الرئيسية » تقارير ودراسات » حكومة العراق “المعلقة “وتعقيدات المخاض السياسي
تقارير ودراسات رئيسى

حكومة العراق “المعلقة “وتعقيدات المخاض السياسي

سحب التعقيدات تلف مشهد تشكيل الحكومة العراقية مجدداً , فعلى الرغم من أن عملية تأليف الوزارة استغرقت نحو  خمسة أشهر بعد إجراء الانتخابات التشريعية ومنح  البرلمان الثقة لجزء من حكومة عادل عبدالمهدي في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، غير أن الملف لم يطو بعد .

إذ لا يزال التنازع مستمراً بين الكتل السياسية الفائزة  على اقتسام الحقائب الثماني المتبقية من الكابينة الوزارية لاسيما وأن بعض القوى ترى أنها لم تحصل على حصة عادلة من “الغنيمة الوزارية ”  التي حسم أمرها , فضلاً عن استمرار الخلاف حول الوزارات السيادية وتحديداً الدفاع والداخلية الناجم عن  عدم التوافق بين كتلتي البناء والإصلاح على مرشحي وزارتي الدفاع والداخلية مما ينذر بحدوث شرخ بالملف الأمني .

تغييب تسمية وزيري الدفاع والداخلية قد يُدخل العراق أتون أزمة جديدة وذلك بالنظر لطبيعة الأوضاع الأمنية بالبلاد والتي لا تحتمل مزيداً من المماطلة ولعل ما حدث مؤخراً في محافظة نينوى و بغداد من خروقات أمنية يعد انعكاساً لعرقلة ملف الوزارات الأمنية والتي حالت دون استكمال الحكومة.و كانت قوات الجيش العراقي قد أعادت انتشارها في عدد من المدن المحررة ونصبت نقاط أمنية للتفتيش، فيما تم رصد حركة للطيران العراقي في الصحراء الغربية وبادية الموصل المحاذية للحدود السورية. كما أعلنت قوات الحشد الشعبي عن شن عملية عسكرية أمس  الاثنين في جزيرة الثرثار بمحافظة الأنبار لملاحقة عناصر داعش.

التقليد العراقي “غير المكتوب” والسائد منذ سقوط نظام البعث,  أحد محاور الأزمة التي تتجدد بعد كل عملية انتخابية نتيجة المصالح الخاصة لدول الجوار وبعض القوى الدولية وأيضا المكاسب المالية الخاصة لبعض المكونات والكتل السياسية. فقد جرى العرف أن يتم اختيار وزير الدفاع من المكون السني، واحتدمت الخلافات السياسية داخل التحالفات السنية بشأن المنصب والذى تقدم إليه أربعة مرشحين .وأعلن تحالف “المحور الوطني”، الذي يضم عدة أحزاب سنية، ترشيحه النائب في البرلمان عن محافظة نينوى أحمد الجبوري والذي يحظى بشعبية كبيرة من قبل أغلب النواب، وهو ضابط في الجيش العراقي، وعلى دراية في إدارة المؤسسات العسكرية”. كما راج اسم رئيس مجلس النواب السابق سليم الجبوري، كمرشح للمنصب أيضًا، وهو مدعوم من الحزب الإسلامي العراقي، ذراع الإخوان في البلاد، وهو أستاذ جامعي في مجال القانون.فضلا عن  ترشح وزير الدولة الأسبق صلاح الجبوري لمنصب وزير الدفاع، بالتنسيق مع إياد علاوي  والذي تضاءلت حظوظ مرشحه الأول فيصل الجربا إثر المعلومات الواردة عن شموله بإجراءات اجتثاث نظام البعث، والذي يمنع تولي المسؤولين في زمن صدام مهام تنفيذية في الوقت الحالي.

“فيتو الصدر ” طرف فاعل بالصراع المتشعب حول شخص وزير الداخلية والذي لا تغيب عنه إيران نظراَ لكون الحقيبة محل الخلاف تضم مفاصل الدولة المهمة من شرطة وحرس حدود وجوازات وجنسية ومنافذ حدودية وكل المفاصل الأمنية للأمن الداخلي ومن الممكن استخدامها في خرق العقوبات الأميركية على طهران لأنّها مكلّفة بحماية الحدود ومراقبة تنقّل الأفراد والسلع والأموال عبرها. ورفض زعيم التيار الصدري  والذي يخوض  منذ سنوات صراعا ضدّ عدد من قادة الأحزاب والميليشيات الأكثر ولاء لإيران,شخص فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي المرشّح الحالي لمنصب وزير الداخلية، و المقرّب من طهران .ومنذ العام2005 ومع تشكيل أول وزارة داخلية،  تضع إيران  يدها على وزارة الداخلية ولا تسمح لأي دولة التدخل بوضع وزير لهذه الوزارة ولابد أن تتوافر بالشخص المرشح  مواصفات معينة تناسب التوجهات الإيرانية وأجندتها في العراق، بحث لا تتعارض قراراته مع ما تريده طهران. وذكرت وسائل إعلام عراقية أن مسؤول الملف العراقي في “حزب الله” اللبناني الشيخ محمد كوثراني، أبلغ القيادات الشيعية بضرورة تأييد فالح الفياض لمنصب وزير الداخلية، وذلك بدعم من قيادات إيرانية وروسية رفيعة المستوى ومن الرئيس السوري بشار الأسد الذي يرتبط بعلاقة خاصة مع الفياض.

