كان غلاف العدد السابق من مجلة "الوطن العربي": لبنان في قلب الفتنة، والفتنة وقعت، وأشعل فتيلها اغتيال العميد وسام الحسن "صار لواء بعد استشهاده"، رئيس فرع المعلومات في قوي الأمن الداخلي "صار شعبة مستقلة بعد حادث الاغتيال"، ولم يعد مطروحاً سؤال: من قتل وسام الحسن؟ فالجواب معروف، وجاء علي لسان الجميع وفي مقدمتهم أركان حركة "14 آذار" ومعهم وليد جنبلاط، والجواب عرف عندما كان وزير الإعلام السوري أول المستنكرين للانفجار الذي وقع قرب ساحة ساسين قلب الأشرفية النابض، وجاء استنكاره حتي قبل أن يعرف أحد أن الحسن هو المستهدف وعرف المجرم عندما ندد "حزب الله" بالانفجار لا باغتيال الحسن، وعندما وزع أنصاره الحلوي والعصائر ابتهاجاً بمقتله.
لكن مصادر أمنية غربية رفيعة المستوي قالت إن اغتيال وسام الحسن ليس هدفاً بحد ذاته، ولا إشعال فتنة في لبنان هو الهدف، فالحدثان وسيلة لتنفيذ مخطط أكبر هو خطة إيران لمرحلة ما بعد سقوط بشار الأسد، إذ تعتقد طهران أن سقوط بشار مع بقاء سورية موحدة سينهي وجودها في هذه الدولة الحيوية، وبالتالي ستفقد نفوذها الإقليمي، وإن خير وسيلة لإنقاذ هذا النفوذ هو تقسيم سورية إلي دولتين سنية وعلوية، بحيث تستطيع أن تنقذ هذا النفوذ الضروري لتمويل إيران من قوة محلية إلي قوة إقليمية.
ولكن ما علاقة اغتيال وسام الحسن بهذا المخطط، تقول المصادر إن المخطط الإيراني لتقسيم سورية يتطلب أيضاً إعادة تشكيل الخريطة اللبنانية، وحسب هذه المصادرأن الدولة العلوية ستقوم علي كامل الساحل السوري من الحدود التركية شمالاً إلي الحدود اللبنانية جنوباً، باستثناء شريط ضيق يحاذي الحدود اللبنانية، ويتصل بالدولة السورية السنية ليمنحها منفذها الوحيد علي البحر، وتمتد الدولة العلوية بمحاذاة الجزء الشمالي من حدود لبنان الشرقية لتتصل مع المناطق الشيعية في بعلبك – الهرمل والبقاع، إضافة إلي شريط ضيق آخر يتصل مع المناطق الشيعية في الضاحية الجنوبية من بيروت والجنوب وبمقتضي هذه الخطة يجب اقتطاع أراض لبنانية لتأمين التواصل بين أجزاء الدولة العلوية، وسيترك للمسيحيين مناطق حكم ذاتي تشكل حدوداً فاصلة تقريباً بين الدولتين العلوية والسنية.
وأضاف المصدر أن إيران تعاملت مع سورية وفق خطة علي مرحلتين كما فعلت في العراق تماماً، فقد وقفت بكل قوة إلي جانب بشار الأسد ليحتفظ بسورية تحت قيادته، وإذا ما سقط الأسد فإن الخطة البديلة هي تقسيم سورية لتحتفظ إيران بجزء من نفوذها في الدولة العلوية المطلة علي شرق البحر الأبيض المتوسط.
وفي بيروت أشعل الاغتيال الشارع السني، ومعه كل رافض للهيمنة السورية ولإرهاب سلاح "حزب الله" من الجنوب إلي بيروت إلي الشمال إلي البقاع، فقطعت الطرقات بالإطارات المشتعلة، وحاويات النفايات، وشهدت مدينة طرابلس عاصمة الشمال اللبناني ظهوراً مسلحاً كثيفاً بمثابة استعراض للقوة، وللإعلان عن أن القوة ستواجه بالقوة.
