الرئيسية » تقارير ودراسات » الحكومة العراقية الجديدة ..صراع التحالفات والأجندات الخارجية
تقارير ودراسات رئيسى

الحكومة العراقية الجديدة ..صراع التحالفات والأجندات الخارجية

ضجيج الاحتجاجات التي تشهدها بغداد منذ أسابيع لا يضاهيه سوى صخب الحراك على الصعيد السياسي لتشكيل الحكومة المقبلة فما بين تحذيرات سليماني  وتحفظ السيستاني وتدخلات الوسيط الأمريكي تدور القوى الفائزة في الانتخابات الأخيرة في فلك تشكيل الكتلة الأكبر والتي سوف يكون من حقها تسمية رئيس الوزراء .

تحركات واسعة شهدتها  الساحة العراقية أول أمس,  فبينما لا تزال الكتل السياسية الفائزة  تبحث تشكيل الكتلة الأكبر فى البرلمان والتي ستتولى إعلان الحكومة الجديدة , أصدر رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، مرسوماً جمهورياً يقضي بدعوة مجلس النواب لعقد جلسته الأولى في الثالث من شهر أيلول المقبل، على أن يترأس الجلسة أكبر الأعضاء سناً وذلك رغم الضغوط على الرئيس ومحاولات تأخير الجلسة.

قرار المعصوم والذي نقل سباق تشكيل الحكومة من المشاورات إلى الخطوات الفعلية على الرغم من أنه جاء مراعاة  لمقتضيات المصلحة العامة وتطبيقاً لأحكام الدستور , وفقا لبيان رئاسة الجمهورية غير أن استمرار الحوارات بين الأحزاب والكتل السياسية، والتى لم تسفر حتى الآن عن التوافق على الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة يثير المخاوف من أن تتحول الانفراجة المرتقبة إلى انتكاسة تزيد من تعقيدات  المشهد السياسي في البلاد في ظل الوضع الأمني الهش في وسط وشمال وغرب العراق لاسيما وأن المدة قصيرة وأنه فى الجلسة الأولى للبرلمان سينتخب رئيس المجلس ومن ثم رئيسا للجمهورية، ومن ثم يكلف الأخير الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة خلال شهر، وهذا كله يجب الاتفاق عليه مسبقا، حيث سوف يتم الإعلان عن تلك الاتفاقات في الجلسة الأولى.

سباق التحالفات لتشكيل الكتلة الأكبر اعترته  تحركات واسعة قام بها  ممثلي القوى الدولية ( واشنطن وإيران ) بغية حسم السباق لصالح احد المعسكرين الشيعيين إذ أن  الوسيط الأميركي، بريت ماكغورك، يتواجد في العراق منذ منتصف الشهر الجاري، وينافسه على الجانب الآخر قائد فيلق القدس، الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ومعاونوه الثلاثة، إيرج مسجدي وكريم رضائي ومحمود أكبر زاده.  حيث يواصل الجانبان جهودهما الرامية إلى وصول شخصيات عراقية تتوافق مع أجندتهما .

وفى حين تسعى واشنطن إلى وصول شخصية شيعية غير تصادمية لرئاسة الحكومة وترى أن رئيس الوزراء الحالى هو الخيار الأمثل وفى سبيل تحقيق ذلك  تساند بشكل غير معلن ، جبهة ، حيدر العبادي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وإياد علاوي. تدعم طهران كلا من نوري المالكي (ائتلاف دولة القانون) وزعيم منظمة بدر هادي العامري (يتزعم أيضاً ائتلاف الفتح).

المعسكر الأول استطاع حتى الآن جمع نحو 130 مقعداً، ويضم سائرون بزعامة مقتدى الصدر (54 مقعداً)، والوطنية بزعامة إياد علاوي (21 مقعداً)، والحكمة بزعامة عمار الحكيم (19 مقعداً)، والنصر بزعامة حيدر العبادي (42 مقعداً)، إلى جانب قوائم أقليات تركمانية ومسيحية، وقال مسئولون في هذا الفريق، “إنهم أخذوا وعوداً شفوية، الأحد الماضي، منهم باللحاق بالتحالف، كونه أكثر عراقية من الأول”.

أما الجناح الثاني, فقد نجح من جمع أقل من 100 مقعد، ويضم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي (26 مقعداً)، والفتح بزعامة هادي العامري (48 مقعداً)، وإرادة بزعامة حنان الفتلاوي (3 مقاعد)، وكفاءات بزعامة هيثم الجبوري (مقعدين)، إضافة إلى كتل صغيرة حققت مقعداً أو مقعدين في جنوب العراق، فضلاً عن آخرين قال قياديون في هذا المعسكر إنهم “خلعوا بيعتهم للعبادي والحكيم وتعهدوا بأن يكونوا معنا”.

ووفقا للتحالفات السابقة أضحت الكتل السنية بقيادة المحور الوطني (53 مقعداً ) إلى جانب المكون الكردي ويمثله الحزب الديمقراطي والاتحاد الكردستاني (43 مقعداً) , رمانة الميزان , إذ أن تحالف هذه الكتل مع أحد الجناحين من شأنه أن يرجح كفة طرف على الآخر ويحسم الصراع  ولعل هذا ما دفع المبعوث الأمريكي إلى تخصيص أكثر من طائرة بين بغداد وأربيل لحركة قيادات وزعامات سنية وكوردية.

