الرئيسية » تقارير ودراسات » المخاض العسير ..سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة
تقارير ودراسات رئيسى

المخاض العسير ..سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة

ثمة مياه كثيرة تدفقت  لترسم بعناية فائقة مسارات جديدة للمشهد العراقي, فمع  مرور نحو 17 يوماً من مهلة تشكيل الحكومة الجديدة البالغة 30 يوماً بما يعني أن الفترة القانونية المحددة تنقضي في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.تدور المخاوف حول احتمال أن تضطر  التحديات الراهنة  “عبد المهدي” إلي مغادرة منصبه.

عبد المهدي والذي كسر احتكار حزب الدعوة الإسلامية  للمنصب مدة ثلاثة عشر عاما,  جاء بالمخالفة  للمادة 67 من الدستور، والتي تنص على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء ولكن من دون تناقض معها حيث  تم القفز عليها بتكليف عادل عبد المهدي كمرشح توافقي بين الكتل المتنافسة بعد اجتيازه فيتو السيستاني , إذ يبدو أن ثمة تفاهم  دون تعقيدات  ,حدث بين قائمة سائرون” (54 مقعدًا) وتحالف “الفتح” (48 مقعدًا)، على اختيار عبد المهدي عقب إخفاقهما في بناء الكتل الأكبر بغية تخطي حالة الاستقطاب المتزايد وإنهاء حالة الجمود السياسي والتي اعترت المشهد لاسيما بعد مرور نحو خمسة أشهر على إجراء الانتخابات.

الرئيس التوافقي جاء من خارج المعسكرات البرلمانية القائمة إذ لم يكن عبد المهدي مرشحاً لأي طرف من الكتل النيابية بل إنه لم يرشح للانتخابات من الأساس لذا فإن اختياره مثّل حلاً وسطاً وصنع حالة من التوازن على مرشح رئاسة الوزراء بين الكتل المتصارعة والتي أدركت بشكل متأخر نسبياً أن استمرار التصادم بينها  واحتمال نزول الانقسامات بينها إلى الشارع قد يفضى إلى  مخاطر ممتدة من عدم الاستقرار وربما يخلق حالة مشابهة تفوق احتجاجات البصرة .

معادلة التوازن التى صاغها اختيار “عبد المهدي” ذات أبعاد داخلية وإقليمية ودولية , فالرجل لديه خبرة كافية في التعاطي مع مختلف التيارات السياسية وذلك بحكم خلفياته الأيدلوجية المتعددة  , فقد سبق  وانتمى إلى حزب البعث أولًا ثم عمل مع القوميين قبل أن يتحول لاحقاً إلى الإسلام السياسي وينضم للحركات الشيعية وتحديداً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية, ثم قرر بعد ذلك العمل بشكل مستقل ليحظى بالتقارب مع كافة القوى بالساحة العراقية بما فيها مقتدى الصدر وهادى العامري بالإضافة إلى  نورى المالكي وإياد علاوي والذي ربطته به علاقة دراسة قديمة .

فضلاً عن ذلك يحظى رئيس الوزراء المكلف بقبول لدى الأطراف الغربية فعلى الرغم من كونه لم يكن مرشح الولايات المتحدة غير أن صلات سياسية طيبة تربطه  مع زعامات الحزب الجمهوري الأميركي الحاكم، كانت قد توطدت بعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش. كما أن له علاقات قوية بالمنظمات الدولية، تشكلت حين تولى حقيبتَي المالية والنفط، وفي عام 2004 أدار ملف العراق في نادي باريس لإعادة جدولة ديونه, علاوة على ذلك هو غير محسوب على الخط الإيراني خلافًا للمالكي والعامري،مما يعنى أنه الخيار الأنسب للمرحلة الراهنة وأنه سوف يدير ملفات السياسة الخارجية العراقية بأسلوب متوازن.

رئيس الحكومة المكلف والذي اختار أن يباشر مهامه,  للمرة الأولى. من خارج المنطقة الخضراء , منح كذلك تخويلاً, هو الأول من نوعه ,بتشكيل “حكومة تكنوقراط” من دون أي تدخل , حيث تبنت الكتل السياسية، خاصة الشيعية منها، مبدأ منح رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة، حرية في قبول ورفض مرشحين لتولى المناصب لكن المراقبون للشأن العراقي ينظرون للامر باعتباره تمويهاً إعلامياً، وأن الكتل كلها تسعى للحصول على حصتها من “الغنيمة” الوزارية.لافتين إلى أن بعض الكتل السياسية قد تلجأ إلى تقديم مرشحين على أنهم تكنوقراط، أي أنهم لا ينتمون لأحزاب، لكن في المحصلة النهائية، سيتم اعتبار كل من يرشح شخصاً عن طريق الأحزاب السياسية، مرشحاً حزبياً

ومع ذلك سيواجه رئيس الحكومة المكلف والذي من المرتقب أن يقدم تشكيلته الوزارية يوم الثلاثاء المقبل  ,تعقيدات عدة,  لعل أهمها حالة الانقسام بشأن الوزارات السيادية حيث تشهد وزارات مثل الداخلية والدفاع والخارجية والنفط صراعاً للفوز بها ,وتدور التكهنات حول دراسة عبد المهدي لمقترح تكليف ضابط كبير في المؤسسة العسكرية، ينحدر من المكون السني، بمهام وزير الداخلية، مما يعنى أنه سيواجه معارضة المعسكر الشيعي الذي يحتفظ بالمنصب منذ عام 2005 وسيفقد دعم  هادى العامري  . وفى حين يطالب السنة بـ 6 وزارات وليس 5 ويفضلون وزارة النفط على الدفاع كون وزير الدفاع السني يكون في العادة مسحوب الصلاحيات,يسعى  الأكراد  هذه المرة للفوز بوزارة النفط مقابل التنازل عن المالية .

