في جمعة جديدة تضاف إلى الأيام الدامية، خرج السوريون أمس في تظاهرات ضخمة أطلقوا عليها "لا تحزني درعا" تحت القذائف والصواريخ التي استهدفت أربعة مساجد أثناء صلاة الجمعة، إضافة إلى مبنيين سكنيين يضمان اللاجئين في مدينة الميادين بريف دير الزور، ما أسفر عن مقتل 37 شخصاً من بين 146 قتلوا على يد القوات الموالية للنظام في عموم سوريا، من بينهم 25 طفلاً، في واحدة من أسوأ المذابح بحقهم منذ بدء الثورة.
وقال ناشطون ولجان حقوقية، أمس، إن تظاهرات حاشدة خرجت حتى من الأحياء المنكوبة في جمعة "لا تحزني درعا". وبلغت حصيلة أولية للقتلى أكثر من 146 محتجاً قتلوا معظمهم في قصف جوي وبري تزامن مع التظاهرات التي طالبت بإسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، حيث كان من بين القتلى 25 طفلاً وعشر نساء.
تظاهرات التحدي
وذكر المرصد السوري لحقوق الانسان أن تظاهرات ضمت الآلاف خرجت في دمشق في أحياء العسالي والحجر الاسود وقبر عاتكة وجوبر طالبت بإسقاط النظام ونصرة للمدن المنكوبة. وفي ريف دمشق "خرجت تظاهرات عدة في مدن وبلدات دوما والهامة وكفربطنا ويبرود وحرستا والمليحة وعربين".
وأظهر شريط مصور نشره ناشطون على الانترنت تظاهرة في دوما حمل فيها المشاركون "أعلام الثورة" مرددين شعارات "أول ما ابتدينا باسقاطك بشار.. آخر ما انتهينا باعدام الجزار". كما غنوا شعارات مثل: "يا حمص لا تهتمي بفديكي بروحي ودمي.. غداً يسقط النظام وحكم الأسد يولي".
وفي حلب، خرجت تظاهرات ضمت الآلاف في احياء حلب الجديدة والشعار والخالدية ومساكن هنانو نادت بالحرية ودعت لإسقاط النظام ورئيسه. وفي درعا، خرجت تظاهرات في كل من ابطع واليادودة ونصيب ومعربة والمتاعية والمسيفرة والسهوة. واظهرت اشرطة مصورة بثها ناشطون على الانترنت لافتة في تظاهرة باليادودة كتب عليها: "كيف لأرض عشقت الحرية أن تحزن"، وعلى ثانية "لم يبق شبر من حوران الا ومشت فوقه دبابة او سقطت عليه قذيفة هاون". أما في نصيب، فحمل متظاهر لافتة تقول: "تفووووه على العالم".
أما معربة التي تتعرض للقصف، فأظهر شريط فيديو العشرات من أهلها يتظاهرون ويهتفون داخل احد الجوامع.
وأفاد المرصد أن ادلب شهدت خروج تظاهرات شارك فيها الآلاف في بلدات وقرى الهبيط والشيخ مصطفى والتمانعة وكفرنبل"، بينما شهدت حماه "تظاهرات حاشدة في بلدات اللطامنة وكفرنبودة وكفرزيتا وحمادي عمر بريف حماة". واضاف المرصد أن "تظاهرات خرجت ايضا في احياء الحميدية وطريق حلب ومناطق اخرى متفرقة نادت كلها بنصرة درعا".
قصف الجوامع
وصوّبت القوات الموالية للنظام على أربعة جوامع لمنع خروج الاحتجاجات. وبدأت بالجامع العمري في مدينة داعل بريف درعا، حيث أفاد ناشطون أن طائرة حربية استهدفت الجامع بصاروخ قبل توجه المصلين إليه لأداء صلاة الجمعة. وفي ريف دمشق، استهدفت طائرة مروحية جامع الشهداء في بلدة سبينة مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. وفي حلب طال القصف جامعين، حيث قالت الهيئة العامة للثورة:
إن القوات الموالية للنظام استهدفت مسجد الحسن والحسين في عندان بريف حلب بقنبلة من طائرة حربية لمنع التظاهر. وفي حريتان، قصف جامع البراء بن مالك خلف المخفر أثناء صلاة الجمعة، ما أدى الى تدمير جزء من المسجد ومقتل شخص وعدد من الجرحى.