الجولات المكوكية للوسيط الأمريكي دفعت  القيادي في تحالف الفتح قيس الخزعلي إلى اتهام الولايات المتحدة أمس الثلاثاء بـ”التدخل السافر” في مفاوضات تشكيل الحكومة الاتحادية في العراق، قائلًا: “إن واشنطن تسعى لفرض شخصيات محددة خلال المفاوضات بين الكتل الفائزة والمتنافسة”. تصريحات الخزعلي والتي جاءت بعد اجتماع عقده ائتلاف الفتح الذي يضم قادة الحشد الشعبي أكد خلالها أن مبعوث الرئيس الأمريكي بريت ماكغورك سيصل الثلاثاء بغداد ومعه وفد أمريكي، للضغط على بعض الأطراف بشأن تشكيل الحكومة.

رحلات المبعوث الأمريكي  والتي يتحدث عنها القيادي في تحالف الفتح  ليست بجديدة فقد بدأت عقب إعلان نتائج الانتخابات فى مايو الماضي حيث انتقل ماكغورك، إلى أربيل بعد انتهاء سلسلة لقاءات له مع الزعامات العراقية، الشيعية والسنية.ولكن للإنصاف لم يكن المفوض الأمريكي وحده هو الذي يطوف أرجاء العراق  بغية رسم ملامح الحكومة المقبلة حث دخل قاسم سليماني، إلى بغداد في الوقت ذاته، وعقد مجموعة من اللقاءات مع قيادات شيعية وزعامات في “الحشد الشعبي”، محاولًا الوصول إلى السليمانية للقاء زعماء “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني”.

ولعل الفارق بين جولات سليماني ولقاءات ماكغورك يكمن في أن  طهران لا تتخذ موقفًا سلبيًا كليًا من تحالف الصدر، وتحاول العزف على وتر الطائفية  والحفاظ على “البيت الشيعي” عبر التحذير من خطورة الانقسام الحالي بين القوى السياسية الشيعية على استقرار العراق حيث نقلت مصادر بتحالف النصر أن قاسم سليماني اعتبر استبعاد تحالف الفتح (الجناح السياسي للحشد الشعبي) من أي دور في الحكومة الجديدة سيؤدي إلى مشاكل جمة في العراق مستقبلاً,

تحذيرات  سليماني من انقسام البيت الشيعي ومحاولات ترتيبه من الداخل  هدفها بالمقام الأول غرس نواة القائمة الأكبر لتفويت الفرصة على واشنطن من جانب، ولاستخدام الملف العراقي في الصراع الدائر بينهما من ناحية أخرى وذلك من خلال رأب الصدع  بين جناحي حزب “الدعوة” الإسلامية، المتمثلين بقائمتي “النصر”، بزعامة حيدر العبادي، و”دولة القانون”، بزعامة نوري المالكي، ومن جانب آخر قائمة “الفتح” التي تمثل الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، وكذلك “تيار الحكمة”، مع بذل مجهود لإلحاق كتلة “الاتحاد الوطني الكردستاني” بهذا القوائم، مع عزل قائمة “سائرون”، بزعامة مقتدى الصدر، حال  رفضها الانضمام للتحالف الجديد.

تحفظ المرجع الديني علي السيستاني ، ورفضه التدخل في مجريات العملية السياسية أو إعلان دعمه لأحد المعسكرين الشيعيين أضفى  مزيداً من التعقيد على المشهد  لكن مصادر مقربة منه أشارت إلى أنه يميل إلى موقف زعيم التيار الصدري وشروطه الأربعين، وهو ما فسره البعض على أنه رفض غير معلن لمشروع الأغلبية السياسية الذي يقوده معسكر المالكي ـ العامري.

الموقف الإيراني بدا أضعف في الآونة الأخيرة خاصة  فيما يتعلق بإقناع السنة والأكراد .حيث أسفرت التحركات الأميركية والتى تأتى فى إطار تقويض النفوذ الإيرانى, عن عدول العديد من الكتل السنية بما فيها الحزب الإسلامي  عن فكرة التحالف مع نوري المالكي والعامري , كما تمكن المبعوث الأمريكي  من جذب الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني لمعسكر العبادي .ولعل هذ ما دفع وكلاء إيران إلى التحرك بشكل واسع حالياً لسحب أعضاء منفردين أو قوائم داخل تحالف النصر والحكمة لاسيما بعد  أن باءت جهود جمع شمل البيت الشيعي بالفشل.

وتبدو سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية محدودة هذه المرة ولن تسير الأمور على نحو ما جرى  في الأعوام السابقة من تشكيل الكتلة الأكبر من الطائفة الشيعية وتذهب بقية الكتل للمشاركة في الحكومة التوافقية , لذا يقف العراقيون أمام ثلاثة خيارات  الأول : نجاح إحدى الكتل (العبادي والصدر) أو (العامري والمالكي) في تشكيل الكتلة الأكبر من خلال تحالفاتها مع بقية الفائزين، وعند عدم نجاحهما،يلوح في الأفق الاحتمال الثانى  وهو تشكيل الكتلة الأكبر من النواب الشيعة الفائزين وبرعاية إيرانية وهو ما ترفضه واشنطن و كتلة سائرون والنصر. أما الخيار الثانى والمستبعد أن تذهب الكتل إلى البرلمان دون اتفاق وفى هذه الحالة يكون لسائرون الحق فى تشكيل الحكومة . لكن حال فشل جميع الاحتمالات السابقة وعدم تقديم تنازلات من بقية الكتل وفي ظل عدم القبول بالهزيمة سيتم التوجه إلى تشكيل حكومة طوارئ تتولى أمور الدولة لحين إجراء انتخابات جديدة.

مابين ركام الأزمات واحتدام الضغوطات الإيرانية – الأميركية لبناء تحالف سياسي يخضع لإحدى الدولتين ينتظر العراقيون من هذا المشهد إنتاج حكومة تمثلهم !