مع أن محاولات التمدد التركى فى إفريقيا ليست بجديدة إذ تعود إلى التسعينات من القرن الماضى بيد أن ثمة دوافع متزايدة فى الآونة الأخيرة ,تحرك سياسات أنقرة بالقارة السمراء تتربط فى مجملها بقوس الصراع على النفوذ من “المتوسط” إلى “الأحمر”,فقد بات واضحاً ان ملفات الأمن الإقليمى فى تلك المنطقة والتى أسفرت عن إعلان كيان “ارسقا”جرى ترتيبها عبر التنسيق بين مصر السعودية مما دفع تركيا إلى محاولة إيجاد موطىء قدم فى نطاق يمثل امتدادا حيويا للأمن الإقليمي والتأكيد على حضورها لموازنة دور القاهرة التى استعادت بقوة عمقها الاستراتيجى ومكانتها القارية . .
محاولات أنقرة التأكيد على حضورها بالقارة السمراء وأنها جزء من خارطة التنافس تكشفت من خلال تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فى الأسابيع الماضية حيث زار ثلاث دول أفريقية هي الجزائر، وغامبيا، والسنغال، مع وفد رفيع المستوى ضم رئيس المخابرات التركية وعدداً من الوزراء بما فيهم وزير الخارجية ووزير الدفاع، فضلاً عن عدد كبير من رجال الأعمال. استثمر أردوغان زيارته بتوقيع عدد من الاتفاقيات، ومناقشة قضايا عدة،
ومع أن جولة أردوغان ليست الأولى من نوعها فقد زار فى العام 2018، موريتانيا ومالي كما كان أول رئيس تركي يزور الصومال. وغير أن تزامن الجولة مع زيادة التوتر والتصعيد بما يتعلق بالدور التركي في ليبيا يؤشر إلى أهدافها
حيث تذهب التحليلات إلى ان زيارة الرئيس التركي للجزائر تعد استمراراً لسياسة أنقرة في تعزيز علاقاتها مع الدول المعارضة لاستراتيجيتها بالمف السوري على غرار إيران وروسيا، لاسيما وأن الجزائر من الدول التى لديها تفاهمات مع طهران وكذلك نظام الأسد. وكانت من أوائل الدول التي رفضت التدخل العسكري في سوريا، ودعت إلى الحل السياسي كطريق وحيد لإنهاء الصراع . وفى الوقت ذاته استحوذ الملف الليبي على محور المحادثات بين أردوغان والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بما يعنى محاولات أنقرة حشد دعم إقليمي لتدخلها فى ليبيا .
الشحنة التركية الموجهة لأفريقيا لم تقتصر على الدبلوماسية الناعمة فقد تخطتها إلى الصعيد العسسكري ,ففى مطلع نوفمبر الماضي قام وزير الدفاع التركي، الفريق أول خلوصي أكار،بزيارة إلى السودان والصومال، وتضمنت زيارته جزيرة سواكن المُطَلة على البحر الأحمر، والتي منحتها الحكومة السودانية لتركيا لإعادة ترميمها على الطراز العثماني وفق الهدف المعلن لكن يرى مراقبون أن لدى أنقرة مآرب أخرى من تواجد خلوصي آكار ،تتمثل في بحث إقامة قواعد عسكرية للتدريب في جزيرة سواكن السودانية خاصة وأنها جاءت فى أعقاب إجازة مجلس الوزراء القومي السوداني ,في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ,اتفاقية للتعاون والتدريب العسكري بين السودان وتركيا؛ بهدف تعزيز التعاون في مجال التدريب ودعم السلام والاستقرار في البلدين. وعلاوة على ذلك؛ ذكرت بعض الوسائل الإعلامية التركية أنّ أنقرة تبحث إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي هذا إلى جانب القاعدة التركية في الصومال؛ والتي تعد أكبر معسكر تركي للتدريب العسكري خارج البلاد على الإطلاق حيث، تضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى.
