عاد الهدوء إلى ميدان تقسيم وسط اسطنبول بعد مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين وذلك قبيل اجتماع رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان مع منظمي الاحتجاجات في مسعى لإنهاء الأزمة. واعتبر الرئيس التركي عبد الله غول لقاء أردوغان والمحتجين يعبر عن "النضج الديمقراطي" لبلاده. وقد أعلنت الحكومة التركية، أمس الأربعاء، أنها لا تستبعد إجراء استفتاء في اسطنبول حول مشروع تطوير ميدان تقسيم.
وقال غول للصحفيين خلال زيارة لمدينة رايز على البحر الأسود إن "نزول الناس إلى الشوارع هنا يشبه ما يحدث في الدول الأوروبية المتقدمة" وعبر عن ثقته بأن بلاده "ستتجاوز الأزمة".
وأشار غول الذي اعتمد لهجة تصالحية منذ بداية الأزمة قبل 12 يوما إلى أن "أولئك الذين لجؤوا للعنف أمرهم مختلف ونحن بصدد التعرف عليهم" مشددا على عدم "منح العنف فرصة" و"أن ذلك لا يسمح به في نيويورك وكذلك في برلين".
وكانت الشرطة التركية قد باغتت المحتجين في ساحة تقسيم وحديقة جيزي بالقنابل المدمعة في ساعات الصباح الأولى بعد غياب عنها دام أكثر من أسبوع.
وقد اجتاح عناصر الشرطة مركز أتاتورك الثقافي القديم، وهو مبنى أسود أشبه بشاهدة قبر عملاقة. وانتزعوا منه عشرات اللافتات والصور التي كانت ملصقة على واجهته.
ومن ناحيته، اتهم محافظ اسطنبول حسين أفني موتلو "جماعات هامشية" بمحاولة إثارة العنف، وقال إن الشرطة ملتزمة بإجلائهم من الميدان وفتحه "أمام الشعب".
وفي غضون ذلك، ذكرت مصادر طبية تركية أن الاحتجاجات أدت إلى مقتل أربعة أشخاص واصابة ما يقارب من خمسة آلاف.
وأعلنت جمعية أطباء تركيا في بيان لها عن سقوط ثلاثة قتلى من المتظاهرين وشرطي، مشيرة إلى أن القتيل الرابع هو عامل في الـ 26 من العمر أصيب في رأسه خلال مظاهرة في أنقرة.
وأضافت أن الاحتجاجات التي شهدتها تركيا منذ 12 يوما أوقعت إلى جانب القتلى الأربعة نحو 4947 جريحا.
ومن جهة اخرى، انضم 20 نائبا من حزب الشعب الجمهوري المعارض الى المتظاهرين في حديقة جيزي بارك تضامنا معهم.
وذكرت عدة فضائيات تركية ان اللجنة المركزية لحزب الشعب الجمهوري عقدت اجتماعا طارئا مساء امس الاول برئاسة زعيم الحزب كمال كلجدار اوغولو لتقييم الاوضاع الجارية في ميدان تقسيم بعد عملية اقتحام قوات الشرطة الميدان.
ووجه كلجدار اوغولو في حديثه للصحافيين بعد انتهاء الاجتماع الذي استغرق ساعتين نداء الى رئيس الجمهورية عبد الله غول وطالبه بعقد اجتماع مع كافة ممثلي الأحزاب السياسية في القصر الجمهوري لتقييم التطورات الجارية في ميدان تقسيم.
وأشار أوغولو الى انه من الضروري على الحكومة بزعامة اردوغان الا تدفع قوات الشرطة والشعب في هذه المرحلة لمواجهات تضر بالجميع، مطالبا بفتح تحقيق مع افراد الشرطة الذين استخدموا القوة المفرطة ضد المتظاهرين، كما ينبغي على كافة الاحزاب السياسية التحلي بروح المسؤولية وعدم تنظيم تجمعات، لافتا الى انه يجب في نفس الوقت إبعاد وإخراج تركيا من هذا المأزق لأن سمعتها تضررت في الاوساط الدولية اضافة الى تضرر الاقتصاد.
الى ذلك، ذكرت صحيفة تركية أن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي تامير باردو عقد اجتماعا سريا في أنقرة الاثنين الماضي مع معاون رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان وبحث معه الأوضاع في إيران وسورية وحركة الاحتجاجات في تركيا.
وقالت الصحيفة نقلا عن مصادر أن ثمة معلومات تفيد بأن الحرس الثوري الإيراني والاستخبارات السورية يعملان ضد تركيا.
اردوغان
فيما، أعلنت الحكومة التركية، أمس الأربعاء، أن رئيسها، رجب طيب أردوغان، لا يستبعد إجراء استفتاء في اسطنبول حول مشروع تطوير ميدان تقسيم.
والتقى أردوغان ممثلين عن حركات شبابية في مقر حزب العدالة والتنمية الحاكم في اسطنبول بعد أسبوعين على اندلاع احتجاجات لمنع قرار بقطع أشجار من أجل بناء مشروع تجاري وسكني في حديقة جيزي التاريخية.
وقد رفض العديد من ممثلي المتظاهرين المشاركة في هذا الاجتماع، معتبرين أنه لا تفاوض مع من استخدم العنف لقمع تلك المظاهرات التي سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاجية واسعة ضد سياسة حكومة أردوغان.
وفي ختام الاجتماع الذي استغرق أكثر من 3 ساعات، قال نائب رئيس الحكومة، حسين جيليك، "قد نطرح هذه المسألة (تطوير ميدان تقسيم) على اقتراع شعبي.. وفي الديموقراطية وحدها إرادة الشعب هي التي تؤخذ بالحسبان".
وأضاف جيليك أن أغلبية ممثلي المحتجين أعربوا خلال لقائهم أردوغان عن موافقتهم لاجراء الاستفتاء، مشيرا إلى الحكومة رفضت طلبهم بـ"إيقاف المشاريع في تقسيم إلى ما بعد الانتخابات البلدية المقبلة، لأن ذلك سيكبد البلاد خسائر كبيرة".
كما طلبت الحكومة من المعتصمين مغادرة حديقة جيزي وميدان تقسيم "فورا"، وقال جيليك في مؤتمر صحفي إن "أصحاب النوايا السيئة أو من يسعون للاستفزاز والبقاء في الحديقة سيواجهون الشرطة."
يشار إلى أن القمع الشديد للاحتجاج الأولي في متنزه جيزي أدى إلى اضطراب أوسع، جذب تحالفا من العلمانيين والقوميين والمهنيين والنقابيين والطلبة، الذين اتهموا أردغوان وحزبه بمحاولة تقويض العمانية بالبلاد وأسلمة المجتمع التركي.
ووصل حزب العدالة إلى السلطة عام 2002 وكسر النفوذ السياسي للجيش الذي أطاح بأربع حكومات خلال أربعة عقود بما في ذلك أول حكومة يقودها الإسلاميون في تركيا.
ويبقى العنصر الغائب بشكل ملحوظ في هذه الأزمة، هو التكهن بحدوث انقلاب عسكري وهو ما صاحب الاضطرابات الاجتماعية السابقة، ويعزو البعض ذلك إلى الإصلاحات التي حققها أردوغان.
كذلك لا يوجد أي بديل سياسي على ما يبدو لرجل يواجه معارضة ضعيفة في البرلمان، وجماعات متشرذمة في الشارع.
اضف تعليق