الغموض سيد الموقف في تونس عقب قرار تجميد الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان واستحواذه على السلطة التنفيذية، ورفع الحصانة عن أعضاء البرلمان ورفض حركة النهضة لتلك الاجراءات .. فالشارع التونسي نفسه انقسم إلى جانبين أحدهما مؤيد للقرارات والآخر يقف على طرف النقيض .
القرارات الرئاسية جاءت كرد فعل على حالة الغليان التى تسود الشارع التونسي حالة غليان كبيرة تشهدها تونس على وقع الاحتجاجات السياسية والشعبية المتصاعدة ضد حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في البلاد.ونظم التونسيون، الأحد، احتجاجات شعبية جابت العاصمة التونسية وشملت جميع المحافظات التونسية للمطالبة بإسقاط المنظومة الحاكمة وحل البرلمان وإزاحة الإخوان من الحكم ووصلت الاحتجاجات لحرق مقرات النهضة احتجاجا على عشر سنوات عجاف من حكمها.
الرئيس سعيد قرارته بعد اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج مع مسؤولين أمنيين وقيادات من الجيش. وفي أحدث تطور أعلن الرئيس التونسي بعد ظهر اليوم الاثنين إقالة وزير الدفاع إبراهيم البلتاجي، ووزيرة العدل، حسناء بن سليمان. وجاء في قرار صدر عن الرئاسة أيضاً تكليف الكتاب العامين برئاسة الحكومة بتولي الشؤون الإدارية والمالية بالوزارات بعد إقالة الحكومة. ويجري الحديث عن إقالات أخرى أوسع قد تشمل المحافظين لاحق
خطوة بن سعيد استندت الى مضمون المادة 80 من الدستور التي تتيح له اتخاذ تدابير استثنائية في أوضاع محددة، مستفيداً من الاحتجاجات وأعمال الشغب التي اجتاحت عددا من المدن التونسية. وتنص المادة 80 من الدستور على أن “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية”.
ولكن البرلمان قال إن قرارات الرئيس غير دستورية لأن الفصل يشترط أيضاً استمرار أعمال المجلس ولا يخول إقالة الحكومة. غير أن ألخبراء أشاروا إلى أن خطوة الرئيس قانونية ففي غياب المحكمة الدستورية يمتلك الرئيس الحق الحصري في التأويل (الدستوري)”. ومنذ إقرار دستور 2014 لم يتم انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية الى اليوم وذلك بسبب تجاذبات سياسية حادة بين الأحزاب.
الجيش الذى لم يعلق على بعد على تحركات سعيد، انتشر عند مقر الحكومة في القصبة ومنع الموظفين من دخول المبنى اليوم الاثنين. كما حاصر جنود البرلمان ومنعوا راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان، من دخوله. يرى البعض أن الجيش اليوم في موقف محرج؛ إذ يقف بين سلطتين منتخبتين: البرلمان ورئيس الجمهورية. غير أن العميد المتقاعد في الجيش التونسي، محمد صالح الحيدري، ويقول إن “الجيش يقوم بنفس الدور الذي قام به عام 2011: الانتصار للثورة وحمايتها من الذين اغتصبوها: حركة النهضة”. وأنحى الحيدري باللائمة على النهضة في الفساد والأزمة الاقتصادية في البلاد.
السيناريوهات المقبلة تضع احتمالاُ بأن يعين الرئيس سعيد بسرعة رئيساً جديداً للوزراء ليتعامل مع ارتفاع حاد في حالات الإصابة بكوفيد-19 والأزمة المالية الوشيكة ويعيد على إثر ذلك صلاحيات البرلمان بعد انتهاء التعليق لثلاثين يوماً ويسمح بممارسته أعماله الطبيعية. وقد يلي ذلك إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
الاحتمال الثانى أن سعيد قد يمضى إلى ما يصفه بأنه التسوية الدستورية المفضلة لديه، وهي تحويل النظام في البلاد لنظام رئاسي بناء على انتخابات لكن مع تضاؤل دور البرلمان. قد يلي تلك التغييرات استفتاء على الدستور وانتخابات جديدة لاسيما وأنعقب انتخابه رئيساً عام 2019 بدا قيس سعيد لفترة أنه مكبل بالدستور الذي لا يتيح للرئيس سلطة مباشرة سوى على الجيش وفي الشؤون الخارجية، في حين تظل الإدارة اليومية في يد حكومة مسؤولة أمام البرلمان. ولم يخف سعيد رغبته في وضع دستور جديد يضع الرئيس في الصدارة
الحوار واتفاق سياسي جديد يبدو كآخر الخطوات المتوقعة فقد يتم تكرار النمط الذي اتبعته التيارات السياسية بعد ثورة 2011 لحل أزمات سابقة إذ تقرر التراجع عن حافة الهاوية والاتفاق على السعي لحل وسط عبر الحوار يشمل لاعبين آخرين مثل اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ كبير وسط الناس.
حركة النهضة من جانبها ستحاول النزول إلى الشارع، وهو ما حدث فعلا حيث وصل بعض أنصارها لمقر البرلمان بعلة حماية الشرعية لكن ذلك سيكون بمثابة انتحار لسببين الأول انحياز الجيش المرجح للرئيس فضلاُ عن وجود قطاع عريض من الشعب يرفض سياسات الحركة لاسيما وأنه بعد أكثر من 10 سنوات من الحكم في تونس فشلت حركة النهضة تماما في تقديم أي إضافة للساحة السياسية في البلاد وأصبحت مكشوفة أمام الشعب التونسي.
كما تعانى الحركة أزمة أخرى داخلية وهي الانشقاقات، حيث توجد تيارات بداخلها مناهضة لخيارات الغنوشي وتوجهاته، ما تسبب في تقلص الوزن السياسي للحركة واتساع دائرة انعدام ثقة الناخبين فيها وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نهاية الحركة على أيدي عناصرها.
ويعيش حزب النهضة الإخواني سلسلة من الانشقاقات وصلت حد إطلاق قياداتها الاتهامات لبعضها البعض في المنابر الإعلامية، والتي عبرت عن اعتراضها على معاداة الرئيس قيس سعيد وتشويهه.وبلغت حدة الانشقاقات قلب حركة “النهضة”، حيث استقال مؤخرا أمينها العام زياد العذاري من كتلتها البرلمانية، ومن جميع هياكل الحزب على الرغم من كونه من أبرز نواب النهضة بالبرلمان، وتولى عدة مناصب عليا في الدولة التونسية، حيث التحق بالحكومة منذ 6 فبراير 2015، وتولى حقيبة وزير التكوين المهني والتشغيل قبل تسميته في أغسطس 2016 وزيرا للصناعة والتجارة، ثم وزيرا للتنمية والاستثمار والتعاون الدولي في سبتمبر 2017، حتى استقال من هذا المنصب في مطلع نوفمبر 2019، بعد انتخابه عضوا في البرلمان.
وكالات
اضف تعليق