أقل ما يوصف به حال حكومة كمال الجنزوري في مصر حالياً أنها على وقع أزمة حادة، ليس من داخلها ولكن من خارجها، وأن الأسبوع المقبل سيكون مفصليا، ليس في أدائها لكن في استمرارها من عدمه، وذلك كونها أصبحت موضع اتهامات عدة تقدم بها برلمانيون لسحب الثقة منها .
الأسبوع المقبل، ستكون هناك مواجهات عدة بين الحكومة، خاصة رئيسها وعدداً كبيراً من أعضائها، مع نواب مجلس الشعب الذين أعلنوا تقديمهم لعدة استجوابات يتهمونها فيها بالتدخل في الشأن القضائي، وعدم التحقيق في هبوط طائرة عسكرية أمريكية لمطار القاهرة قبل أسبوع دون إذن من السلطات، وذلك على خلفية قضية محاكمة متهمين مصريين وأجانب في قضية "التمويل الأجنبي" الخاصة بعمل المنظمات الأجنبية دون ترخيص في البلاد .
جملة الاتهامات التي تلاحق حكومة الجنزوري في البرلمان تأتي وقد ألقى كل طرف في الحكومة بالمسؤولية عما حدث في "السيناريو" الغامض لرفع الحظر عن سفر المتهمين الأجانب على الطرف الآخر، فيما تجاذب المجلس العسكري مع القضاء عندما أخلى مسؤوليته عن القضية، مرجعا ذلك إلى كونها مسؤولية قضائية لا شأن له بها .
الخارجية المصرية ووزارتا التعاون الدولي والعدل من جانبها أيضاً، نفى مسؤولوها أن تكون لهم علاقة برفع الحظر عن سفر المتهمين الأجانب، معتبرين ذلك من اختصاصات الجهات القضائية المعنية بالأمر، وهي نفسها الجهات التي ثار في ما بينها جدل مشابه، ألقى فيه كل طرف باللائمة على الطرف الآخر، لتصبح حقيقة القرار الذي تم اتخاذه ضائعة بين جميع الأطراف أو مسكوتا عنها، وهو ما دعا نواب البرلمان إلى تقديم عدة استجوابات ضد حكومة الجنزوري، ما يجعلها على المحك، وأن الأسبوع المقبل سيكون حاسماً في مصيرها.
ولم تكن هذه هي القضية وحدها التي تنتظر الحكومة الجديدة التي تشكلت في أواخر العام الماضي، كونها حكومة إنقاذ وطني، ولكن هناك بيانها الذي ألقاه رئيسها أمام مجلس الشعب قبل أسبوعين، ورفضه أغلبية النواب، معتبرين انه لا يقدم جديداً، ما دفع المجلس إلى تشكيل لجنة لدراسة البيان وعرضه عليه خلال الأسبوع المقبل، في الوقت الذي بدأت تتحدث فيه الأغلبية الإسلامية عن سحب الثقة منها، وهو ما انضم إليه نواب آخرون مستقلون وأوزان نسبية أخرى في البرلمان.
رفض البرلمان بيان الحكومة ومصاحبته باستجوابات عدة موجهة ضدها ينذر بأن الأسبوع المقبل سيكون ساخناً للحكومة التي تعد الثالثة من نوعها بعد ثورة 25 يناير وإطاحة الرئيس السابق حسني مبارك . وفي المقابل، يرى نواب البرلمان أن حكومة الجنزوري ما هي إلا امتداد لسابقتها، الأمر الذي جعلهم يصفونها بالفشل، على الرغم من منحها صلاحيات واسعة تفوق بمراحل صلاحيات سابقتها، وهو ما يرى النواب أن حكومة الجنزوري لم تستثمرها، الأمر الذي جعل قراراتها مرتعشة ولم تعد قادرة على تحقيق أبرز ملفين في المشهد المصري حالياً، وهما المرتبطان بتحقيق الأمن ومواجهة التدهور الاقتصادي.
بيان شديد اللهجة من الاخوان
إلى ذلك، نشر حزب الحرية والعدالة، أمس الخميس، على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، رأي جماعة الإخوان المسلمين في قضية التمويل الأجنبي.
حيث أشار بيان الجماعة إلى أن: "قضية التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني لا تزال تتفاعل في الساحتين السياسية والقضائية، بعد أن كشفت حقائق كنا نظنها قد اختفت بعد الثورة، وحاول البعض استخدام هذه القضية للإساءة إلى جماعة الإخوان المسلمين".