وقد وصف البعض اغتيال وسام الحسن بأنه يوازي في تداعياته اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأنه سينقل لبنان من مرحلة انتظار الأسوأ إلي المرحلة الأسوأ إلي مرحلة المجهول السياسي والأمني والمذهبي.
ويتخوف اللبنانيون من أن ينفلت حبل الأمن الهش في ظل انقسام سياسي خطير وتداعيات أمنية من الجوار السوري المتمحور مع إيران، بينما أداءه المحور في لبنان "حزب الله" ماضية في طريق التصعيد، داخلياً وخارجياً، عندما اعتبرت أن مقاتليها في سورية يجاهدون من أجل الإسلام، وعندما أرسلت طائرة إيرانية بدون طيار لتحلق فوق إسرائيل.
ويري محللون أن الشبهات في اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوي الأمن الداخلي في لبنان وسام الحسن تتركز علي سورية، ولا يستبعدون دخول لبنان في الفوضي التي يخشاها كثيرون نتيجة هذه العملية.
ويري هؤلاء أن الدقة التي نفذت بها عملية الاغتيال التي أودت بحياة اللواء الحسن، "رأس الحربة ضد النظام السوري"، تؤشر إلي أن هذا النظام، قوة الوصاية السابقة علي لبنان، علي الرغم من الضربات التي تلم به بسبب الأزمة علي أرضه، لا يزال قادراً علي التحرك علي أرض جاره.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية غسان العزي: وسام الحسن كان هدفاً لحملات يومية من الصحافة اللبنانية المقربة من سورية وكانت دمشق تتهمه بمساعدة الثوار السوريين المعارضين لبشار الأسد.
ويضيف: دمشق لم تعد تتحمله خصوصاً بعد أن ضبط الوزير السابق ميشال سماحة، أحد أبرز حلفاء سورية، بالجرم المشهود وهو ينقل متفجرات من الأراضي السورية لتفجيرها في لبنان. وأوقف فرع المعلومات الذي يرأسه الحسن في التاسع من أغسطس "آب" ميشال سماحة في منزله.
وأفادت معلومات التحقيق معه أنه تم ضبطه، في شريط مسجل بالصورة والصوت، وهو ينقل متفجرات في سيارته مخصصة للتفجير في مناطق في شمال لبنان لزرع الفوضي. وأصدرت مذكرات توقيف في حقه وفي حق المسؤول الأمني السوري علي المملوك.
وتري عميدة كلية العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف فاديا كيوان أنها حرب بين الأجهزة الأمنية "السورية واللبنانية"، ووسام الحسن كان رأس حربة في هذه المواجهة مع النظام السوري، لا سيما منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري العام 2005 في بيروت. وتضيف: بقي النظام السوري في لبنان35 عاماً، وتمكن من اختراق كل الإدارات، وكان موجوداً في كل الحكومات. وقد تسلل إلي كل جهاز. وكانت كيوان تشير إلي فترة وجود الجيش السوري في لبنان بين 1976 و2005، والتي مارست خلالها دمشق نفوذاً واسعاً علي الحياة السياسية اللبنانية. وخرج الجيش السوري تحت ضغط الشارع والمجتمع الدولي من لبنان بعد اغتيال الحريري.
وكان الحسن يعرف أنه في خطر، وقد عاد في المساء الذي سبق اغتياله إلي بيروت من باريس التي هرب عائلته إليها خوفاً من تعرضها لأذي في حال استهدافه.
ونقلت الصحف عن مدير عام قوي الأمن الداخلي أشرف ريفي أن أحدا لم يكن يعرف بموعد عودته إلي لبنان. وقال ريفي إنه لم يكن يطرح عليه أسئلة حول تنقلاته وأمنه، لأنه "عقل أمني" وكان يتولي مسألة المواكب التي ترافقه.
ورغم أنه لم يكن ضمن موكب الجمعة، بل في سيارة عادية مع مرافق قتل بدوره في الانفجار، إلا أن منفذي الجريمة كانوا علي علم بهذه الرحلة القصيرة بين منزله في الأشرفية ومكتبه الواقع علي بعد بضعة كيلومترات.
