الرئيسية » تقارير ودراسات » الأزمة السعودية – الأميركية مابين التصعيد والتهدئة
تقارير ودراسات رئيسى

الأزمة السعودية – الأميركية مابين التصعيد والتهدئة

مابين التصعيد والتهدئة  ,تسابق أوراق الأزمة الطارئة  مابين واشنطن والرياض على خلفية قضية اختفاء الصحفي جمال خاشقجي في أنقرة ,الزمن خشية خروج الأوضاع عن نطاق  السيطرة في ظل تصريحات نارية وضجيج سرعان “ما هدأ نوعاً ما “,  ربما لعدم وجود رغبة لدى الجانبين في رفع حدة  التوتر وتعقيد المشكلة .

مفردات بيان الخارجية السعودية الأول اتسمت بالحزم والنزعة الجدية فى التصدي  , وذلك ردا على تلويح الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المملكة لو ثبت تورطها في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي المختفي بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. حيث أكدت رفضها القاطع لأى اتهامات أو تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية بحقها,مشددة بالوقت ذاته على أنها  سترد على أي عقوبات تفرض عليها بإجراءات أكثر صرامة .

فى حين تحلت لغة الخطاب الثاني بالهدوء بشكل يؤشر إلى أن اللهجة التصعيدية  بالبيان الأول ربما كان بمثابة إثبات موقف من جانب المملكة للتحذير من تداعيات اتخاذ أى تدابير عقابية ضدها  وبذات الوقت سعت لاحتواء ردود الأفعال وإظهار عمق حرصها على العلاقة التي تجمعها مع واشنطن عبر التأكيد من خلال البيان الثاني على تقديرها للدول التي لم تقفز إلى الاستنتاجات مباشرة خلال إجراء التحقيق بقضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بما فيهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ونشرت سفارة المملكة في واشنطن تغريدة عبر صفحتها الرسمية على موقع تويتر قالت فيها إن السعودية “تعرب عن تقديرها للجميع، بما فيهم إدارة ترامب لامتناعهم عن القفز إلى الاستنتاجات في التحقيقات الجارية”.

“سجال الأمس”  أثار شهية التحليلات الواسعة حول خيارات المملكة حال أقدم الرئيس ترامب على تنفيذ ما أعلنه ، في مقابلة تليفزيونية أذاعتها قناة سي بي اس الأمريكية يوم السبت أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات شديدة على السعودية في حالة صحة أنباء ضلوعها بقتل الصحفي ,

“على نفسها جنت براكش ” هذا ما يقوله المثل العربي ويشير إليه ظاهر التكهنات التي طرحها “تركي الدخيل ” مدير قناة العربية  على الطاولة السعودية,  , حيث ذهب في مقاله والذي عكس من خلاله وجهة نظره الشخصية فيما بتعلق بالرد السعودي إلى أن المملكة بطبيعة الحال لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التصعيد الأميركي  وستعمد إلى اتخاذ إجراءات مضادة والتي ستحمل تبعات خطيرة ليس على الولايات المتحدة فحسب بل ستمتد تأثيراتها إلى الاقتصاد العالمي  ودهاليز السياسة وقد تدخل المنطقة برمتها إلى نفق مظلم .

“التدابير الثلاثون ” والتي لوحت  بها دوائر مقربة من صنع القرار بالمملكة تتحدث عن إمكانية حدوث هزة بالاقتصاد العالمي  يرتفع على إثرها سعر برميل النفط إلى 200 دولار مع عدم التزام السعودية بإنتاج السبعة ملايين برميل ونصف فضلا عن إمكانية جعل اليوان الصيني عملة تسعير النفط  عوضاً عن الدولار . وقد حاولت بكين منذ فترة ليست بالقليلة إقناع الرياض بتسعير النفط السعودي المباع إلى الصين باليوان بدلاً من الدولار ,هذا إلى جانب حرمان الولايات المتحدة من السوق السعودية التي تعتبر أحد أكبر عشرين اقتصاداً في العالم.

