عاصفة سياسة تضرب نتنياهو من كل جانب وتقرّبه من حافة الانهيار، فعلى الأرجح سيواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه المرة المخاطر الذي كان يخشى حدوثها المتمثلة بسقوط حكومته والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة ، خاصة بعد احتدام الخلاف مع وزير الجيش، أفيغدور ليبرمان، وتقديم الأخير استقالته عقب التهدئة مع غزة .
مفاجأة مدوية شكلها قرار (الكابينيت) المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل بالموافقة على التهدئة لدى الدوائر السياسة فى إسرائيل، إذ مالت جميع الترجيحات إلى أن تصعيدا عسكرياً على القطاع هو الاحتمال الأقرب وذلك ردا على إطلاق حماس نحو460 صاروخاً جنوبي إسرائيل,لم يتم التصدي سوى لـ 100 صاروخ فقط فضلاً عن الهجوم على حافلة الجنود الإسرائيليين بصاروخ كورنيت المضاد للدبابات والمدرعات في محيط قطاع غزة.
أزمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بدأت بعد ساعات معدودة من سريان اتفاق التهدئة حيث أعلن وزير الدفاع “أفيغدور ليبرمان” استقالته من منصبه، وانسحاب كتلة حزب “إسرائيل بيتنا” من الائتلاف الحاكم في إسرائيل بقيادة “بنيامين نتنياهو”احتجاجاً على وقف لإطلاق النار مع فصائل غزة. وقال ليبرمان في بيان استقالته “ما دفعني لإعلان استقالتي هو نقل الأموال إلى حماس ووقف إطلاق النار مع غزة، التهدئة مع حماس ووقف إطلاق النار استسلام أمام الإرهاب، ليس سراً أن هناك خلافات بيني وبين رئيس الوزراء حول الوقود القطري وغيرها من القضايا”,كما دعا ليبرمان خلال المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه استقالته إلى انتخابات مبكرة.
الخلافات على التهدئة ربما تكون السبب المعلن لاستقالة “أفيغدور ليبرمان” لكن الدافع الحقيقي يعود إلى بحث وزير الدفاع السابق عن “زورق “إنقاذ سياسي عاجل ,إذ ربطت الاستطلاعات إقدامه على تلك الخطوة بتدني مستوى شعبيته داخل أوساط اليهود الروس والذين يشكلون القاعدة الرئيسية لحزب” إسرائيل بيتنا” فضلاً عن وجود بعض التوقعات التي تنذر باختفاء الحزب من الحياة السياسية في إسرائيل وتراجع تمثيله بالانتخابات المزمعة في 2019 , حيث تشير التقديرات إلى أن حزب”أفيغدور” سيتمكن من حصد ما يتراوح بين 4 إلى 5 مقاعد فقط ، مما يعد خطوة جديدة على مسار التراجع حيث انخفض مستوى تمثيل الحزب من 15 مقعداً فى 2009 إلى 6 أعضاء فقط في استحقاق 2015
فك الارتباط مع نتنياهو وتحجيم الخسائر السياسية أحد العوامل التي حفزت وزير الدفاع على الانسحاب من الحكومة ,فوفقاً لرؤية “ليبرمان” فقد أسفرت سياسية رئيس الوزراء والتي تميل إلى التهدئة وتجنب التصعيد في مواجهة “حزب الله” وحماس إلى تحمله بمفرده الثمن السياسي لذلك , فقد طالت موجة من الانتقادات أدائه في وزارة الدفاع، واتهمته التقارير بالعجز على السيطرة على المؤسسة العسكري ,فخلال الأشهر الماضية تعرض “ليبرمان” لانتقادات من جانب منافسه فى حزب البيت اليهودي ووزير التعليم الإسرائيلي “نفتالي بينيت”حول كونه وزير دفاع ضعيفًا يتبع “سياسات دفاع مشابهة للأحزاب اليسارية”، وأنه غير قادر على التصدي لاختراقات حركة “حماس” للجدار العازل، وأنه “لا يتعامل مع مسيرات العودة بالحزم الكافي”. لذا سعى “ليبرمان” أثناء رئاسته للدفاع إلى خلق معركة عسكرية يستطيع من خلالها إثبات جدارته في قيادة الجيش الإسرائيلي
في الواقع انحراف نتنياهو لقبول التهدئة والوساطة المصرية يعود إلى رغبته في تلافي التورط في عملية عسكرية موسعة ذات تكلفة اقتصادية كبيرة ,بضغط من جناح اليمين في حكومته، وخاصة “أفيغدور ليبرمان” ووزير التعليم “نفتالي بنيت”, دون أن تحقق تلك الخطوة نتائجها المرجوة على الصعيد الميداني فضلاً عن تداعياتها الإقليمية والدولية وما سيلحق بها من إدانات وتنديد بالهجمات الإسرائيلية . لاسيما وأن الاختراق العسكري المفاجئ في “خان يونس” بقطاع غزة والذي عكس حجم الهوة بين الصعيدين السياسي والعسكري في إسرائيل، تزامن مع تصريحات ” نتنياهو” خلال مشاركته في فعاليات مئوية الحرب العالمية الأولى والتي أكد فيها قيامه ببذل كافة الجهود “لتجنب حرب غير ضرورية في غزة”.
