يصعب على مشاهد برامج التلفزيون السوري الرسمي ان يصدق ان هناك أزمة في البلاد, إلا أن الانفجار الذي وقع في وسط العاصمة قبل اكثر من اسبوع والمعارك التي وصلت دمشق, فتحا نافذة على الواقع الحزين.
على مدى اكثر من 16 شهرا من الازمة التي تطورت الى نزاع مسلح, خصص التلفزيون السوري معظم برامجه لمواضيع خفيفة مثل النظام الغذائي, وحفظ التراث, وتربية الاطفال, و… ممارسة الرياضة من اجل وضع صحي ومعنوي افضل.
بعد انفجار 18 يوليو الجاري الذي تسبب بمقتل أربعة قادة أمنيين كبار في البلاد والمعارك التي اندلعت في دمشق حيث الحراسة الامنية مشددة الى اقصى حد, تغيرت لهجة التلفزيون بعض الشيء.
وبثت القناة للمرة الاولى صور جثث مدماة, وجنود يعلنون بفخر انهم "طهروا" العاصمة من "فلول العصابات الارهابية بناء على طلب من الاهالي".
وكان التلفزيون بث في السابق صور جثث فقط لدى اتهام قوات النظام بارتكاب مجازر في مدينتي حمص والحولة وغيرها, ليؤكد ان المجازر في الواقع من تنفيذ "مجموعات ارهابية مسلحة".
ويتم تمرير صور التطورات الامنية واخبارها في النشرات الاخبارية, مع استعادة متكررة لعبارات "المؤامرة" و"محاولات نشر الفوضى" التي تواجهها سورية والتي "لن تخضع لها".
ومنذ حوالي اسبوعين, يبث التلفزيون السوري لقطات مصورة "لقواتنا المسلحة الباسلة" وهي تتدرب او تقاتل, وتختم كلها بعبارة "الجيش الوطني السوري, حامي الوطن".
ويركز التلفزيون على البيانات الصادرة عن السلطات والتي تحمل على قناتي "الجزيرة" و"العربية", مؤكدة انهما تبثان "الاكاذيب" عن سورية.
ويحمل التلفزيون شعاراً هو: "صوتنا اقوى… صورتنا اوضح".
رغم ذلك, تبقى برامج التلفزيون من نوعية خفيفة بالمقارنة مع مأساوية الاحداث الجارية في سورية.
وفيما تحتل سورية العناوين الاولى في كل محطات التلفزة في العالم التي تبث صور الحرائق والدمار والقتلى الذين تجاوز عددهم 19 ألفاً في 16 شهرا, يستفيق مشاهدو التلفزيون السوري صباحاً على برنامج رياضي, يشرح فيه شاب كيفية تقوية العضلات في قاعة كتب على احد جدرانها بالانكليزية "تمتع بحياة صحية".
ومن المواضيع التي ركزت عليها البرامج الصباحية التي تستضيف ضيوفاً من قطاعات مختلفة خلال الفترة الاخيرة "فوائد الخبز الاسمر والابيض", و"مزارع النعام وامكانية التوسع في تربيتها", و"معرض احياء التراث القديم في حلب", و"التغذية النباتية فوائد ومضار", و"انعكاس البخل على الطفل".
كما تناولت هذه البرامج افطارات رمضان, ومشكلات توزيع الاعلاف في سورية, و"البشرة النضرة في الغذاء الصحي".
تضاف الى ذلك, مسلسلات سورية تحظى عادة بشعبية كبيرة بين مشاهدي التلفزيون في العالم العربي.
قبل بدء المعارك في العاصمة منتصف يوليو الجاري, تم بث ريبورتاج باللغة الانكليزية عن جمال موسم الصيف في دمشق.
في اليوم الأول للمعارك, قطع التلفزيون السوري برامجه ليقوم ببث مباشر من حي الميدان القريب من وسط العاصمة ليؤكد ان "الوضع هادئ تماما" في دمشق.
واوقف مراسل التلفزيون سيارات مرت في المكان ليطرح اسئلة على سائقيها وراكبيها الذين بدوا خائفين بعض الشيء, رغم تأكيد بعضهم ان الامور على ما يرام ولا توجد معارك, وذلك قبل ان تقاطعهم اصوات انفجارات ورشقات رشاشة.
وانتشر هذا المقطع المصور على مواقع الانترنت مع تعليقات ساخرة لا تحصى.
ويصف الناشطون السوريون المعارضون التلفزيون السوري بأنه اداة لتشويه الحقائق والترويج السياسي للنظام.
وفرض الاوروبيون والاميركيون خلال الاشهر الماضية عقوبات على هيئة الاذاعة والتلفزيون في سورية.
ولا ينجح التلفزيون السوري الذي لا يسمح بغيره في الأماكن العامة في دمشق, في إقناع حتى الموالين له.
ويقول بسام, وهو صاحب محل تجاري صغير في دمشق, انه حتى وقت قريب مضى, كان لا يشاهد إلا التلفزيون الرسمي وقناة "دنيا" السورية شبه الرسمية. ويضيف "اريد ان ادعم الحكومة والجيش, لكن هاتين القناتين لا تقولان الحقيقة".
بدوره, يقول احمد, وهو سوري لجأ إلى بيروت أخيرا, "كنت أشاهد تلفزيون الدولة, لكنني توقفت عن ذلك. يعتقدون اننا أغبياء".
وتقول شابة سورية في بيروت تؤكد انها مؤيدة للرئيس بشار الاسد "انهم يبالغون. لا يأتون على ذكر التظاهرات والمعارضة. هذا خطأ".
على مواقع التواصل الاجتماعي, يتم التداول بنكات عن التلفزيون السوري, مثل ذاك الجندي الذي أوقف على حاجز سيارة فيها عائلة قالت انها تتوجه في نزهة الى احدى المناطق المضطربة, فيقول لها الجندي "يبدو انكم لا تشاهدون إلا التلفزيون السوري".
اضف تعليق