وأضاف البيان أن: "الساحة المصرية كانت مستباحة أمام الولايات المتحدة الأميركية في كل مجالاتها، حيث كان النظام المصري السابق تابعًا ذليلا لها ينصاع لأوامرها ولا يملك أن يرفض لها طلبًا، ومن ثم انتشرت المنظمات الأميركية لتعمل بدون ترخيص وتفتتح الفروع في كثير من مدن المحافظات، وتتلقى الأموال من الغرب، وتنفق ببذخ على تابعيها ومنفذي أهدافها من المنظمات والشخصيات المصرية، وكانت تنفق في المتوسط ستة ملايين دولار في العام إلا أنها في عام ما بعد الثورة أنفقت مائتي مليون دولار؛ أي مليارًا ومائتي مليون جنيه مصري".
وقال البيان نقلاً عن الجماعة: "عندما علمنا كإخوان مسلمين بإنفاق الأربعين مليون دولار، الأول من لسان السفيرة الأميركية، تساءلنا مرارًا وطلبنا التحقيق ومعرفة الحقيقة، من الذي تلقى هذه الأموال؟، وفيم أنفقها؟، وما هي مظاهر دعم الديمقراطية التي يزعمون دعمها؟"
واستنكر بيان الإخوان البطء في الإجراءات، قائلاً: "كان يخرج علينا في كل مرة إما وزير العدل أو وزير الداخلية، يقول إن التحقيقات جارية وسوف تعلن النتيجة خلال أيام، وتمر الشهور ولا يُعلن شيء، ونرى أحداثًا مؤسفة من تدمير وحرق وقتل يقوم بها البلطجية والخارجون عن القانون".
وتساءل الإخوان في البيان: "هل يتسرب جزء من هذه الأموال إلى هؤلاء المجرمين؟"، موضحين: لم نجد إجابة، حتى خرجت لجنة تقصي الحقائق بأدلة واتهامات وقدمتها إلى النيابة التي أحالت التحقيق فيها إلى قاضيي تحقيق فأصدرا قرارًا بتفتيش 17 منظمة ومنع 42 شخصًا من السفر منهم 19 أجنبيًا معظمهم أميركيون، ثم تم تحول القضية إلى محكمة الجنايات وهنا بدأ الضغط على المحكمة لإلغاء قرار منعهم من السفر وأبى ضمير القضاة الاستجابة لضغط رئيس محكمة الاستئناف المستشار عبد المعز إبراهيم، فقدموا إليه طلبًا بالتنحي عن نظر القضية فقبله على الفور".
وقال البيان: "شكلت هيئة قضائية جديدة أصدرت حكمًا بإلغاء قرار منعهم من السفر ثم تم حل الهيئة القضائية، وفي أثناء ذلك هبطت طائرة عسكرية أميركية على مطار القاهرة بدون إذن، ثم حلقت بالمتهمين الأجانب إلى قبرص، وأثناء هذه الإجراءات كلها تواترت الوفود الأميركية على مصر تضغط وتهدد وتتوعد حتى رضخت الإدارة المصرية وسمحت برحيل المتهمين".
واستطرد البيان: "هنا تكشف لنا أن المجلس العسكري يدير البلاد بالطريقة التي كان يديرها بها الرئيس السابق من حيث الخضوع لأميركا والتدخل السافر في أعمال القضاء والتفريط في السيادة والكرامة الوطنية، ومن هنا انفجر البركان الشعبي سواء في البرلمان أو في الأحزاب والقوى السياسية وفي السلطة القضائية وفي الإعلام وفي عموم الشعب، الكل
يطالب بالتحقيق ومعرفة المتسبب في هذا التهاون ومحاسبته على هذا التفريط".
وأضافت حركة الإخوان المسلمين: "في محاولة لصرف الرأي العام المصري عن جوهر القضية وشغله بخلاف داخلي، صدرت بعض التصريحات عن السناتور جون ماكين وبعض أعضاء الكونجرس الأميركي فسرها البعض على أن للإخوان المسلمين دورًا في السماح للمتهمين الأجانب بالسفر، وهلل الإعلام المغرض وكل من في قلبه ضغن على الإخوان لهذا التفسير وراحوا يهاجمون الإخوان المسلمين".
حيث أوضح الإخوان في البيان، أنهم أول من أدان التمويل الأجنبي غير القانوني وغير الشفاف منذ عشرة أشهر، وهم أيضًا أول من طالب بالتحقيق في الأمر وكشف الحقائق في هذا الموضوع.
وأشار الإخوان إلى أنهم أصدروا تصريحات يوم 9 فبراير 2012، جاء فيها: "يبدو أن أميركا لم تستوعب حقيقة أن الشعب المصري قد قام بثورته لاسترداد حريته وكرامته وسيادته وأنه لن يفرط فيها مهما كان الثمن"، "إن الإجراءات التي تمت هي إجراءات قضائية وليس من حق أحد أن يتدخل في سير العدالة، هذا إذا كان مصريا، فما بالنا إذا كان أجنبيا"، "إن السلطة القضائية واستقلالها من مظاهر السيادة الوطنية"، "إن من حقنا وواجبنا ألا نسمح لدولة أجنبية أن تتدخل في شئوننا الداخلية".