وفى الصومال تحاول تركيا استغلال الحالة السياسية من خلال المشاريع الاقتصادية والاستثمارات التجارية حيث كشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن مباحثات تركية – صومالية بشأن التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية للصومال، قائلا إن هناك «عرضا من الصومال من أجل القيام بهذه المهمة على غرار ما تقوم به تركيا قبالة السواحل الليبية ليبدو أن إردوغان، بعد توقيعه اتفاقية بحرية مع حكومة الوفاق اللبيبة برئاسة فايز السراج للبحث عن الغاز في المتوسط، يسعى للتوغل في المياه الإقليمية الصومالية، ربما لتعويض خسائره من الخروج من اتفاقات الغاز بشرق المتوسط.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا، حيث ارتفع حجم الاستثمارات التركية في أفريقيا من 374 مليون دولار في العام 2002 لتصل 6 مليار دولار في العام 2014. يضاف إلى ذلك أن معظم استثمارات الشركات التركية تتركز في دول القرن الإفريقي جيبوتي، الصومال، أرتيريا، وإثيوبياونيجيريا والكاميرون. إضافة الى دول شمال افريقيا التي تضاعف فيها حجم الاستثمارات التركية بصورة كبيرة خلال الخمس سنوات الأخيرة.وبلغ عدد الشركات التركية في إثيوبيا 350 شركة تستقطب ما يزيد عن 400 ألف عامل اثيوبي.
السياسات الملساء إحدى الأدوات التى استخدمتها أنقرة للتغلغل فى العمق الإفريقى حيث عملت جاهدة على نشر ثقافة تعلم اللغة التركية،و توفّر فرص عمل للذين يجيدون اللغة التركية فقط. كما قامت بتغيير أسماء بعض الشوارع من العربية إلى التركية في الدول التي تملك بها نفوذًا كالصومال.
وتعقد تركيا المنتديات والمؤتمرات السنوية بين الصحفيين الأفارقة والأتراك، اضافة الي توسعها في تنظيم الرحلات، وتوجيه دعوات منظمة إلى المثقفين وقادة الفكر والإعلام في الدول الإفريقية، وأطلاقها عديدًا من المواقع باللغات المختلفة لكي تصل الرسائل التركية السياسية إلى المواطنين في إفريقيا. فضلاً عن الدعم الكبير في مجال المساعدات الإنسانية، كما دربتْ العديد من المختصين من الحكومات الأفريقية في المجالات الأمنية والدفاعية.
التوغل التركي فى افريقيا قد يصطدم ببعض التحديات ..فبالرغم مما حققته أنقرة من تطور ملحوظ فى علاقتها بالديد من دول القارة السمراء إذ أن تمثيل دبلوماسي في أكثر من 42 بلداً أفريقيا، وتربطها علاقات تجارية مع 26 منها، إضافة إلى تنظيم شركة الخطوط الجوية التركية رحلات إلى ما يزيد عن 37 بلداً في القارة بيد أن ثمة إشكاليات تتصل بعمق فهمها لطبيعة المجتمع الأفريقي. بالمقابل معرفة الأفارقة بتركيا والذين ليس بإمكانهم التمييزبين مؤسسات غولن العاملة فى بلادهم وبين المنظمات التابعة للسلطة التركية الحالية. وذلك وفق دراسة لمركز الشرق .يضاف إلى ذلك القلق الأوروبى من توسع أنقرة فى أقريقيا ولاسيما من الجانب الفرنسيوالذى يرى أنها تقترب من مناطق كانت خاضعة لنفوذه ولعل هذا مادفع ماكرون إلى مهاجمة الرئيس التركي بشكل كبير خلال زيارته الأخيرة إلى أفريقيا، ن وقال إن الأخير يرسل مرتزقة سوريين وسفن حربية إلى ليبيا. ووصفت جريدة اللوموند الفرنسية أردوغان بالطامع في ثروات أفريقيا.
اضف تعليق