لكن الخطر الأكبر الذي يواجهه نتنياهو يتمثل في تهديد رئيس حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، بالانسحاب من الائتلاف الحاكم إذا لم تحال إليه وزارة الحرب إلى جانب حقيبة التعليم، وهو الطلب الذى رفضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حيث احتفظ بالوزارة لنفسه, فضلا عن الدعوات المتزايدة لإجراء انتخابات مبكرة ومسارعة حزب “إسرائيل بيتنا”، الذي يقوده وزير الجيش المستقيل، أفيغدور ليبرمان، إلى تقديم مشروع قانون لحل الكنيست (البرلمان)، من المنتظر أن يطرح للتصويت الأربعاء المقبل.
المحاولات الأخيرة لإنقاذ الحكومة المترنحة وردت في تغريدة لنتنياهو، حيث قال: “تحدثت خلال الأيام الأخيرة مع جميع رؤساء أحزاب الائتلاف. سألتقي هذا المساء مع وزير المالية كاحلون في محاولة أخيرة لتجنب سقوط الحكومة. في هذه الفترة الحساسة أمنيا الذهاب إلى انتخابات هو خطوة غير صائبة ويجب تجنب ذلك”. وأضاف محذراً : “نذكر جيداً ماذا حدث عندما أسقطت جهات داخل الائتلاف حكومتي الليكود عامي 1992 و1999؛ حين وقعت مأساة أوسلو (1993)، ومأساة الانتفاضة (الثانية 2000)، ويجب اتخاذ جميع الإجراءات من أجل الامتناع عن تكرار هذه الأخطاء”
غير أن الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير المالية موشي كحلون بهدف حلّ أزمة الائتلاف الحكومي خرج “من دون نتائج”، وسيلتقي الرجلان مرة أخرى هذا الأسبوع، بحسب ما صرّح متحدّث باسم كحلون. وقال المتحدّث في بيان، إنّ الاجتماع بين وزير المالية ورئيس الوزراء انتهى بدون نتائج، واتّفق الرجلان على اللقاء في وقت لاحق من الأسبوع.
نتنياهو في موقف لا يُحسد عليه، وأزمة حكومته تتفاقم يوماً بعد يوم. فعلى الرغم من محاولاته لملمة ائتلافه الحكومي الهش والذي يعتمد على غالبية برلمانية من 66 مقعداً من أصل 120 نائباً، ومن ضمنها المقاعد الـ 13 لشاس واليهودية الموحّدة للتوراة، وهما حزبان دينيان , غير أنه بانسحاب ليبرمان و خسارة الائتلاف 5 مقاعد ,أضحى قريباً جداً من السقوط.
تبكير الانتخابات قد يكون المخرج الوحيد الحالي أمام “نتنياهو” لأنه حال سعى لمواصلة العمل بحكومة ضيقة، فإنه من المتوقع أن تزداد المصاعب، خاصة وأن تهديد الانتخابات قائم أكثر من أي وقت مضى في ظل الاحتجاجات الحادة في مناطق جنوب إسرائيل المحاذية لقطاع غزة رفضًا لقبول الحكومة للتهدئة والتي انضم إليها معسكر ليبرمان .وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس الأحد تأكيدات بأن حكومة نتنياهو قد سقطت بالفعل وأن الانتخابات البرلمانية ستجرى فى شهر مارس المقبل، من أجل تشكيل حكومة جديدة وباتت التكهنات الآن تتركز حول من سيقود الحكومة الاسرائيلية الجديدة؟
التوقعات تؤشر إلى أن فرص حزب الليكود بالفوز بأكثرية متاحة، لكن صناديق الانتخابات قد تحسم الأمر، وتمنح ليبرمان فرصة أكبر في تشكيل ائتلاف حكومي مقبل مع حزب المعسكر الصهيوني لكن هناك تسريبات حول دخول رئيس الأركان الأسبق بانى جانتس المعترك السياسي وإمكانية ترشحه من خلال حزب “المعسكر الصهيونى” والذي يعمد إلى ضمه لتقارب الأفكار بينهما وليكون صد منيع أمام هيمنة اليمين على الحكومة فى إسرائيل خلال السنوات العشرة الماضية. وأظهر استطلاع للرأى أن معظم أصوات الإسرائيليين ستذهب لصالح “المعسكر الصهيونى” حال انضمام “جانتس” إليه المر الذي قد يسفر عن فوز الحزب بأغلبية في الكنيست وهو ما يعنى تشكيل حكومة يسارية بزعامة “جانتس”.
المرأة الحديدية أحد الوجوه المحتملة لقيادة الحكومة الإسرائيلية إذ يرى بعض المراقبين أن “تسيبى ليفنى” وزيرة الخارجية الأسبق في حكومة ارائيل شارون والتي شكلت معه حزب “كاديما” الذي كان يمثل الوسط وتم حله بعد ذلك، بحكم حنكتها السياسة في إدارة الملفات الحاسمة مثل التفاوض مع الفلسطينيين وضمان أمن مستوطنات غلاف غزة هي التي ستتولى تشكيل الحكومة الجديدة لاسيما وأن “ليفنى”، تعارض سياسة “نتنياهو” في العديد من الملفات، وقد خسرت الانتخابات الأخيرة في عام 2015 بفارق 4 مقاعد فقط لتشكل المعارضة بعد رفضها المشاركة في الائتلاف الحكومي.
اضف تعليق