الرئيسية » أرشيف » حكومة حمادي الجبالي: المخاض عسير والمولود معتل
أرشيف

حكومة حمادي الجبالي: المخاض عسير والمولود معتل

لن تكون "مهمة" حكومة الأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي التي ينتظر أن يعلن عن تركيبتها اليوم الأربعاء بالسهلة ولا باليسيرة بل إنها ستواجه تحديات كبيرة وخطير في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد لا سيما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

ومما يزيد في تعقيد الحكومة القادة هو أنها تتسلم قيادة تونس في إرث ثقيل يمثل عبئا يستوجب رفعه والتخلص منه وهو أمر ليس بالسهل.

فقد ورثت حكومة حمادي الجبالي تركة ثقيلة، نسبة بطالة تتجاوز 18 بالمائة على المستوى الوطني وتفوق 25 بالمائة في الجهات الداخلية المحرومة، ونسبة فقر تناهز 24 بالمائة، ونسبة نمو اقتصادي في حدود الصفر بالمائة، وعجز في المدفوعات فاق 6 بالمائة وتراجع في الاستثمارات الخارجية بنسبة 31.9 بالمائة.

كما يعد تنامي "ظاهرة المطلبية" وارتفاع سقف تطلعات التونسيين إلى تحقيق أهداف الثورة سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة.

ويتطلع التونسيون الذين بدأ صبرهم ينفد إلى أن تنتهج الحكومة القادمة سياسات اقتصادية واجتماعية تتسم بالنجاعة والعدالة ترسي مقومات التنمية الشاملة التي يتقاسم في ظلها المواطنون عائدات الخيرات وفق تساوي الحظوظ وبعيدا عن أشكال الحيف.

أما ثالث العوامل التي تعقد مهمة الحكومة فإنها تتعلق بطبيعة تركيبة الحكومة التي تستأثر حركة النهضة الإسلامية بنسبة 60 بالمائة منها وهي تركيبة تفتقر للتجربة في تسيير دواليب الدولة ومعالجة ملفات شائكة لا تقبل لا الارتجال ولا التأجيل.

ولعل الوعي بخطورة التحديات هو الذي دفع بحمادي الجبالي الى اختيار طاقم ضخم لحكومته يتكون من 26 وزيرا و6 وزراء معتمدين لدى رئاسة الحكومة و16 كاتب دولة من أجل "إعطاء نموذج جديد للحكم".

لكن ما يخفف من صعوبة مهمة حكومة حمادي الجبالي هو الآفاق التي فتحتها الثورة حيث حررت الطاقات والكفاءات على المستوى الداخلي وعززت ثقة شركاء تونس العرب والأجانب في مسارها الديمقراطي وهو ما يستوجب من الحكومة أولا أن تفتح المجال أمام كل التونسيين بعيدا عن منطق الحسابات السياسية ليساهموا في بناء تونس الجديدة ويستوجب منها ثانيا أن تستثمر استعداد الجهات المانحة لتوفير الضخ المطلوب من أجل إنعاش الاقتصاد وتطوير الاستثمارات.

والأكيد أن حكومة حمادي الجبالي لن تعمل في الظلام بل سيخضع أداؤها لرقابة مجهرين على الأقل أولهما وطني وثانيهما أجنبي.

ووعدت حركة النهضة في برنامجها الاقتصادي بتحقيق نسبة نمو سنوي بـ 7 بالمائة كما وعدت بإحداث 120 ألف موطن شغل سنويا وخفض نسبة البطالة إلى 8.5 بالمائة سنة 2016.

وبالتأكيد سيشتغل المجهر الوطني لمتابعة أداء الحكومة ومحاسبتها على مدى التزامها ووفائها بالوعود، فالمواطن التونسي اليوم على قدر من اليقظة ما يجعله يراقب بكل حرية أداء الحكومة.

وبالإضافة إلى رقابة التأسيسي فإن الحكومة ستعمل تحت مجهر كتلة المعارضة داخل التأسيسي وخارجه وكذلك تحت رقابة مكونات المجتمع المدني وفي مقدمتها نقابة العمال ذات التأثير الكبير ونقابة أرباب العمل إضافة إلى رقابة النشطاء في مختلف المجالات.

ولم تتردد المعارضة مختلف الفئات التي تكون المجتمع المدني في التعبير عن رأيها بأنها "ستراقب الحكومة وتحاسبها وستنزل للشارع إن لم تلتزم بالوعود التي قطعها على نفسه الائتلاف الثلاثي الذي تقوده حركة النهضة ويضم حزب المؤتمر من أجل الجمهوري وحزب التكتل من أجل العمل والحريات.

والأخطر من ذلك أن حكومة الجبالي ستباشر مهامها في ظل حالة "إحباط شعبية عامة" ليس بإمكان أي جهة تجاهلها ما حدا بالمتظاهرين أمام مقر المجلس التأسيسي للترديد "ياداخلين التأسيسي تونس داخلة في حائط".

