الرئيسية » تقارير ودراسات » انتفاضتى العراق ولبنان ..صرخة فى وجه “خامنئى ” وبعث جديد للهويات الوطنية
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

انتفاضتى العراق ولبنان ..صرخة فى وجه “خامنئى ” وبعث جديد للهويات الوطنية

خالد ابو ظهر
خالد ابو ظهر

لطالما أدعى نظام الملالى تبنيه للشيعة العرب وحمله ألوية حمايتهم والدفاع عنهم دون تفويض منهم إليه للقيام بهذا الدور وبلغ الأمر حد اعتبار دولا مثل العراق بحكم الأكثرية الشيعية بمثابة الحديقة الخلفية لطهران . غير أن ثمة تحولاً تشهده المنطقة يؤشر إلى أن الشيعة العرب قد تعزز إدراكهم بأهداف الملالى

فقد  بعثت الانتفاضة الشعبية  فى لبنان والعراق  برسائل سياسية صريحة لـ”خامنئي ” ورفاقه مفادها أن الشيعة العرب ليسوا بحاجة لإيران كى تدافع عنهم الآن , حيث ترسخت لديهم قناعات بأن النظام الإيرانى ليس سوى نظام سياسي له أهدافه  وأنه  ليس مؤهلًا أو راغبًا في حمايتهم والدفاع عنهم أو  حتى جادًا في إدعاءاته وأن الشعارات الطنانة التى رفعها منذ الثورة الخميينة كانت مجرد واجهة براقة  لتحقيق غرض  واضح وهو محاولة استقطابهم بعيداً عن محيطهم العربى واستخدامهم كأدوات وأذرع له لتحقيق مآربه التوسعية.

وإذا ما تطلعنا إلى سياسيات الملالى فى العراق ولبنان وحاولنا تفكيكها وقرءاتها من الناحية الأيديولوجية سنجد أنها تعكس وجهاً من وجوه التغلغل الإيراني لكن بدرجات متفاوتة وأنماط مختلفة  ,ففى ظل التنوع وتعدد الأقليات فى لبنان ,عمدت نظام طهران إلى بسط نفوذه  من خلال تبنى نهج تهميش الدولة فكان تأسيس “حزب الله” الذى يمكن اختزال مسيرة استيلائه على الدولة فى هيمنته على القرارين السياسي والأمني واحتفاظه بسلاحه حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي فأصبح جيشا خاصا منفصلا عن الجيش اللبناني مماأدى إلى اختلال في ميزان القوى الداخلي.

أما فى الحالة العراقية ,فقد تنكرت إيران  لحقوق الشيعة على الرغم من كونهم الأكثرية ,واصطفت ظاهرياً  إلى جانب الحكومة وبالوقت ذاته وضعت داخلها من يخدم مصالحها ويقوى من شوكة المليشيات المسلحة التابعة لها غرار الحشد الشعبى وغيره وهو ماتجلى  فى رفض تلك الفصائل التزام العراق بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران .

واقع الأمر لقد اتبعت إيران نهجاً استعمارياً يرمى إلى بسط نفوذها  وهيمنتها على الدول المستهدفة عبر تعميق النظرة الطائفية وتجاوز الهويات الوطنية وتفتيتها , بيد أنه حال تعارض وعاء خططها ومصالحها مع أي جانب حتى وإن كان من سواد الشيعة العرب فإن كل الشعارات حول نصرة المستضعفين تذهب جفاءاً  و تصبح على أهبة الاستعداد للتضحية بهم وبأى فرد أو طائفة تقف عقبة أمام طموحاتها حتى ولو كان الثمن إزهاق الالاف الأرواح الشيعية .

لكن يبدو أن الشعوب ستنجح فيما عجزت عنه الأنظمة والحكومات  , إذ كشفت أبعاد الحراك الاحتجاجى عن رفض طوائف الشعبين تدخل إيران عبر وكلائها فى الشئون الداخلية لتلك الدول وهو ماانعكس بوضوح  فى تضاءل فكرة الهوية الطائفية  وبروز اللحمة الوطنية كسمة مشتركة بين مكونات الحراك في الشارعين العراقى واللبنانى , وكما لعبت  الورقة الطائفية دوراً محورياً في تشكيل المشهد السياسي وإن كان بدرجات متفاوتة.فإن التظاهرات فى كلا البلدين حملت رسائل رفض شعبى للحكم المبنى على الهويات الدينية وتقاسم الطوائف

وبدت اللحمة الوطنية  برفع أعلام الدولة وابتعاد الشعارات عن الحزبية والطائفية الضيقة والتركيز على الإصلاح السياسي والاقتصادي ومن خلال الدعوات إلى تأسيس نظام حكم بديل وفق قانون عصري لا طائفي  يساهم فى تحقيق الاستقرارالسياسي  والتعددية والمشاركة الديمقراطية.

فالاحتجاجات الأخيرة  فى الشارع العراقى واللبناني أبعد من كونها صرخة فى وجه إيران أو ضد الفساد ,بل هى صرخة وطنية ربما تمثل  بداية النهاية للنظام الطائفى فى العالم العربى و تفتح الطريق نحو صياغة جديدة  لمفهموم الهوية والطائفية يمكن من خلاله تشكيل وعى معمق بهوية مشتركة من شأنها تحسين الحياة والعمل المشترك، بدلاً من التقسيم والتعصب.

لقد وضع المحتجون مسألة الطائفية خلف ظهورهم حين نزلوا إلى الشارع ولايمكن لأحد أن يستنتج إلى أى تيار ينتمى من يقف الى جواره , وطالت الانتقادات كافة أطياف النخبة الحاكمة وقد جاءت بعضها من من جماعات وتيارات محسوبة على الطبقة الحاكمة لذا  لابد وأن  يقتنع كافة أطراف المعادلة  بالتنازل عن المطالب التى تعبر عن فصيل أو تيار سياسي بعينه  في مقابل الأهداف المؤسساتية . ولاشك أن الالتفات إلى مأسسة الدولة التى تكفل الحرية والمساواة لكافة مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والاثنية من شأنه  صناعة دولة وطنية قوية تبدو عصية على التفتت والتدخلات الخارجية .

والشيعة العرب جزء عربى أصيل من نسيج أوطانهم  وليس بمقدور إيران أوغيرها صهرهم أو عزلهم عن فضائهم المكاني  ,فقد انتهى مبدأ الوصاية على شيعة العالم العربي وهناك دلائل على أن الجميع يعمل جاهداً لفتح صفحة جديدة قوامها التعايش المشترك  وعلى نمو وعى شعبى  بأن المحاصصة الطائفية لم تعد صالحة للاستمرار وأن ثمة متغيراً جديداً طرأ على المجتمعات قد يفضى إلى بعث جديد  للهويات الوطنية على أنقاض الدينية والمذهبية

ولعل هذا ما يتعين على ملالى طهران بداية من المرشد الأعلى وحتى جعفرى وسليمانى  إدراكه واستيعابه جدياً,إذ ليس من المستبعد على الإطلاق أن تتطاير شظايا الانتفاضة الشعبية العابرة للطائفية إلى ساحتهم ليهتف الشعب الإيرانى مجدداً ” كلهم.. كلهم ..وخامنئى واحد منهم “