يبدو اللا منطق سيد الموقف في التوتر السائد بين طهران وباكو وسط مخاوف من حدوث مواجهات عسكرية بين الجانبين . فعلى الرغم من أن التصعيد حتى اللحظة لم يتجاوز حدود السجال الكلامي والمناورات العسكرية على الحدود غير أن تطورات تنذر بالتحول إلى حريق إقليمي لاسيما مع دخول أطراف دولية وإقليمية على خط الأزمة .
وكانت إيران أجرت في 1 أكتوبر على الحدود مع أذربيجان ما يوصف بأنها أكبر تدريبات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي راي فيه بعض المحللين تمهيدا لبناء مجموعات عسكرية على الحدود مخصصة لمواجهة باكو في حالة نشوب حرب. وعلق رئيس أذربيجان إلهام علييف على المناورات الإيرانية قرب حدود بلاده مطلع أكتوبر بالقول: “يمكن لكل دولة إجراء أي مناورات عسكرية على أراضيها. هذا هو حقها السيادي. لكن لماذا الآن ولماذا على حدودنا؟ لماذا يتم ذلك بعد أن حررنا هذه الأراضي بعد 30 عاما من الاحتلال؟”.
التوتر في العلاقات بين طهران وباكو ظهر إلى العلن مطلع سبتمبر الماضي، حيث بدأت أذربيجان في تقييد مرور الشاحنات الإيرانية التي تحمل منتجات نفطية متجهة إلى قره باغ وأرمينيا.وعن هذا الأمر، صرّح خطيب زاده، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن بلاده احتجت على احتجاز سائقي شاحنات إيرانية وأنها تتابع القضية عبر القنوات الدبلوماسية، مشيرا في الوقت نفسه إلى احترام طهران لوحدة الأراضي الأذربيجانية.
وفى حين تبدو “تل أبيب ” حاضرة وبقوة في المشهد حيث تشير التصريحات الإيرانية إلى غضب طهران من علاقات أذربيجان الوثيقة مع إسرائيل وتزويد تل أبيب لباكو بأسلحة حديثة بما في ذلك الطائرات المسيرة.وهو ما عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده بوضوح، حيث أفاد بأن طهران نقلت إلى باكو “قلقنا من التحركات والتصريحات الإسرائيلية التي تنطلق من أذربيجان”، مضيفا في هذا السياق قوله: “نحن باستطاعتنا الدفاع عن أمننا بصورة مناسبة لكن نطلب من باكو العمل بالتزاماتها”.
بيد أن التركيز الإيراني على العامل الإسرائيلي في التصريحات المتعلقة بتوقيت مناورات طهران العسكرية على حدود أذربيجان يبدو غير منطقى ولافت ، خاصة و أن التعاون و العلاقات بين باكو وتل أبيب ليست جديدة، حيث كانت باكو عام 2016 ثاني أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، والثالثة عام 2017. مما يدخله في دائرة “الدعاية” التى تحاول من خلالها إيران تغليف غضبها المتصاعد من تغييرات جيوسياسية حيوية في المنطقة الحدودية بين إيران وتركيا وأذربيجان.
دخول تركيا على خط المشاحنات يعد ابرز تجليات الأزمة المتصاعدة أعلنت وزارة الدفاع التركية إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع أذربيجان في إقليم نختشيفان قرب الحدود مع إيران و أنها ستواصل العمل مع أذربيجان “من أجل دعم الجيش الأذربيجاني”، مضيفة أنه “سوف نواصل الوقوف جنباً إلى جنب مع إخواننا وأخواتنا في أذربيجان، الذين نجتمع معهم في الحزن والفرح، بكل ما لدينا من إمكانات كما فعلنا حتى الآن”.
إلى جانب ذلك، كانت وسائل الإعلام التركية المختلفة قد تناولت أخبار المناورات الإيرانية باعتبار أنها رسائل تهديد إلى أذربيجان، وكتبت صحف تركية عناوين من قبيل “إيران تلعب بالنار” و”إيران تقوم بخطوات تصعيدية خطيرة” و”إيران تقوم بخطوات استفزازية مفاجئة”.
تصاعد النفوذ التركي في آسيا، يعد أحد أسباب الغضب الإيرانى , إذ لم تنجح طهران فى جعل أذربيجان ضمن حلقة نفوذها الإقليمي، على الرغم من خلفيتها الدينية المشتركة معها والعلاقات التاريخية والثقافية العميقة، فالقومية الأذرية في إيران تعد القومية الثانية في التركيبة الاجتماعية بعد القومية الفارسية. لكن مع تنامي نفوذ أنقرة في أذربيجان والقوقاز بشكل عام وإعلان تركيا عن خط أنابيب غاز جديد لتزويد ناخشيفان بالطاقة، يعني خسارة إيران أهميتها الجيوسياسية لأذربيجان، ومتوقع أيضاً أن تتغير ديناميكيات العلاقات الثنائية لصالح باكو، بعد عودة جزء من حدود إيران مع أذربيجان لسيطرة باكو، ما يسهل التواصل بين أذربيجان والأذر الإيرانيين بعد انقطاع لعقود، بعد أن ظل تحت سيطرة أرمينيا حليفة طهران منذ 1994.
