يبدو أن عام 2019 قد أبى أن يرواح مكانه دون أن تقض شرارة الاحتجاجات مضاجع الملالى ..إذ تبرهن موجة الحراك التى اندلعت في إيران مرة أخرى أن تطلعات الشعوب واحدة وإن تباينت الأنظمة وكما هو الحال في لبنان والعراق – فإن ما يقاتل من أجله الشعب الإيرانى اليوم , حقه فى العيش بكرامة والسعي لتحقيق الرخاء والرفاهية الاقتصادية .
موجة الاحتجاجات التي خرجت على وقع قرار الحكومة زيادة أسعار البنزين بنسبة 300% ورفع شعارات منددة بالإجراء ، لم تثن الحكومة الإيرانية عن تنفيذه ,بشكل يعكس عجز النظام الملائى وربما إصراره على تجاهل متطلبات شعبه , فقد اندلعت مظاهرات مماثلة العام الماضي، احتجاجاً على الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار والفساد الاقتصادي، متحولة فيما بعد من مطالب إصلاحية إلى دعوات لإسقاط النظام في إيران، حتى استطاعت السلطات الإيرانية إخمادها من خلال الحرس الثوري والذى يعد الحرس الوفى للمرشد الأعلى, إذ تورطت قوات الحرس على مدار 38 عاماً فى حملات اعتقال وتعذيب واغتيال بغية حماية النظام وعلى الأرجح سيواصل نفس النهج لقمع المتظاهرين .
“لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء إيران”، أحد الشعارات التى رفعها الشباب مؤخراً وتوشى بانهيار النظام الإيراني والرفض الداخلى لانخراط صناع السياسة فى تمويل الجماعات المتطرفة والحرب في العراق واليمن وسوريا. وقد استطاع نظام الملالى عبر أجنحته الخارجية فى تحويل أربعة بلدان عربية إلى ساحات للتناحر والدمار بزعم الحفاظ على الهوية الشيعية كما تسبب من قبل فى إشعال الحرب الأهلية الأفغانية وغيرها من بؤر الصراع .السعى الدائم للتمدد ومحاولات الانتشار الجيوسياسى رفع ميزانية الإنفاق الإيرانى على ميليشياته وأذرعه الخارجية إلى 30 بليون دولار سنويا . فالتمويلات المتزايدة للجماعات المسلحة أرهقت خزانة الدولة والمظلات الدعائية أَضحت كالزبد فوق أمواج الفقر والبطالة .
الثورة تأكل الثروة , فبينما تحيط أكواخ الصفيح بالعاصمة طهران يسيطر قادة الحرس الثورى على حوالي ثلث الاقتصاد ، وذلك من خلال بسط نفوذهم على عدد من المؤسسات والصناديق الخيرية و مئات الشركات في قطاع النفط والتعدين والطاقة بما فيها المشروع النووى . ويملك رجال الدين الذين يمسكون زمام السلطة ثروات طائلة قدرتها بعض المصادر بأكثر من 900 مليار دولار, ويحصل الحرس الثوري الإيراني على أكثر من 12 مليار دولار سنويا .
التضخم الحاد بثروات رجال السلطة يقابله على الشاطى الآخر ترد بالأوضاع المعيشية للسكان ,وحسب تقديرات الحكومة فإن نحو 15 مليون شخص بواقع 40 بالمئة من الشعب الإيراني يقبع تحت خط الفقر المدقع، وما نسبته 25 بالمئة من الإيرانيين يسكنون في بيوت من الصفيح بسبب عدم استطاعتهم تأمين المال الكافي لدفع الإيجار ، وهناك 12 بالمئة من الأسر تعيلها النساء، و82 بالمئة من هؤلاء المعيلات عاطلات عن العمل , ولا يزال أكثر من 11 مليون شخص في إيران يعانون الأمية، بالإضافة إلى 24 بالمئة من الشباب العاطل عن العمل.
نحن ندعم بقوة المطالب المشروعة للشعب الإيرانى فقد جاءت على خلفية مظالم شعبية تفاقمت على ايدى الملالى والحرس الثورى فالقماط الدينى والحلة المقدسة التى نسجها “بطل النهضة الإسلامية” وأفرزت دولة الإسلام السياسي الملائي لم تعد مشبعة لتطلعات الشعب الإيرانى و الذى بات يشعر أنه سقط فى الفخ, فلا فارق اليوم لدى جموع الشعب بين الشاه والولى الفقيه سوى العمامة السوداء لذا حتّى لو جرى إخماد الانتفاضة بالقبضة الحديديّة فإن النار ستظل مستترة تحت رماد الكتمان لسبب بسيط وكاف هو أن الشّعب اكتَشف مصادر قوّته .
اضف تعليق