مع تزايد التوترات بين أديس اباب والخرطوم بسبب نزاع مستمر منذ عقود على الفشقة، وهي أرض ضمن الحدود الدولية للسودان يستوطنها مزارعون من إثيوبيا منذ وقت طويل تلوح فى الأفق نذر اندلاع حرب شاملة ومواجهات مسلحة بين الجانبين .
وتشهد العلاقات بين السودان وأثيوبيا، منذ أواخر شهر نوفمبر الماضي، توترا بسبب انفتاح الجيش السوداني وإعادة سيطرته على العديد من المواقع والنقاط. وقالت أديس أبابا، اليوم الثلاثاء، إنها “رصدت تحركات للجيش السوداني داخل الحدود الإثيوبية”، في الوقت ذاته نفى وزير الإعلام السوداني تلك التصريحات ووصفها بالادعاءاتو أكدت الحكومة السودانية الأربعاء أن طائرة عسكرية إثيوبية اخترقت الأجواء السودانية، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
ووصفت وزارة الخارجية السودانية الخطوة بـ”التصعيد الخطير وغير المبرر”، مشيرة إلى أنه ستكون لها عواقب خطيرة وستزيد التوتر في المنطقة الحدودية. ودانت الخرطوم ما وصفته بـ”الأعمال العدائية” و أعربت عن أملها في ألا تتكرر مرة أخرى، نظرا لانعكاساتها الخطيرة علي علاقات البلدين وعلي الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.
ورغم محاولات نزع فتيل التوترات بالدبلوماسية. أظهر السودان موقفاً صلباً فيما يتعلق باستيراد أراضيه في منطقة الشفقة، حيث استغلت الخرطوم حرب تيغراي لاستعادة معظم أراضي منطقة الفشقة التي تحتلها ميليشيات أمهرية إثيوبية، وتدعي أديس أبابا أنها لا تسيطرعليها.
في المقابل فإن إثيوبيا التي لم ترد على تحركات الجيش السوداني خلال تحريره للفشقة، بسبب انشغالها على ما يبدو بحرب تيغراي، إذ يبدو أنها تحاول عكس الأحداث عبر تحركاتها العسكرية الأخيرة، بعدما حسمت حرب تيغراي أسرع مما توقع أغلب المراقبين
ملف سد النهضة ألقى بظلاله على الحدود الملتهبة حيث اعتبر ياسر عباس، وزير الري والموارد المائية السوداني مؤخراً أنه لا يمكن الاستمرار فيما وصفه بـ”الدائرة المفرغة” من المباحثات الدائرية إلى ما لا نهاية، بالنظر لما يمثله سد النهضة من تهديد. ومع تصعيد السودان في ملف سد النهضة بهذا الشكل غير المسبوق والتوتر الحدودي نصبح بصدد التساؤل حول احتمالات نشوب حرب بين الجانبين .
تكهنات المراقبين حول الحرب تضع في حسبانها ان السلطة الحاكمة في اديس ابابا لن تسكت ولن ترضي علي استرداد السودان لاراضيه التي خضعت لمدة (٢٦) عام للسيطرة الاثيوبية واقامت عليها مشاريع زراعية كبيرة ومصانع صغيرة، واسكنت عشرات الآلاف من الفلاحين الاثيوبيين ومنحتهم المعدات الزراعية والتركتورات.
يضاف إلى ذلك تداخل الأوضاع وتعقدها فى المنطقة فالأمر لا يتعلق, فقط , بترسيم الحدود الممتدة بما يقارب ألف كيلومتر بين البلدين بل يتربط بملف سد النهضة ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود ..بما يعنى تزايد احتمالات أن نشوب صراع مسلح فى ظل حالة الحشد الشعبي والتي انعكست بوضوح داخل السودان .
وعلى الرغم من الخلافات الحادة بين القوى السياسية فى الخرطوم .بدا جليا توحد السودانيين خلف جيشهم وهو يعيد انتشاره “داخل الأراضي السودانية” في مواقف مجلس السيادة الانتقالي، بشقيه العسكري والمدني، وكذلك الحكومة المدنية، برئاسة عبدالله حمدوك، إضافة إلى أن كل القوى والأحزاب السياسية أعلنت دعمها للجيش.وهي خطوة جادة من الخرطوم، بحسب محللين، باعتبار أن الحكومة السابقة (نظام عمر البشير 1989: 2019) تركت أمر الحدود نهباً لدول الجوار شمالاً وشرقاً.
