ينتظر لبنان بفارغ الصبر الانتهاء من فحص الـ”DNA” الخاص بالعسكريين المغدور بهم من قبل تنظيم داعش الإرهابي.
وكون القضية تحمل أبعاداً عدة ما زالت الصحافة تكشف حقائق كانت مجهولة في الأيام الأولى من الصفقة التي عقدتها ميليشيا حزب الله مع داعش وأفضت بانتهاء معركة الجرود بشكل غير نهائي مقابل تأمين مسار للتنظيم للخروج باتجاه سوريا.
لكن وبالنسبة لكثيرين وخاصة أهالي الضحايا العسكريين لم تنته حيثيات القصة عند هذا الحد، إذ مضوا باحتجاجاتهم مطالبين بتحقيق شامل حول القضية، كما أن الشطر الثاني من عملية فجر الجرود لن يتحقق إلا بالتثبت من هوية العسكريين.
اليوم تتجه الأنظار نحو نقطة أخرى شكلت لبساً على مدار الأيام الماضية، فالبعض يتهم الجيش اللبناني بالتدخل والعلم بالمفاوضات التي جرت بين داعش وحزب الله.
فيما يقول آخرون إنه من غير الجائز تحميل لبنان المفاعيل الأمنية والسياسية لنقل الدواعش الذين ألحوا على طلب وقف النار للخروج من آخر بقعة لبنانية كانوا يحتلونها في الجزء اللبناني من جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة إلى دير الزور في سوريا.
في هذا السياق أكد مصدر لبناني أن وحدات الجيش تمكنت من محاصرة داعش في بقعة حدودية ولم يعد أمامهم سوى الاستسلام أو الرحيل منها إلى داخل الأراضي السورية.
وأشار مصدر وزاري إلى أن “قيادة الجيش اشترطت في مقابل موافقتها على وقف النار الكشف عن مصير العسكريين المختطفين لدى داعش وهذا ما حصل”.
ويقول إن رئيسي الجمهورية والحكومة توافقا على وقف النار من أجل خروج المسلحين، وهذا ما تولى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، نقله إلى قيادة ميليشيا “حزب الله” والنظام في سوريا من دون أن تدخل الدولة اللبنانية في التفاصيل المتعلقة بآلية نقلهم أو المكان الذي سيرحلون إليه.
ويؤكد المصدر أن الجيش اللبناني حقق انتصاراً في تحرير منطقة الجرود وأن الدولة اللبنانية لم تكن طرفاً في الصفقة التي أبرمها “حزب الله” مع النظام في سوريا و داعش. حتى أن أركانها نأوا بأنفسهم عن السؤال عن المكان الذي يتوجه إليه الدواعش في سوريا وبقي موقفهم محصوراً في خروجهم من الجرود.
ويرى المصدر الوزاري أن إقحام الدولة اللبنانية في صفقة ترحيل الدواعش إلى دير الزور التي أوقف تنفيذها التحالف الدولي غير منطقي، ويراد منه إشراك لبنان في تحمل وزر الرفض الدولي لنقلهم إلى دير الزور التي تعتبر من المناطق الساخنة كونها تشكل نقطة اتصال مع الأراضي العراقية عبر الحسكة السورية.
ويقول المعنيون بالعملية، إن الحديث عن أي دور للجيش بالسماح لمسلحي “داعش” بمغادرة الأراضي اللبنانية لم يكن في محله على الإطلاق. فالعملية العسكرية التي خاضها الجيش لم تسمح بتطويق أي مجموعة مسلحة من الإرهابيين، لأن الأراضي السورية كانت من خلفهم والجيش اللبناني من أمامهم، ولم يكن صعباً عليهم الانتقال إلى تلك الأراضي.
هذه العملية ليست الأولى من نوعها فقد سبق لميليشيا “حزب الله” أن تولت نقل مجموعات من “جبهة النصرة” و”سرايا أهل الشام” من جرود عرسال إلى مناطق عدة في سوريا وبمواكبة أمنية من قوات النظام السوري الذي كان أمن للباصات التي تقل عناصرهما الممرات الآمنة من دون أن يصار إلى استجواب أي مسؤول منهما أو مجرد الاستماع إلى أقواله.
