم وعلى الحفاظ عليهم وعلى هذه المؤسسة التي نقدرها جميعا."
وفيما بدا أنه مسعى لمصالحة وطنية أشاد مرسي بمن وصفهم بالأغلبية الغالبة من رجال الشرطة "الشرفاء" الذين قال إن عليهم دورا كبيرا في المستقبل في حماية أمن مصر الداخلي.
وأشاد مرسي بقضاة مصر بعد أسابيع قليلة من مواجهة بين مجلس الشعب قبل حله ونادي قضاة مصر تلت انتقاد مجلس الشعب للحكم الذي صدر بتبرئة ضباط شرطة كبار من تهم تتصل بقضية قتل المتظاهرين في القضية التي أدين فيها مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وعوقبا بالسجن المؤبد.
وتعهد الرئيس المنتخب بأن "يكون القضاة في المستقبل مستقلين عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية."
وقال "إنني اليوم رئيس لكل المصريين أينما وجدوا في الداخل والخارج."
وتعهد في الخطاب الذي استغرق إلقاؤه 25 دقيقة بأن الثورة التي أطاحت بمبارك "مستمرة حتى نحقق كل أهدافها معا."
لكنه قال: "لا مجال للغة التصادم ولا مجال للتخوين بيننا ابدا."
وشدد على أنه سيعمل لتعزيز الوحدة الوطنية قائلا "إننا كمصريين مسلمين ومسيحيين دعاة حضارة وبناء. كذلك كنا وسنبقى إن شاء الله."
وقال "عازم معكم وبكم على بناء مصر الجديدة… الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة."
وقال إنه يضمن حقوق الإنسان "وإلغاء كل أشكال التمييز."
وفي شأن المعاهدات الدولية المصرية قال "سنحافظ على المعاهدات والمواثيق الدولية. لقد جئنا للعالم برسالة سلام."
وأضاف أن مصر برئاسته ستحافظ على "الالتزامات والاتفاقيات المصرية مع العالم كله."
وقال مرسي إنه سيتقي الله في الشعب المصري والبلاد. وحرصت جماعة الإخوان خلال الحملة الانتخابية على القول إن مرسي يحفظ القرآن كاملا.









اضف تعليق