.

اللافت للأمر هنا , هو ورفض منظمة بدر الإبقاء على وزير الداخلية السابق والقيادي بها  قاسم الأعرجي، مقابل إصرار من قبل تحالف سائرون على إبقائه في منصبه، استنادا لسيرته المشرقة في الوزارة، ونجاحه في مهمته .وقد فسر البعض اعتراض “بدر” في إطار حرصها على العلاقة مع هادى العامرى  ورؤيتها  أن صعود نجم الأعرجي جماهيريا وشعبيا، قد يمثل أفولا في نجوم منافسيه من القيادات الأخرى في المنظمة.

إشكالات الخلاف على الحقيبتين ترتبط بالمخصصات المالية لكل وزارة , إذ أن الصراع بين الأحزاب السنية حول تسمية وزير الدفاع يعود إلي أن  تلك الشخصية تتحكم في مخصصات مالية كبيرة وتقوم بعقد صفقات الأسلحة ومستلزمات الجيش العراقي والتي تتكلف ما يقارب 800 مليون من موازنة الدفاع التي تتراوح بين 10 إلى 20 مليار دولار سنويا  فى حين تتراوح موازنة الداخلية في العام بين 7 إلى 10 مليار دولار وتلك هي المعضلات التي تقف في طريق اختيار وزراء للدفاع والداخلية عقب كل انتخابات.

معركة لى الذراع بين عبد المهدى وقادة الكتل النيابية  لا تقتصر على الوزارات الأمنية  فخلال الأيام الماضية أعربت كتل سياسية عن رغبتها في أن يغيّر رئيس الوزراء مرشّحيه للوزارات الشاغرة، متوعّدة بعدم منح الثقة للمرشّحين المطروحة أسماؤهم من قبله، وهو ما رفضه عبد المهدى  والذي أعلن تمسّكه بمرشّحيه، الأمر الذي عرقل استكمال الكابينة الوزارية وتمريرها من جانب البرلمان بسبب الخلافات على بعض المرشحين وتأجيل وزارات أخرى فضلاً عن أن  حكومة عبد المهدي مهددة بالإقالة أو سحب الثقة منها حال خروج اثنين من وزراء حكومته، لاسيما مع مطالبة هيئة المساءلة والعدالة المختصة بالتدقيق في سير الوزراء بإقالة وزيرين تشملهما المساءلة، الى جانب وزيرين آخرين تحوم حولهما شبهات تتعلق بالفساد. وفي حال إقالة أربعة وزراء، تفقد الحكومة شرعيتها الدستورية تماماً”.

المخاض العسير وصراع الكتل على  الحقائب المتبقية يؤشر إلى أن مسارات الحكومة الجديد يشوبها المزيد من التعقيد والتحديات بالنظر إلى طبيعة الملفات العالقة والسمات الشخصية لرئيس الوزراء , فحال استمرار القوى السياسية بوضع العراقيل وتضييق الخناق علي عبد المهدي وحكومته , قد يضطر إلى تقديم استقالته لاسيما وأن  رئيس الوزراء المكلف عرف أنه ليس من النوع المقاتل ويحمل خطاب استقالته في جيبه دائما وقد سبق وترك منصبه بإرادته في وزارة  النفط  كما تخلى من قبل  عن منصب نائب رئيس الجمهورية  بسبب عدم رضاه عن آليات إدارة الحكومة لذلك يظل الرهان على استمراره قيد  تذليل العقبات من جانب الأحزاب والكتل السياسية وتوصلها إلى صيغة توافقية بشأن الحقائب الوزارية مما قد ينذر بدخول العراق فى أزمة حادة ومركبة تتضاعف خطورتها بتشابكها مع أزمة البطالة والماء والكهرباء والتعقيدات الأمنية، وتبعات العقوبات على  إيران.