وفجروا السيارة المفخخة بما بين ستين إلي سبعين كيلوغراماً من الـ "تي إن تي"، بحسب ريفي، في شارع ضيق وحي سكني أصيب بدمار شامل.
ويقول العزي إن السوريين يعرفون كل دهاليز الدولة، والشبهات تتركز حولهم، ولو أنه لا يمكن استبعاد الفرضية الإسرائيلية تماماً، مذكراً بأن الحسن تمكن أيضاً من تفكيك شبكات تجسس عديدة كانت تعمل لصالح إسرائيل.
ويري الخبير الفرنسي في الشؤون السورية فابريس بالانش بدوره أن سورية هي المشتبه به الأول.
ويقول مدير مجموعة الأبحاث والدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط التي تتخذ من ليون (فرنسا) مقراً، إن بشار الأسد يريد أن يفرض احترامه عبر فرض الخوف علي أعدائه. والمحللون لا يستبعدون تدهوراً واسعاً في لبنان بعد عملية الانفجار – الزلزال.
وسام وإنجازات
وسام الحسن يصفه رفاقه بأنه "رجل المهمات الصعبة"، قتل يوم 19 أكتوبر "تشرين الأول" 2012 في انفجار ضخم بالعاصمة اللبنانية بيروت، وهو ضابط سني برتبة عميد يرأس فرع المعلومات في قوي الأمن الداخلي، ولعب دوراً بارزاً في كشف عمليات واغتيالات في لبنان يتهم فيها النظام السوري. عاد الحسن "47 عاماً" من باريس في الليلة التي سبقت اغتياله، ولم يعرف بعودته إلا أشخاص قليلون جداً بحسب مسؤولين في قوي الأمن الداخلي، إذ كان الحسن يلتزم بكثير من الحذر في تنقلاته لأنه كان يعرف أنه مستهدف وهذا ما دفعه لإرسال عائلته إلي العاصمة الفرنسية لحمايتها من أي خطر.
وهو مربوع القامة، مع شارب صغير في وجهه الباسم غالباً، لم يكن وسام الحسن يشاهد إلا في المناسبات الرسمية، وقد ظل رغم الإنجازات الأمنية التي حققها علي رأس فرع المعلومات، ورغم الحملات الإعلامية التي تعرض لها من خصومه بعيداً عن الضوء إجمالاً.
ولعل أبرز هذه الإنجازات كشفه أخيراً مخططاً للقيام بتفجيرات في مناطق لبنانية عدة، اتهم فيه النظام السوري والوزير اللبناني السابق الموقوف حالياً ميشال سماحة. وقال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إن الحسن قتل لأنه "أوقف ميشال سماحة، ولأنه من الأشخاص القلائل الذين لا يخافون أحداً في عملهم".
وكان للحسن وفرع المعلومات دور مهم أيضاً في كشف شبكات تجسس لحساب إسرائيل، ومجموعات متطرفة تخطط لتفجيرات في لبنان، ويقول عنه ضباط في قوي الأمن الداخلي بأنه "رجل المهمات الصعبة"، بينما وصفته صحف لبنانية بأنه "الرجل القوي".
ولد الحسن في إبريل "نيسان" 1965 في بلدة بتوارتيج بمنطقة الكورة شمال لبنان، وانضم إلي معهد قوي الأمن الداخلي عام 1983، وهو متزوج وله ولدان. وكان مدير المراسم التابع لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري لدي اغتيال هذا الأخير في عملية تفجير ضخمة وسط بيروت في فبراير "شباط" 2005، وكان من المقربين منه، ولا يزال قريباً من نجله سعد الحريري أبرز زعماء المعارضة الحالية.
تعرض خلال السنتين الأخيرتين لحملات عنيفة من خصوم الحريري المتحالفين مع دمشق في لبنان، ورقي قبل أشهر إلي رتبة عميد، ثم رقي إلي رتبة لواء بعد مقتله.
اضف تعليق