وقال الإخوان المسلمون في رسالتهم الإعلامية في 16 فبراير 2012، ما نصه: "صدرت تصريحات في غاية القوة والصراحة من الوزيرة فايزة أبو النجا في شهادتها أمام القضاء في قضية التمويل الأجنبي، بأن هذا التمويل إنما يستهدف هدم مصر وإلحاق الأذى والضرر بمؤسساتها جميعًا لمصلحة أميركا وإسرائيل، وهي لهجة لم نسمعها في مصر منذ زمن طويل من أهل السلطة".
وتابعوا: "في ذات الوقت نلاحظ تتابع الوفود عالية المستوى من الأميركيين التي تتوافد على مصر للتدخل في هذا الموضوع بغية التستر عليه، والسماح بسفر المتهمين الأجانب، والإخوان المسلمون يشدّون على أيدي المسؤولين تأييدًا لهم على موقفهم الوطني ويعلنون ثقتهم في القضاء المصري العظيم، ويرفضون كافة الضغوط التي تمارسها أميركا علينا، ويعلنون أنهم والشعب المصري كافة لن يتسامحوا مع أي مسئول أن قرر الخضوع للضغوط والتستر على الاتهام أو التدخل في أعمال القضاء".
وأشاروا إلى أنهم: "أصدروا تصريحات وبيانات أخرى عديدة صدرت في 11 فبراير، 2 مارس، 3 مارس 2012، ونحن أصحاب مبادئ لا نقول إلا ما نفعل، ولا نفعل غير ما نقول".
وأضاف البيان الذي نٌشر على الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة: "إن هذه المنظمات كانت تقوم بأنشطة مناوئة للإسلاميين وللإخوان المسلمين بصفة خاصة، إذ كانت تدعم التيارات الليبرالية والعلمانية بالمال والتدريب لمواجهة الإخوان، فكيف يسعى الإخوان للسماح لهم بالسفر الذي يعني أن القضية بالنسبة إليهم قد انتهت، لأن الدول الأجنبية يستحيل أن تعيدهم إلى مصر في حالة إدانتهم من المحكمة المختصة بنظر القضية".
وأوضح البيان: "إن الإخوان يجاهدون طيلة حياتهم من أجل استقلال البلاد وتحرير إرادة الشعب وعدم السماح لدولة ما أيا ما كانت أن تتدخل في شؤوننا الداخلية، وكم ضحوا من أجل استقلال القضاء فمن ثم يستحيل أن يتخلوا عن مبدأ من هذه المبادئ في أي وقت ولأي سبب كان".
وتابع البيان: "إن الإخوان المسلمين وإن كانوا يمثلون الأغلبية في البرلمان، إلا أنهم ليس لهم وزير واحد في الوزارة ولا ضابط واحد في المجلس العسكري ولا مستشار واحد في
السلطة القضائية، فكيف كان للإخوان دور في إلقاء قرار منع المتهمين من السفر؟".
وشدد الإخوان في بيانهم: "إن بعض نوابنا في البرلمان قدموا أسئلة عاجلة وربما استجوابات، وطلبوا حضور رئيس الوزارة ووزير العدل ووزير الطيران المدني ووزيرة العلاقات الخارجية لمحاسبتهم على هذه الفضيحة، فكيف يحدث ذلك إن كان لنا دور في هذه القضية؟".
وأضافت جماعة الإخوان المسلمين في بيانهم: "إذا كان البعض يزعم أن الأميركان لا يكذبون في إشارة إلى التصريحات التي صدرت عن بعض أعضاء الكونجرس، فنحن نتساءل منذ متى وأميركا تلتزم في سياستها الخارجية بالقيم الأخلاقية؟، ألا يذكر هؤلاء السادة الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون وكيف تجسس على خصومه وكذب على قومه حتى فقد منصبه؟".
واختتم الإخوان بيانهم: "هل نسى الأميركان تأكيدات بوش الابن وكولن باول عن امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل؟ وعن علاقته بالقاعدة؟، ثم تبين كذب ذلك كله بعد قتل ما يزيد على مليون عراقي وتشريد ما يزيد على خمسة ملايين آخرين؟ هل نسوا خطبة أوباما العصماء في جامعة القاهرة وأختها في جاكرتا ثم لم يوف منها كلها بوعد واحد؟ وهل وفى بوعده بإغلاق معتقل جوانتاناموا بعد عام واحد من توليه الرئاسة، حتى الآن وقد مرت ثلاثة أعوام ونصف؟".
اضف تعليق