بناء جسر سياسي يصل السعودية بإيران أحد الأوراق التي يمكن استثمارها  حال تصاعد التوتر , فقد تلجأ المملكة إلى التقارب مع إيران وريما التصالح مما يعنى بالتبعية لذلك تحول حماس وحزب الله من عدوين إلى صديقين وهدم أركان التحالف بين واشنطن والرياض وتغيير المعادلات وموازين القوى بالمنطقة  وهو ما سينعكس سلباً على ملفات عديدة أهمها ما يتعلق بأمن إسرائيل .

التقارب مع موسكو على الصعيدين  السياسي والعسكري أحد التأثيرات السلبية المحتملة على واشنطن جراء التصعيد ,لاسيما وأن  روسيا والصين بديلتان جاهزتان لتلبية احتياجات الرياض العسكرية، وقد يمتد أثر ذلك إلى إنشاء قاعدة عسكرية روسية، في تبوك شمال غرب السعودية، في المنطقة الساخنة لمربع سوريا وإسرائيل ولبنان والعراق. فضلاً عن أن العلاقات الوثيقة التي ستربط روسيا بالمملكة العربية السعودية، قد تدفع العالم الإسلامي إلى تغيير نظرته لموسكو على المشهد السياسي الدولي، لاسيما وأن الرياض تتمتع بالثقل السياسي الذي يؤهلها للمساهمة بشكل قوي في إعادة رسم موازين القوى في الشرق الأوسط.

ومع أن أطروحات “الدخيل”  عمد المسئولون السعوديون إلى نفى كونها تعكس توجهات القيادات العليا في الرياض والتأكيد على أنها تعبر عن وجهة نظر كاتبها , حيث قال  فيصل بن فرحان كبير المستشارين بالسفارة السعودية فى الولايات المتحدة,في تغريدة على تويتر  “إن المقال لا يمثل الحكومة والقيادة السعودية”.

وفى ظل عمق  الشراكة الاقتصادية بين البلدين , فقد وقعت المملكة العربية السعودية صفقات ملياريه مع الشركات الأمريكية بما في ذلك شركة لوكهيد مارتن و بوينغ و رايثيون و جنرال دايناميكس و نورثروب غرومان وجنرال إلكتريك وإكسون موبيل  وغيرها .هذا إلى جانب عدد المشروعات السعودية الأمريكية والمختلطة العاملة في المملكة يبلغ عددها نحو  (474) شركة، منها (90) شركة صناعية، و (384) شركة خدمية، فيما بلغ إجمالي رؤوس الأموال المستثمرة في هذه الشركات نحو 57 مليار ريال. كما تحتل الولايات المتحدة  المرتبة الثانية في حجم التبادل التجاري للمملكة مع دول العالم بمقدار 135 مليار ريال، وبواقع 69 مليار ريال تمثّل صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة، التي تشكّل ما نسبته 51% من حجم التبادل التجارية للمملكة مع الولايات المتحدة .

لكن  يبقى السؤال الأهم : هل تتجه الأزمة بين واشنطن والرياض نحو مزيد من التصعيد ؟  على الأرجح ستمر الأزمة مدفوعة بعدة عوامل .. فقد مر حتى اللحظة  نحو  13 يوما على “اختفاء” خاشقجي، والامن التركي لا يزال يلوح  بأنه يملك شريطا مصورا لعملية القتل داخل القنصلية ،لكنه لم يقدم  حتى الآن اى قرائن ملموسة على تورط المملكة  وبالتالي ,لن تقدم الولايات المتحدة على تلك الخطوة  دون وجود إثباتات وقد سبق وقلل من أهمية القضية عندما قال في حديث مع محطة “فوكس” إن “خاشقجي ليس أمريكيا، والجريمة لم تقع على ارض أمريكية، وان هناك صفقة أسلحة مع السعودية بأكثر من 110 مليار دولار لا يمكن التراجع عنها لانها تعني الوظائف، واستمرار ازدهار الاقتصاد الأمريكي” .

حرص الجانبين على العلاقات الدافئة تجلى في مبادرة الملك سلمان لإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي  لبحث مستجدات قضية خاشقجي، وتواتر أنباء عن اتصال بين العاهل السعودي  والرئيس ترامب أدلى خلاله بتصريحات هامة  بشأن قضية اختفاء الكاتب السعودي وأشار إلى احتمال أن يكون “قتلة مارقون” مسؤولين عن هذا الاختفاء معلناً فى الوقت ذاته توجه وزير خارجيته مايك بومبيو الى الرياض.