 

سيناريوهات المخاض العسير للحكومة العراقية تمتد إلى أربع فرضيات الأولى .أنه حال استمرار القوى السياسية بوضع العراقيل وتضييق الخناق علي عبد المهدي وحكومته فإن قد يضطر إلى تقديم استقالته ويستند ذلك الطرح إلى السمات الشخصية لرئيس الوزراء المكلف والذي عرف أنه ليس من النوع المقاتل ويحمل خطاب استقالته في جيبه دائما وقد سبق وترك منصبه بإرادته في وزارة  النفط  كما تخلى من قبل  عن منصب نائب رئيس الجمهورية  بسبب عدم رضاه عن آليات إدارة الحكومة لذلك يظل الرهان على استمراره قيد  تذليل العقبات من جانب الأحزاب والكتل السياسية توصلها إلى صيغة توافقية بشأن الحقائب الوزارية  فربما يكون دُفع للقبول بالمنصب بسبب تطمينات من قبل المرجعية أو التيار الصدري وقد ظهر ذلك في اشتراطه على الكتل البرلمانية عدم طرح أي برلماني كمرشح لشغل إحدى الوزارات في حكومته الجديدة.

تحركات ” عبد المهدى” والذي إذا ما أخفق فى تشكيل الحكومة  بعد انتهاء المهلة الدستورية سيكلف رئيس البرلمان الكتلة الأكبر بالأمر , استفزت معظم القوى السياسية العراقية إذ يؤكد مراقبون أن السنة والأكراد وغالبية أطراف المكون الشيعي لن يكفوا عن المطالبة بوزارات للأحزاب السياسية التى تتبعهم، وباتوا ينتقدون هيمنة كتلة سائرون على قرار عادل عبد المهدي، وهو يمكن أن يدفع تلك القوى للتحالف لإسقاط عبد المهدى وعدم منح حكومته الثقة لذا يظل سيناريو  سحب الغطاء الشرعي عن حكومة عبد المهدي، بعد فترة وجيزة من تشكيلها، نظراً لأن التوافق على اختياره اتخذ طابعاً شخصياً بين مقتدى الصدر وهادي العامري أحد الاحتمالات المطروحة على الطاولة العراقية

وفى حين يتعلق الطرح الثالث المتعلق بحصوله على دعم أعضاء البرلمان مدفوعاً برغبة القوى المتناحرة سياسياً في تجاوز الموقف الحرج خاصة بعد اندلاع مظاهرات البصرة, يأتي السيناريو الرابع ليرسم صورة مكررة تتمثل في استمرار الحكومة على نهج سابقتها فى ظل انقسام أعضاء المجلس النيابي وعدم وجود كتلة برلمانية داعمة له

قائمة التحديات التي ستواجه حكومة عبد المهدي حال نجاحه فى تشكيلها تعد مدينة البصرة حجر الزاوية بها  لاسيما وأنها تعاني من أزمة الخدمات والبطالة وتلوث المياه وكانت الاحتجاجات بها  أحد أسباب الإطاحة برئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي, عقب خروج سكان المحافظة النفطية  بتظاهرات منذ أوائل 8 يوليو/تمور الماضي أدت إلى عنف وعنف متبادل بين المحتجين من جهة والقوات الأمنية ومسلحي الحشد الشعبي من جهة أخرى.

ملف الفساد وانتشار السلاح بيد المليشيات يعد أحد أولويات الحكومة الجديدة إذ نجاح رئيس الوزراء سيتم قياسه من خلال قدرته على إرساء الأمن والاستقرار والقضاء على حواضن الجماعات المتشددة واستعادة الثقة بين الحكومة وباقى مكونات الشعب العراقي فضلاً عن رسم ملامح جديدة للعلاقة بين حكومة الإقليم الشمالي  والحكومة المركزية وحل الخلافات حول المناطق المتنازع عليها,هذا إلى جانب ضرورة استعادة هيبة الدولة العراقية والمؤسسة العسكرية لاسيما مع الازدياد المطرد فى نفوذ  للحشد الشعبي وقياداته الحليفة لإيران

محاولة تحقيق التوازن في العلاقة مع الدول والأطراف الإقليمية الفاعلة فى العراق  أحد أبرز التحديات التي ستواجه ” عبد المهدي” لاسيما مع اقتراب موعد دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ أوائل نوفمبر المقبل بما يعنى أن الحكومة الجديدة عليها التعاطي مع اعتبار فصائل الحشد الشعبي أنها غير ملزمة للعراق الأمر الذى قد يضع البلاد تحت طائلة تدابير عقابية من جانب واشنطن جراء انتهاك الحظر المفروض.

لكن يظل الاختبار الحقيقي لـ” عبد المهدي” وحكومته  يتمثل فى مدى نجاحه في تحقيق الإصلاح الاقتصادي وتحسين الخدمات, علاوة على ملف إعادة الإعمار وهو ملف قديم جديد عمره 14 عامًا وتقترب تكلفته  من 80 مليار دولار.