تشكل أساليب التضليل الدعائي عبر وسائل الإعلام ركيزة رئيسية باستراتيجية الملالي وذلك بهدف التأثير على في اتجاهات الرأي العام المحلى والعالمي بشكل يخدم مصالحها ويضخم من حجم قدراتها العسكرية وذلك وفق ما يعرف في الحرب النفسية بـ” الردع الأملس ” غير المباشر
منحدر الخداع الأملس رصدت له إيران ميزانيات ضخمة تمتد إلى بعض دول الجوار وتنشط على وسائل التواصل الاجتماعي لتعكس قدر حرصها المبالغ به على الاستثمار بماكينة الدعاية والإعلام , ولعل أبرز الشواهد على مسلكها ,قيام شركات فيسبوك وتويتر وجوجل التابعة لشركة (ألفابت) بصورة جماعية بحذف مئات الحسابات المرتبطة بإيرانيين قالت شركة أمن إلكتروني عنها إنها تروج لأجندة جيوسياسية لإيران في أنحاء العالم. ويبث الاتحاد العالمي لوسائل الإعلام الإلكتروني محتوى من وسائل إعلام إيرانية رسمية ومنابر أخرى متحالفة مع حكومة طهران عبر الإنترنت وكثيرا ما يخفي المصدر الرئيسي للمعلومات مثل قناة برس التلفزيونية الإيرانية ووكالة فارس الإيرانية للأنباء وقناة المنار التلفزيونية التابعة لجماعة حزب الله اللبنانية.
إمبراطورية ” الملالى ” الدعائية والتي تعمل بانتظام على بث رسائل تعمد من خلالها إلى التأثير فى قناعات الدول , تضم 21 مكتباً إعلامياُ في مختلف عواصم العالم، من ضمنها القاهرة وبيروت ودمشق , تمتلكها هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية, إلى جانب نحو 30 قناة فضائية تبث برامجها يومياً عبر 12 قمراً صناعياً أجنبياً , فضلاً عن تمويل إيران أكثر من 200 محطة تلفزيونية عربية وغير عربية وامتلاك نحو 13 محطة إذاعية موجهة تبث برامج بشتى اللغات ،منها الإنجليزية والفرنسية والعربية والروسية والإسبانية والتركية والكردية والأوردو، ناهيك عن برامج بلغات أفريقية من قبيل الهوسا والسواحيلي وافتتاح تلفزيون «الميادين» فى عام 2016 موقعًا ناطقًا بالإسبانية والذي شكل حلقة وصل بكل من كوبا وفنزويلا حليفتي إيران في أميركا الجنوبية.
الاستراتيجية الإعلامية تسللت إلى لبنان، وتضخمت منذ بدء الأزمة السورية، في محاولة لإنتاج إعلام «ممانع»، مؤيد للسياسة الإيرانية، حيث تعد بيروت، المقر الثاني لمحطات الإعلام الإيراني، وتضم المركز الأكبر لقناة العالم، وأكثر من 15 محطة فضائية تدور فى فلك الملالي ، هذا إلى جانب عشرات المحطات الدينية الصغيرة. كما تمتد الآلة الدعائية الإيرانية على مساحة إعلامية تشمل عشرات المواقع الإلكترونية وبعض الصحف والشاشات، وعبر وجوه إعلامية تحمل ألقابًا وتشارك في عدد كبير من البرامج التلفزيونية على الشاشات المحلية، وتنطق باسم السياسة الإيرانية، مدفوعة بالمال السياسي .