ومع أن المصدر نفسه لا يعترض على فتح تحقيق لجلاء الحقيقة في كل ما يتعلق باختطاف العسكريين اللبنانيين في عرسال.
فإنه في المقابل يدعو إلى مراجعة المواقف التي كانت صدرت في أعقاب اختطافهم وحملت في معظمها اتهامات سياسية لرئيس الحكومة السابق تمام سلام و “تيار المستقبل” بزعامة رئيس الحكومة الحالي، أقل ما قيل فيها إنهما من الدواعش.
ويغمز بدعوته هذه من قناة “التيار الوطني الحر” وقوى سياسية أخرى في “8 آذار”، ويرى أن عليهم الاعتذار من الرئيس سلام وأيضاً من “المستقبل” في ضوء ما احتوته صفقة نقل الدواعش إلى دير الزور من تفاصيل، على رغم أن مواقف بعضهم كانت دعت من خلال المعركة التي خاضها الجيش اللبناني في الجرود إلى ملاحقة قتلة العسكريين في البادية في سوريا والاقتصاص منهم.
ويسأل المصدر ما الذي تبدل بين الأمس، عندما دعا عدد من الوزراء إلى التفاوض مع خاطفي العسكريين في عرسال للإفراج عنهم وذلك في جلسات لمجلس الوزراء إبان تولي سلام رئاسة الحكومة وقوبل برفض من “التيار الوطني” وبعض “قوى 8 آذار” بزعامة “حزب الله”، وبين اليوم الذي شهد التوصل إلى صفقة لضمان أمن الإرهابيين وإيصالهم إلى دير الزور بذريعة أنه من المحرمات التعرض إلى عائلاتهم في حال تم القضاء على المجموعات الإرهابية؟.
لذلك، فإن صفقة ترحيل الدواعش إلى دير الزور والتي توقفت في منتصف الطريق تحت وطأة تهديد التحالف الدولي جاءت على خلاف المزاج الشعبي في لبنان بصرف النظر ما إذا كانت لها ارتدادات في داخل سوريا أو لدى جمهور “حزب الله” باعتبار أنهم من أصحاب البصمات السوداء في تنفيذ عمليات انتحارية في أكثر من منطقة لبنانية أودت بحياة عشرات من الضحايا وأدت إلى سقوط مئات الجرحى.
وعليه هناك من يعتقد، كما يقول المصدر الوزاري، أن المعادلات الدولية والإقليمية التي ما زالت تتحكم بميزان القوى في الملعب السوري قد تدفع باتجاه غض النظر عن المحظورات واستباحتها بما يؤمن لهذا الفريق أو ذاك الاحتفاظ بأكثر عدد من الأوراق السياسية والأمنية بغية الاستقواء بها عندما تحين الفرصة للبحث الجدي في الحل السياسي للحرب في سوريا.
وبالنسبة إلى فتح تحقيق، كما طالب رئيس الجمهورية، لتحديد المسؤولية في كل ما يتعلق باختطاف العسكريين، فإن جهات سياسية تبدي تفهمها وتأييدها لوجهة نظره، لكنها في المقابل لا تجد أي مانع يحول دون نشر محاضر جلسات مجلس الوزراء لحكومة سلام، وتحديداً تلك التي نوقشت فيها قضية اختطافهم والسبل الآيلة إلى تحريرهم، إضافة إلى المداولات التي تمت في هذا الخصوص في اجتماعات خلية الأزمة التي ترأسها في حينه سلام لعلها تؤدي إلى إنصاف الأخير ومعه بعض الوزراء بعد حملات التجني التي استهدفتهم من جانب فريق معين لا يجد ما يقوله الآن في ضوء صفقة ترحيل الدواعش.
اضف تعليق