على الجانب الآخر يرى المحلل السياسي والناطق الرسمي باسم منظمة مجلس الاتحاد العالمي السوداني خضر عطا المنان “إن التداخل القبلي الموجود على الحدود هو الذي عقد الأوضاع، هذا بالإضافة إلى أن هذا الملف أيضا لم تتم معالجته بحكمة، واعتقد أنه لن تنشب حرب بين البلدين بأي حال من الأحوال، وأن الأمور سوف تهدأ في نهاية المطاف لأن الحرب ليست في صالح أي دولة، فإثيوبيا مازالت غير مستقرة والسودان ما زال يتعثر في أن تأخذ الثورة مسارها الحقيقي، هذا بالإضافة إلى المصالح المشتركة بين البلدين، فالكثير من الإثيوبيين موجودين داخل السودان، وهناك الكثير من المستثمرين السودانيين موجودين داخل إثيوبيا ولهم دورهم داخل الاقتصاد، واعتقد أن هذا الأمر يمكن أن يطغى على المشهد وتحل الأمور في نهاية المطاف دون الدخول في حرب مباشرة”.
وفى ظل تقارب ميزان القوى العسكرية بين الطرفين, فإن احتمالات الحرب غير مربحة إذ طالما كانت إثيوبيا في حالة حرب مع قوى أجنبية، لذلك تدرك أن خيار المواجهة المسلحة مكلف خاصة مع التجارب الإثيوبية السابقة في الصومال وإريتريا وتيغراي. فضلاً عن أن نشوب حرب حدودية قد تضعف من موقف حكومة آبي أحمد المنشغل بالنزاع مع قومية التيجراي، وقد يفقده من تقدمه المزعوم في الإقليم، وهو ما يضعه أمام حتمية محاولة امتصاص الوضع الحالي على صعيد السودان .
حكومة الحمدوك لن يكون فى صالحها اندلاع الحرب حتى مع حالة الحشد الشعبي فى الداخل غذا سرعان مع سيؤدى النزاع إلى تفاقم الأوضاع حيث عانى من المشكلات الاقتصادية والسياسية في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، ونزاعات أهلية أكبر حجماً مما يدور في إثيوبيا، وأبرزها دارفور الذي خضع لقدر من التدويل، وكذلك الحرب الأهلية في الجنوب، التي أدت إلى انفصال دولة جنوب السودان بمواردها النفطية الكبيرة.
هنا يبدو خيار التهدئة ضرورياً وحتمياً ..إذ من المرجح التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود بين البلدين خاصة أن النزاع ليس الأول من نوعه بين الخرطوم وأديس أبابا
نبذة عن تاريخ الصراع :
لم يكن الخلاف الأخير الذي أعقب هجوماً مسلحاً استهدف قوة للجيش السوداني في جبل “طورية” (شرق)، منتصف ديسمبر/كانون الأول 2020 هو الأول بل سبقه الكثير من المناوشات بين البلدين.
وتتميز أراضي “الفشقة” بخصوبتها الزراعية اللافتة، وهي مقسمة إلى ثلاثة مناطق، هي: “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” و”المنطقة الجنوبية”.
والنزاع في هذه المنطقة قديم، لكنه ظل بين مزارعين إثيوبيين وسودانيين، حيث يهاجم مسلحون إثيوبيون مزارعين سودانيين، بغرض السلب والنهب، وكثيراً ما سقط قتلى وجرحى، وفق الخرطوم.
ويتهم السودان الجيش الإثيوبي بدعم ما يصفه بـ”الميليشيات الإثيوبية”، وهو ما تنفيه أديس أبابا، وتقول إنها “جماعات خارجة عن القانون”.
وفي عام 1995، وعقب محاولة اغتيال فاشلة للرئيس المصري آنذاك، محمد حسني مبارك (1981 – 2011)، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، توغل الجيش الإثيوبي خلال رئاسة مليس زيناوي، داخل السودان، ثم انسحب لاحقاً.
واتهمت القاهرة الرئيس السوداني حينها، عمر البشير (1989 – 2019)، بالمسؤولية عن محاولة الاغتيال، وهو ما نفته الخرطوم.
في 1972، وقع السودان وإثيوبيا اتفاقاً بشأن القضايا الحدودية.
في عام 1963، صادقت الدول الإفريقية في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً) على عدم تغيير الحدود المرسومة بواسطة الاستعمار، واعتمادها حدوداً فاصلة بين الدول المستقلة، وبالتالي أصبح خط “قوين” هو المعترف به دولياً بين السودان وإثيوبيا.
وذلك الخط تم رسمه في 1902، ضمن اتفاقية أديس أبابا في العام نفسه، خلال فترة الحكم الثنائي (البريطاني– المصري) للسودان، وجرى الترسيم بواسطة الميجر البريطاني “قوين”، فأصبح الخط يُعرف باسمه.
لا يزال السودان وإثيوبيا يعترفان بكل من اتفاقية 1902 (هارنجتون – منيليك)، وبروتوكول الحدود لسنة 1903.
وتقول الخرطوم إن أجزاءً من منطقتي “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” تحت سيادة إثيوبية فعلية، وإن سيادة السودان على المنطقتين معترف بها من أديس أبابا، لكنها معلقة.
وتقول قومية “الأمهرا” في إثيوبيا إن تلك الأرض هي أرض أجدادهم، وإنهم لن يتركوها
المصدر : وكالات
اضف تعليق