إذا كانت موجة الاحتجاجات الإسلامية الواسعة التي عمت المناطق اللبنانية, أمس, رفضا للإساءة إلى الإسلام شكلت مسرح الحدث نسبة لتوسع رقعتها واضطرار عدد من البعثات الديبلوماسية الغربية الى رفع مستوى الاجراءات الامنية في محيطها واقفال المدارس والمراكز الثقافية الفرنسية تخوفاً من تجاوزات قد تطالها, فإن الشأن السياسي المحلي تمحور حول تصور رئيس الجمهورية ميشال سليمان للاستراتيجية الدفاعية في ضوء انصراف القوى السياسية على ضفتي 8 و14 آذار إلى مناقشتها والغوص في تفاصيلها لإبداء الرأي, خصوصا انها الاولى على المستوى الرسمي بعد كل التصورات التي وضعتها سائر القوى السياسية والحزبية.
وفي حين تراوحت ردات الفعل الاولية بين مؤيد ومتحفظ على جبهة قوى "14 آذار" التي لاحظ بعض اركانها ما يناقض احكام الدستور لكون التصور يعترف بمداورة في مؤسسة لا وجود لها هي "المقاومة", جاء الرد سريعاً من "حزب الله", الذي اعتبر عبر قناته التلفزيونية "المنار" أن إسرائيل تستعد للحرب, وفي لبنان "يناور بعض الجالسين إلى طاولة الحوار الوطني لتفريغها وحصرها بمقولة الإمرة وحصرية السلاح", في اشارة إلى تضمن تصور سليمان أن يكون سلاح الحزب بإمرة الجيش.
ورأى مصدر نيابي بارز في "8 آذار" أن تصور الرئيس لا يمكن أن يكون مقبولاً على الرغم من تضمنه بعض الايجابيات, وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لا يمكن أن يفهم تصور سليمان إلا في إطار إعادة التموضع السياسي الذي بدأه منذ فترة, فهو ينتقل من موقع الداعم المطلق لخيار المقاومة إلى جانب الجيش, إلى موقع ظاهره وسطي, إلا أنه باطني, يخفي نية بجعل سلاح المقاومة موضع تساؤل وتجاذب سياسي وانقسام وطني. وهو بذلك لا يفعل سوى الخضوع لفريق "14 آذار", حتى لو تجنب الدخول في مطلب تجريد السلاح. وفي الخلاصة فإنه يتحول طرفاً ثالثاً, على أحسن تقدير.
ثانياً: النقطة المحورية في تصور سليمان هي أن الأخير يحاول تجاوز معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي وجدت نتيجة توافق سياسي وطني, وأثبتت فعاليتها, في حرب يوليو 2006, حيث منع تضافر جهود الأطراف الثلاثة إسرائيل من تحقيق أهداف الحرب. وبالتالي فإن سليمان يفرط أولاً بالتوافق الوطني, كما يهدر تجربة ناجحة, لصالح ورقة غامضة وغير مضمونة النتائج.
ثالثاً: إن مبدأ "أن المقاومة تبدأ عند وقوع الاحتلال" يعطي لإسرائيل, لو طبق, ورقة مجانية تطمئنها إلى أن بإمكانها شن الحرب على لبنان, ولن تجد في مواجهتها سوى الجيش اللبناني بإمكاناته العسكرية الهزيلة جداً. والمعروف أن أحد أسباب امتناع إسرائيل عن الحرب هو عامل الردع الذي تشكله ترسانة المقاومة, وتحييدها يعني دعوة إلى العدوان.
رابعاً: كان مفهوم التحرير صحيحاً في فترة ما قبل العام 2000 باعتبار أن أجزاء كبيرة من الأرض اللبنانية كانت محتلة, والمقاومة المسلحة كانت الخيار الوحيد, ولكنه كان خياراً مكلفاً, إذ استمر الاحتلال ثمانية عشرة عاماً.
والأجدى اليوم البحث عن سبل منع وقوع الاحتلال بالتصدي للغزو, وقد
أثبتت حرب 2006 أن بإمكان المقاومة فعل ذلك, إذ لم يستطع الإسرائيلي التوغل داخل الأراضي اللبنانية, إلا بعمق 4 كيلومترات بعد 33 يوماً من المعارك. ويمكن تحسين الأداء العسكري للبنان بتنسيق جهود الجيش والمقاومة.
خامساً: صحيح أن تصور رئيس الجمهورية لا يلبي طموح قوى "14 آذار" بتجريد المقاومة من سلاحها, إلا أنه يحاول الوصول إلى النتيجة نفسها من خلال تقييده بالقرار السياسي للدولة تحت عنوان الإمرة, ومعروف أنه لا توافق وطنيا على هذا الصعيد بوجود أطراف تعمل بوضوح لخدمة إسرائيل في استهدافها لسلاح المقاومة.
سادساً: إن الشراكة في الإمرة على المستوى العسكري خطأ استراتيجي بالمفهوم العسكري البحت, فلا يمكن لأي قيادة للجيش, مهما كانت نواياها صادقة في الدفاع عن الوطن, أن تدير ترسانة عسكرية نوعية, يكمن عنصر قوتها الأول في سريتها وانتشارها جغرافياً بطريقة مغايرة لانتشار الجيوش الكلاسيكية.
وخلص المصدر النيابي القريب من "حزب الله" إلى أنه في مرحلة الاستعدادات الحثيثة للحرب التي تقوم بها إسرائيل, فإن أي تغيير في استراتيجية الدفاع القائمة, وإسقاط معادلة الجيش والشعب والمقاومة, هو بمثابة خدمة مجانية للعدو, يمكن لبعض فرقاء "14 آذار" أن تقدمها طواعية, "إلا أننا من معرفتنا برئيس الجمهورية وقائد الجيش السابق لا يمكن أن يقصد ذلك, أو أن يقبل به".
اضف تعليق