ثلاثية (الثقافة – الإعلام – الاستخبارات) تلعب دوراُ فاعلاً باستراتيجية الترويج الدعائي , فبينما تتولى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي مهام صياغة الخطابات الثورية بلغة مؤثرة , تضطلع وسائل الإعلام بمسؤولية ترويجها فى صورة أخبار وبيانات صحفية ثم يأتي دور الاستخبارات عبر حشد الإمكانات المادية والمعنوية بغية دخولها حيز التنفيذ والإشراف من خلال قسم دائرة “التضليل” وهو أحد أقسام وزارة الاستخبارات والأمن الوطني، على مجمل الأخبار التي يتم نشرها في الصحف والمواقع الإيرانية فضلاً عن خداع وسائل الإعلام الأجنبية لاسيما تلك التي تحاول جمع معلومات عن القدرات العسكرية وأجهزة المخابرات الإيرانية . ويتم تنظيم أجهزة الإعلام الإيرانية من قبل وكالة بث IRIB، التي غالباً ما تشارك بشكل مباشر في نشر المعلومات والدعاية المضللة. كما تعمل الوكالة بشكل مستقل عن الحكومة، ويشرف عليها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، الذي يقوم بإملاء السياسات الإعلامية ويراقب جميع محطات التلفزيون والإذاعة الإيرانية
ماكينة التضليل الإيرانية تركز على محاور أبرزها البعد الطائفي فيما يتعلق بالتمدد الإقليمي ,و تضخيم القوة العسكرية بمواجهة الرأي العام العالمي ,علاوة على صناعة هالة مقدسة حول بعض الرموز والشخصيات والتعبئة الشعبوية عبر التصريحات العدائية لشحن الداخل .
توظيف الايدولوجيا الطائفية أحد الأدوات الرئيسة في السياسات الدعائية الإيرانية، والذي استخدمته كوسيلة للتمدد وتعظيم نفوذها في المنطقة لتجعل من نفسها الدولة القائد للشيعة في دول المنطقة والعالم بأكمله , وبتحليل علمي بسيط لمضمون بعض القنوات الإيرانية الناطقة بالعربية سنجد أنها تتبنى رسالة طائفية لا يمكن إخراجها من سياق واحد وهو خدمة المشروع السياسي الصفوي , فقد وظفت إيران الانتماءات المذهبية بالمنطقة لخدمة أطماعها إذ أن هدف معظم هذه القنوات هو الترويج للسياسات الإيرانية من خلال التحريف وتشويه للحقائق و اختلاق الأحداث لتحقيق الاحتراب والتفريق الطائفي و تحشيد المجتمع العربي ضمن نسق مذهبي لبناء اتجاهات وهويات ضيقة خارج إطار القومية العربية وتوظيف ذلك لأهداف توسعية وسياسية .
ملهم الثورة الإيرانية حاول استغلال البريق الأيديولوجي لها فى سنواتها الأولى , فقام بالتركيز على الدعاية الموجهة للمنطقة العربية عبر تبنى شريعة ” التثوير” فبعد أن تمكن “روح الله الخميني” من فرضها على الشعب الفارسي بسهولة,عمل على تصدير ثورته إلى دول العالم عبر دعم حركات التمرد والمعارضة فطالب منذ البداية بتكرار الثورة ” في البلدان الإسلامية الأخرى كخطوة أولى نحو التوحد مع إيران في دولة واحدة، يكون مركزها طهران في المواجهة مع من أسماهم بأعداء الإسلام في الشرق والغرب.واستهدف فى البداية شيعة العراق عبر إنشاء إذاعة “صوت الثورة الإسلامية في العراق” لكن فى ظل إحكام نظام صدام قبضته على أركان الدولة لم تنجح آلة الدعاية الإيرانية في تحقيق مآربها .
الخطاب الدعائي الإيراني الموجه للمحيط العربي لم يركز في البداية على القضايا الخلافية والمذهبية لكنها خاطبت النزعات الثورية وحركات التمرد وقد تجلى ذلك فى الثمانيات بإصدار مجلة العالم الإيرانية والتي ركزت على القضايا السياسية في المنطقة العربية من وجهة نظر النظام فى طهران , وهو نفس النهج الذى تبنته قناة المنار والتي استغلت القضية الفلسطينية وفكرة المقاومة لجذب الجمهور العربي إليها .لكن مع تطور التقنيات حدث تحول نوعي بالخطاب الإيراني الموجه وبدأ ببث رسائل طائفية وأسهم اندلاع الأزمة السورية في بروز الأهداف الدعائية الإيرانية بشكل سافر حيث أصبحت السياسة الإيرانية الرسمية واضحة للعيان عبر تلك القنوات خاصة فيما يتعلق بمواقفها من المشهدين السوري واليمني واضحة المعالم.