السيناريوهات المحتملة
تعد التدريبات العسكرية على الجانبين مؤشراً قوياً على ارتفاع حدة التوتر بشكل غير عادي. وقد حذر المرشد الإيراني علي خامنئي في خطاب ألقاه في الثالث من أكتوبر دول الجوار من إيواء جيوش أجنبية. ورغم أنه لم يذكر اسم أذربيجان صراحة، فقد ترجم حسابه الرسمي على موقع تويتر تصريحه إلى اللغة الأذرية.
وما يزيد الأمور تعقيدا هو السكان الأذربيجانيون في إيران نفسها، حيث يشكلون ما يقرب من ثلث سكانها البالغ عددهم 85 مليون نسمة. وهناك تقارب قوي بين كثيرين منهم وبين أذربيجان، وسيحرص المسئولون الإيرانيون على تجنب تأجيج أية اضطرابات انفصالية إذا ما تفاقمت حدة التوترات. وسرعان ما سيستتبع أي قتال تدخل تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، التي وقعت اتفاقية دفاع مشترك مع أذربيجان في يونيو، وتعهدت بموجبه بتقديم “المساعدة الضرورية” في حالة الهجوم.ممايعنى نشوب حريق إقليمى .
خاصة وأن الفارق الكبير في الإمكانات العسكرية بين إيران وأذربيجان سيتم تعويضه من خلال الدعم التركي، فعلى الرغم من اختلاف فئات الوزن “بوضوح” بين “جيشي” إيران وأذربيجان، فإن الأخيرة تتمتع بالدعم العسكري والسياسي الكامل من تركيا ما يسمح لها بعدم التخوف من مواجهة محتملة مع دولة لديها تفوق كامل في السكان والاقتصاد.
أما السيناريو الثانى فهو توجيه ضربة إسرائيلية أميركية مشتركة يفترض فيها أن تكون حسابات الرد الإيراني أكثر صعوبة، ويستند المحلل السياسي والمختص في الشأن الإيراني، “خلدون مهيوب” فهذا الاحتمال إلى تصريحات أميركية رفيعة المستوى لوّحت بأن إدارة “جو بايدن” ستلجأ إلى وسائل أخرى في حال فشلت الوسائل الدبلوماسية في منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
ويرى محللون عسكريون إسرائيليون، أنه من مصلحة إسرائيل كانت، وما زالت، تحتم أن تتم الضربات للمنشآت النووية بقيادة الولايات المتحدة، وغطاء القوى الدولية.
ويضيف “مهيوب” أن “السيناريو الثانى ينبىء على لجوء إسرائيل إلى ثلاثة بدائل وضعتها الدائرة الاستراتيجية والدائرة الثالثة في الجيش، بتكليف من رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي “أفيف كوخافي” في يناير/كانون الثاني 2021، لمواجهة ما سمي تقويض جهود إيران النووية”، مشيرا إلى أن طهران ستحدد ردها تبعاً لما ستقدم عليه تل أبيب منفردة أو بالشراكة مع واشنطن.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، “نفتالي بينيت”، قد تعهد ، بمنع إيران، بالفعل لا بالقول، من امتلاك قدرة نووية مشيرا إلى أن السلطات الإيرانية حققت خلال الثلاث سنوات الأخيرة قفزة هائلة في تخصيب اليورانيوم، وباتت اليوم في أقرب نقطة لامتلاك القنبلة النووية في تاريخها.
يذكر ان “بينيت”، اعتبر في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر الشهر الماضي، أن برنامج إيران النووي تجاوز “جميع الخطوط الحمراء”، كما اتهمها بالسعي إلى الهيمنة على الشرق الأوسط، من خلال خلق مظلة نووية فوق المنطقة، مشدداً على أن بلاده لن تسمح لطهران بامتلاك أسلحة نووية.
على الجانب الآخر يستبعد مراقبون احتمالات نشوب صراع مسلح بين الدول الثلاثة أو ضرب إيران انطلاقاً من أذربيجان نظراً لعدة أسباب أبرزها تعقد وتشابك المصالح بين أنقرة وطهران فى العديد من الملفات لاسيما في سوريا والعراق. فضلاً عن أن موقف إيران سيكون أضعف على الساحة في أذربيجان خاصة حال تدخل قوى دولية مما يعنى أن البراجماتية الإيرانية ستعيد فرض نفسها وسيلجأ النظام إلى التهدئة .
المصدر: وكالات
اضف تعليق