مجزرة الميادين
واستمرارا لمجازر قوات الاسد، ارتكب الجيش النظامي مجزرة في مدينة الميادين بريف دير الزور باستهدافه مبنيين للنازحين قتل فيه 37 شخصاً من بينهم ثماني سيدات. وافاد المرصد السوري أن "احد المبنيين دمر كليا في حين دمر الثاني جزئيا"، مشيرا الى "سبعة اشخاص مازالوا تحت الأنقاض ارجح انهم في عداد الاموات". واشار الى ان القصف على المدينة التي يسكنها نحو 55 الف شخص، ادى الى "اصابة العشرات بجروح". ولفت المرصد الى ان المدينة "شهدت اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية ومقاتلين من الكتائب الثائرة المقاتلة".
قصف حلب
وبالتوازي، احتدم القتال في حلب، حيث قال سكان: إن طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر حربية قصفت أحياء يسيطر عليها الجيش الحر ليلا. وتعرضت مدرسة يستخدمها المنشقون قاعدة لهم للقصف مرتين خلال الليل.
وافاد شاهد عيان يدعى أبو أحمد يعيش بجوار المدرسة: "يقيم المنشقون في مراكز الشرطة والمستشفيات المهجورة لكن الجيش يعلم جيدا مكانهم".
وعند خط مواجهة في منطقة سيف الدولة في جنوب حلب دمر منشقون ناقلة جند مدرعة وأطلق الجيش قذائف الدبابات وقذائف المورتر لكن لم يحاول التقدم.
ريف دمشق
وفي ريف دمشق، أوضح ناشطون معارضون أن الجيش النظامي قصف مدينة داريا، مما أسفر عن مقتل 21 على الاقل في اليوم الثالث من حملة عسكرية لاستعادة السيطرة على مناطق محيطة بدمشق.
وأضاف النشطاء في دمشق أن الجيش استخدم عدة منصات لإطلاق الصواريخ تمركزت في قاعدة قريبة لضرب مناطق بوسط داريا حيث لايزال مقاتلو الجيش الحر متحصنين.
وأضافوا أن عدد القتلى من جراء الحملة على المنطقة في الساعات الـ72 الماضية وصل الى 70 شخصا على الاقل. وذكروا أن تقارير أفادت باندلاع اشتباكات في قطنا وسبينة والقدم والعسالي والحجر الأسود. أما في مدينة دوما، فقتل 11 إثر اقتحام القوات النظامية للمستشفى الوحيد في المدينة.
تظاهرات كردية
خرجت تظاهرات حاشدة مناهضة للنظام ضمت الآلاف في محافظة الحسكة شرق سوريا ذات الغالبية الكردية، بحسب مقاطع فيديو بثها ناشطون عبر الانترنت. وفي عامودا، اظهر شريط مصورة تظاهرة تهتف: "سنحصل يا بشار على الحرية رغما عنك".
اما في حي قناة السويس بالقامشلي، فاظهرت مقاطع مصورة تظاهرة تحمل العلم الكردي وعلم الثورة. وفي حي الكورنيش، رفع صبي لافتة كتب عليها: "بشار.. الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب".
تحذير سورى
ووجهت سوريا، أمس، تحذيرا مباشرا للغرب، بأن شن أية هجمات عسكرية ضدها ستكون له عواقب وخيمة، وقد يدخل المنطقة في دوامة حرب لا نهاية لها، في وقت اتهمت إيران دولا في المنطقة بأنها تسعى إلى تعقيد الأزمة السورية، محذرة من أن الوضع سيرتد في نهاية الأمر الى الجوار.
