ثمة مياة كثيرة تدفقت على صفحة المشهد العربى المتخم, وربما المبتلى بالصراعات والمجازر تستوجب التطلع إلى المستقبل برؤية مغايرة وإن بدت صادمة للبعض , ففى ظل تعرجات النهر الهدامة وما يتبعها من أمواج النزاعات التى أثقلت كاهل شعوب المنطقة قبل الأنظمة , تلوح فى الأفق شرارة طرح جديد ومختلف يتضمن استحداث وخلق كيان يمنح كل مواطن بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه أو اختياراته في الحياة الشخصية نفس الحقوق… لقد حان الوقت لبناء ” الولايات المشرقية المتحدة” .
فإذا ما تطلعنا إلى مخرجات الوضع الشرق أوسطى الراهن والممتد بتعقيداته من العراق و سوريا مروراً بلبنان وحتى الضفة وغزة سنجد أن المنطقة تلفظ أنفاسها الأخيرة ,فبغداد على صفيح احتجاجي ساخن ضد النفوذ الإيراني , ودمشق مزقتها سنوات الحرب الأهلية والافتقار العام إلى اتفاقٍ بين القوى الخارجية بشأن مستقبلها , فيما تنفض بيروت على وقع أزماتها الاقتصادية والسياسية , يحتدم النقاش بين مؤيدي حل الدولتين وبين المدافعين عن دولة واحدة فى الضفة الغربية وغزة .
هذا هو واقع الحال على طاولة الشرق والذى يدفعنى إلى طرح فكرة إ نشاء اتحاد فيدرالي بين الدول الأ ربع يتجاوز كافة الخطوط الحمراء والنقاط الساخنة , يكون على غرار النموذج الأميركى والذى حول الولايات المتحدة من ساحة معركة بين رؤيتين متنافستين إلى قوى عظمى وذلك حين حفظت لكل ولاية نظامها وهويتها الخاصة , نفس الشىء ينطبق على الاتحاد الأوروبي الذي أصبح يضم أكثر من 25 دولة.،ومع أنها توحدت مع بعضها اقتصادياً غير أن كونها لم تنصهر في كيان سياسى واحد تجعل مصير المشروع الاتحادى برمته على المحك . ولدينا أيضاً نموذج الإمارات الذى يعد الأقرب عربياً للنظام الفيدرالي .
الكونفدرالية الرباعية توفر إمكانية طرح“حلول إبداعية” تساعد على الازدهار لا التدمير الذاتى ..إذ أن الدولة الديمقراطية الفيدرالية التي تعترف بحق أعضائها فى الاستقلالية والخصوصية وتوحيد قواها ومواردها المالية والاجتماعية والسياسية في ظل رؤية ملهمة أكبر هي الطريقة الوحيدة للمضي قدمًا .
إذا كنت تشاركنا هذه الرؤية وأننا لم نعد نستطيع العيش فى ظل الانقسامات الحادة فيما بيننا : فلنحلم بها وننشئها معًا. دعونا نصيغ دستورها ونمنحها إطارًا وحدودًا وأهدافًا.
هنا لابد من الإقرار بواقع أن مستقبل الدول وازدهارها يكمن في استقرارها الأمني ونموها الاقتصادي وفي رفاهية الشعوب وهذه كلها تشكل صلب الاتحادات في العالم , ولك أن تتخيل أنه ربما يتاح عبر هذا الاتحاد الكونفدرالي ناتج قومى يتجاوز 300 مليار دولار فى ظل اقتصاد متنوع وطاقة بشرية تتخطى حاجز الـ80 مليون نسمة بما يعنى خلق دولة قوية تتوافر بها فرص استثمارية هائلة وفرص توظيف وعمل أكثر من غيرها , إضافة إلى كون الاتحاد المرتقب سيشكل قوة عسكرية تكفل لأعضائه الحماية من إعصار التدخل الأجنبى من جانب أى دولة متربصة.
قد تبدو الأطروحة السابقة صادمة , بل و أقرب إلى الفرضية المستحيلة لكنها تحوي بين طياتها حلولا جذرية لراهن عربى ملتبس وربما تحمل الأجيال المقبلة راية الحلم الذى يبدو مشروعاً رغم أرضية الواقع المهترىء .
اضف تعليق