التهويل وتضخيم القدرات العسكرية محور آخر بالدعاية طويلة المدى لنظام الملالي ,إذ يعمد قادة إيران إلى استخدام ماكينة الإعلام للمبالغة فى حجم ترسانتها العسكرية على النحو الذى يمكنهم من ردع الخصوم وتجنب نشوب حرب ضدهم ورفع معنويات حلفائها عبر ترويج بعض الادعاءات المشكوك بها حول الأسلحة التي لم تصل لمرحلة الإنتاج حتى الآن أو لم تدخل حيز التنفيذ مستغلة فى ذلك أساليب التعتيم والحرب النفسية والتي يمارسها بمهارة قسم التضليل من خلال تمرير أخبار كاذبة لوسائل الإعلام الأجنبية فيما يتعلق بإنجازات إيران على الصعيد العسكري .
على سبيل المثال , فى محاولة للتغطية على التأثير الاقتصادي للعقوبات الأميركية أدعت وسائل الإعلام الإيرانية فى 3 نوفمبر الجاري تدشين خط إنتاج الطائرة المقاتلة التي تطلق عليها اسم كوثر، وتزعم أنها محلية الصنع مئة بالمئة. كما أعلنت في أغسطس الماضي عن طائرة “أف 5” والتي تبين فيما بعد أنها طائرة أمريكية تعود لحقبة الشاه وأن الأمر مجرد عملية تدوير للطائرة القديمة فضلاً عن أخبار متواترة عن طائرات بدون طيار فى نوفمبر 2012 وعملية إطلاق غواصة بحرية في مضيق هرمز في أغسطس 2006 علاوة على بث مقاطع فيديو تبرز تجاربها الصاروخية والتطورات بقدراتها التسليحية, والتي غالبا ما يتكشف فيما بعد أنها مجرد شائعات لبث الخوف فى نفوس خصومها و إرسال رسائل ذات مغزى عسكري أنها قادرة رغم العقوبات على تطوير أنظمتها العسكرية ومواجهة الضغوط وبالتالي تجنب أي مواجهات محتملة .
إضفاء هالة من التقديس حول القادة والرموز العسكرية رافد مهم بالسياسة الدعائية , ولعل النموذج الأبرز هنا قاسم سليماني جعلت وسائل الإعلام من قائد “الحرس الثوري الإيراني” بطلاً وصاحب كاريزما .فقد أضحى سليماني قليل الظهور إعلامياً، والذي لم يكن من السهل التعرف عليه ولو بالشارع الإيراني , المادة الرئيسية للأفلام الوثائقية ونشرات الأخبار وحتى بعض أغاني موسيقى البوب في طهران.
حالة الاحتفاء الممهنج والمبالغ بها بالجنرال قاسم سليماني لا تخرج عن كونها نوع من الاستعراض المسرحي للتفوق الإيراني فطهران تصدره كبطل عسكري ورجل يمكن الاعتماد عليه بمواجهة أى تهديدات مستقبلية محتملة للنظام والدولة وقد بلغت عملية التلميع ذروتها حين أطلقت الآلة الدعائية حملة ” كلنا قاسم سليماني ” على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن ظهرت دعوات في الكونغرس الأمريكي إلى اغتياله وتم إصدار طابع بريدي يحمل صوره .
اللعب على وتر التصريحات التصعيدية ضد الخصوم بغية التعبئة الشعبوية سبيل النظام من خلال الماكينة الإعلامية لتجاوز الانقسامات الداخلية إذ أن تنبي خطاب معادى للولايات المتحدة وتعزيز مشاعر العداء تجاه الخصوم طالما استثمره الملالى بمهارة فائقة , وغالبا ما يحدث مردوداً واسعاً وتزداد نسبة مؤيديه مع استدعاء نظرية المؤامرة وتصدرها للمشهد فضلاً عن كونه لا يزال مؤثراً بالأوساط السياسية الموالية لطهران .
اضف تعليق