إن أي زعيم في الصين أو روسيا أو إيران رأى رد فعل المرشح الرئاسى الأميركى دونالد ترامب بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها في فترة الانتخابات ، يعرف تمامًا أن الولايات المتحدة لديها زعيم سيقاتل من أجل ما تمثله البلاد. هذا ليس مجرد تصريح عابر أو نوع من الخطاب الإعلامي، بل هو مؤشر قوي على النهج الذي سيتبعه ترامب عقب فوزه بالانتخابات الأخيرة .
لقد أظهر ترامب الذي يتسم بأسلوبه المباشر أنه قادر على التصدي للقوى العالمية الكبيرة بطريقة لا تشبه الأنماط التقليدية التي كانت سائدة في الإدارات الأمريكية السابقة.
ويتميز ترامب بقدرته على مزج النهج العملي والواقعي بالقوة الصلبة ، حيث يضع مصلحة الولايات المتحدة في المقام الأول. في فترته الرئاسية السابقة، كانت سياسته تتمحور حول القوة الصلبة، والتي تشمل تعزيز القدرات العسكرية، وزيادة التواجد الأمريكي في مناطق استراتيجية، والضغط على الدول الحليفة لتقديم مساهمات مالية أكبر في التزاماتها العسكرية. يتوقع أن يستمر ترامب في هذا التوجه ، فضلاً عن أن سياسته الخارجية ستكون أكثر تصعيدًا وتحديًا للأنظمة التي تهدد مصالح أمريكا.
إذ أن ترامب لا يعتقد في الحروب الطويلة أو في التدخلات العسكرية التي لا تجني منها الولايات المتحدة سوى الخسائر، ولكنه سيستمر في توجيه رسالة واضحة للجميع: إذا كانت الدول تريد التعاون مع الولايات المتحدة، فعليها أن تلتزم بمسؤولياتها. ليس فقط في المجال العسكري، بل أيضًا في الاقتصاد والتجارة.
وعلى صعيد أولويات ترامب الخارجية فإنها على الأرجح ستتمحور حول استمراره في دعم اتفاقيات إبراهيم التي تم توقيعها خلال فترة رئاسته، والتي أحدثت تحولًا في العلاقات بين إسرائيل ودول عربية رئيسية مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. خاصة وأنه يعتبر هذه الاتفاقيات نجاحًا استراتيجيًا يعزز الأمن الإقليمي ويدعم العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول العربية وإسرائيل. سيكون من غير المستغرب إذا عمل على توسيع هذا التعاون ليشمل دولًا أخرى في المنطقة.
أما فيما يخص إيران، فإن ترامب سيبقى متمسكًا بموقفه المتشدد تجاه النظام الإيراني. بعد انسحابه من الاتفاق النووي في 2018، صرح ترامب مرارًا وتكرارًا بأن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا، وأن النظام الإيراني يجب أن يتوقف عن تهديد أمن المنطقة والعالم. إذا عاد ترامب إلى الرئاسة، سيكون أمام إيران خياران واضحان: إما أن تنخرط في عملية سلام حقيقية وتلتزم بتقليص برامجها النووية ودعم الجماعات المسلحة في المنطقة، أو أن تعيش في عزلة أكبر مع تهديدات عسكرية واقتصادية قد تؤدي إلى انهيار النظام.
منذ فترة حكمه الأولى، اتُهم ترامب بسياسته الانعزالية، لكن هذه الاتهامات كانت غير دقيقة. ترامب ببساطة لا يؤمن بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون الجهة الوحيدة التي تتحمل أعباء الأمن العالمي. فهو لا يرفض التحالفات ولا يعارض التعاون الدولي، ولكن ما يرفضه هو أن تكون الولايات المتحدة هي من يدفع الثمن الوحيد لمصالح الجميع. سياسته تجاه الناتو، على سبيل المثال، كانت تدور حول حث الدول الأوروبية على الوفاء بتعهداتها المالية وتحمل المزيد من المسؤولية في إطار التحالف العسكري.
الاتهامات الإعلامية الغربية التي تحدثت عن “تخلي” ترامب عن الناتو هي في الأساس تفسيرات خاطئة لمواقفه الواقعية. ترامب لم يكن ضد الناتو، بل كان يطالب الدول الأعضاء بزيادة إنفاقها الدفاعي لتصل إلى النسبة المتفق عليها من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعد مطلبًا منطقيًا وعادلًا. فإن كان هناك من يتلقى الحماية الأمريكية، فمن الطبيعي أن يكون لديهم التزام مالي ملموس لدعم هذه الحماية.
ترامب يتبنى سياسة أكثر توازنًا مع حلفاء الولايات المتحدة. في ظل رئاسته، سيكون دوره في بناء التحالفات المستقبلية أكثر تركيزًا على العلاقة المتبادلة حيث يسعى إلى تحقيق توازن في المسؤوليات بين الأطراف. بدلاً من انتظار الولايات المتحدة لتلبية احتياجات الآخرين، سيطلب ترامب من الدول الحليفة أن تكون أكثر التزامًا بمبادئ التعاون والمساهمة الفعالة.
من المتوقع أن يستمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعزيز سياسات ومقاربة أكثر واقعية في علاقاته مع الحلفاء الدوليين، مع التركيز على إعادة توازن الأعباء والمسؤوليات. إذ سيطالب الدول الحليفة بالوفاء بالتزاماتها الدفاعية والمالية بشكل أكبر، بما في ذلك زيادة الإنفاق العسكري والمساهمة في دعم الأمن الإقليمي والعالمي. وفي المقابل، ستحرص واشنطن على الوفاء بتعهداتها الدولية، سواء في إطار حلف الناتو أو في التعاون مع الدول الكبرى الأخرى، مما يعزز الاستقرار العالمي. هذه المقاربة قد تضمن تقاسم المسؤوليات بشكل أكثر عدلاً وفعالية، وتمنح الولايات المتحدة القدرة على التركيز على أولوياتها الداخلية والخارجية، بينما تضمن الحفاظ على النظام الدولي القائم على الأمن والاقتصاد المتوازن.
باختصار إن فوز ترامب في الانتخابات يعني تحولًا آخر في السياسة الأمريكية على الساحة الدولية. سيكون ترامب أكثر تمسكًا بالقوة الصلبة، وسيعمل على توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، بينما يفرض ضغوطًا أكبر على إيران. ومن غير المتوقع أن يسعى ترامب إلى تجميع تحالفات فقط من أجل التحالف، بل سيضع نصب عينيه السعي لتحسين العلاقات مع الدول التي تلتزم بمبادئه فى الحفاظ على الاستقرار والأمن الدولى .
اضف تعليق