جاء ذلك فيما كانت قوات الرئيس السوري بشار الأسد تواصل عملياتها العسكرية والأمنية في مناطق عدة، لا سيما في دمشق وريفها وفي حلب، مما أدى الى سقوط عشرات القتلى، وتدمير عدد من المنازل على رؤوس ساكنيها، وذلك غداة يوم دام سقط فيه أكثر من 200 قتيل، أغلبهم في دمشق ودرعا وحلب.
تدمير 40 سيارة
من جهتها، افادت "سانا" أن الجيش نفذ "عملية نوعية" اسفرت عن تدمير 40 سيارة مزودة برشاشات دوشكا "بما فيها كانت قادمة من جرابلس" في ريف حلب. وافاد التلفزيون الرسمي بأن القوات السورية "تشتبك مع ارهابيين قرب ساحة الحطب بحلب، وتقضي على تسعة ارهابيين بينهم قناص".
الدول العربية ستتأثر
في الوقت نفسه، حذر السفير الإيراني في دمشق محمد رضا رؤوف شيباني من أن أعمال العنف التي تشهدها سوريا في الوقت الراهن نتيجة الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد قد تصبح أكثر تعقيدا، وتمتد إلى "الدول العربية المجاورة".
واتهم شيباني، خلال لقائه برئيس بعثة الأمم المتحدة في سوريا بابكر جاي في مقر السفارة الإيرانية، ما وصفه بـ"دول معينة في المنطقة وأطراف دولية أخرى" بأنها تسعى لتعقيد الأزمة السورية أكثر وأكثر، وذلك بنشر جماعات مسلحة في المدن السورية (على حد قوله).
اقتراح "عقلاني ومقبول"
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، أمس، أن بلاده، حليفة النظام السوري، ستقدم اقتراحا لتسوية النزاع في سوريا خلال قمة دول عدم الانحياز التي تنعقد يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.
وقال صالحي، كما نقلت عنه وكالتا الأنباء الإيرانيتان (مهر وفارس) إن طهران "لديها اقتراح بخصوص سوريا وستعرضه خلال قمة دول عدم الانحياز" في 30 و 31 أغسطس الجاري، حيث يتوقع أن يمثل 51 دولة وفود رفيعة المستوى، بحضور 20 منظمة دولية لا تنتمي لحركة عدم الانحياز "كضيف خاص".
ولم يعط وزير الخارجية أي توضيحات حول طبيعة هذا "الاقتراح"، لكنه أكد أنه "عقلاني ومقبول" من كل الأطراف وأنه "سيكون من الصعب جدا معارضته".
وأكد صالحي مجددا أن طهران مستعدة لاستضافة محادثات بين الحكومة والمعارضة السورية "بعد قمة عدم الانحياز والجمعية العامة للأمم المتحدة" في سبتمبر. وأضاف أن "قسما كبيرا من المعارضة السورية" مستعد للمشاركة في مثل هذه المحادثات لكن من دون تحديد أي حركات قد تكون موافقة على ذلك.
وسبق أن عرضت إيران مساعيها الحميدة في الأزمة السورية الدامية في يوليو الماضي، لكن هذا العرض تجاهلته المعارضة والدول العربية والغربية التي تدعمها.
واعتبرت تلك الدول آنذاك أن طهران "غير مخولة" لهذا الدور بسبب الدعم الذي تقدمه لنظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ بدء الانتفاضة ضده، والتي أوقعت حتى الآن حوالي 25 ألف قتيل خلال أكثر من 17 شهرا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
الأزمة "مفتعلة"!
وأكد صالحي مجددا دعم طهران لدمشق، معتبرا أن الأزمة السورية "مفتعلة" وأنه يمكن تسويتها عبر محادثات بين الحكومة والمعارضة.
وكرر القول إن الدعم للنظام السوري يشكل "ركيزة" في السياسة الخارجية الإيرانية، نظرا لأن سوريا بشار الأسد تشكل "عنصرا أساسيا في المقاومة ضد إسرائيل" وهي إحدى الركائز الإيديولوجية للنظام الإسلامي الإيراني.
وأضاف الوزير الإيراني: "نحن غير مستعدين للتخلي عن هذه السياسة".
اضف تعليق