كما يخضع أداء حكومة حمادي الجبالي إلى مجهر أجنبي يكشف، أولا، مدى نجاعة الخطة التنموية والسياسية في معالجة مشاغل التونسيين وتراقب، من خلاله ثانيا، الدول والمؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية مدى نجاح الحركة الإسلامية في احترام التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة طالما أن تونس تمثل اليوم مخبرا لمدى قدرة الإسلاميين على إدارة شؤون البلاد في ظل دولة مدنية ديمقراطية تكفل الحريات ومجتمع تعددي يضمن حقوق الإنسان.

ولعل أبرز تحد يواجه الحكومة هو أنها ستنفذ خططها في ظرف اقتصادي وصفه محافظ البنك المركزي مصطفى كمال النابلي، إنه "صعب جدا" و"يتجه نحو التأزم" متوقعا أن نسبة النمو الاقتصادي خلال سنة 2011 ستكون في مستوى الصفر أو ما دونه وهو مؤشر ستكون له تداعيات سلبية على سوق الشغل.

وبحسب الإحصائيات الجديدة والدقيقة فإن نسبة البطالة ارتفعت إلى نسب "خطيرة تنذر بالاحتقان الاجتماعي" إذ هي وصلت على المستوى الوطني إلى 18.3 بالمائة فيما تبلغ في الجهات الداخلية المحرومة أكثر من 28 بالمائة.

ويقول خبراء التنمية الاجتماعية أن الحكومة الجديدة مدعوة لوضع خطة واضحة ودقيقة ومدروسة لتشغيل العاطلين من خلال إطلاق مشاريع استثمارية وتنشيط المؤسسات الاقتصادية الصغرى باعتبارها الأكثر تلاؤما مع طبيعة النسيج الاقتصادي والاجتماعي التونسي.

ومما يعمق التحديات التي تواجه الحكومة تقلب الأسواق العالمية حيث يتواصل تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي ويشهد الوضع الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي شريك تونس الاقتصادي الأول ترديا كبيرا إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في ليبيا ثاني شريك اقتصادي لتونس.

ويقول الخبراء في التنمية والاقتصاد أن دقة الظرف الاقتصادي العالمي ستقود إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد التونسي أو أن تؤثر على "التزامات الاتحاد الأوروبي المالية" تجاه تونس خاصة وأنه تعهد بمنحها مساعدات مالية بـ 400 مليون اورو وقروضا بـ 3 مليارات اورو خلال الفترة الممتدة من2011 إلى 2013 .

وأمام حكومة الجبالي رفع تحديات الصعوبات الداخلية والخارجية حيث تؤكد المؤشرات أن عجز المدفوعات ارتفع إلى 6.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وتراجعت الاستثمارات الخارجية بنسبة 31.9 بالمائة مما أدى إلى انخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة إلى 10504 مليون دينار.

وتراجع أداء المؤسسات الاقتصادية إلى أدنى المستويات بسبب تواصل الإضرابات وتوقفت أكثر من 150 مؤسسة عن العمل وغادرت 200 مؤسسة أجنبية تونس ما حدا برئيسة منظمة أرباب العمل وداد بوشماوي بالتحذير أنه "إذا تواصلت الإضرابات فإنها ستؤدي إلى وضع كارثي".

وجاءت دعوة رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي إلى "هدنة سياسية واجتماعية لمدة 6 أشهر" لتؤكد خطورة التحديات التي تواجه حكومة حمادي الجبالي في ظل مناخ هش وغير مستقر.

وبرأي الخبراء فإن التحديات التي تواجهها تونس اليوم "هي على قدر من الخطورة ما يستوجب من الحكومة أمرين اثنين على الأقل أولهما توفير الاستقرار وثانيهما إطلاق مشاريع استثمارية.

فقد دعا الباحث في العلوم الاقتصادية سامي بيبي حكومة حمادي الجبالي إلى اتخاذ إجراءات عملية مجدية من خلال "وضع خطة اقتصادية واضحة تكون بمثابة رسائل طمأنة للمستثمرين تعيد إليهم الثقة" لأن الاستثمار هو السبيل الوحيد لخلق مواطن شغل "البلاد في أمس الحاجة إليها".

وحذر من"الإجراءات الشعبوية التي قد تغرق البلاد في مسار من الانكماش يصعب الخروج منه على غرار إعلان الرئيس المرزوقي بيع القصور الرئاسية لدفع التشغيل" معتبرا أن "الغاية الأساسية من مثل هذه الخطوات هي المحافظة على الرصيد السياسي لدى الناخبين".

وشدد بيبي على ضرورة "تعجيل البت" في مشروعي موازنة الدولة وقانون المالية لسنة 2012 "باعتبارهما من أهم العوامل التي ستوضح الرؤية وتمكن البلاد من استعادة الفاعلين الاقتصاديين".

وكانت حكومة الباجي قائد السبسي اقترحت مشروع موازنة بحجم 23125 مليون دينار يتم توفير 71 بالمائة منها من موارد ذاتية و29 بالمائة عبر الاقتراض لسد عجز في حدود 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

غير أن مراقبين رأوا أن هذه الموازنة لم تستجب لتطلعات التونسيين بل حافظت على خصائص موازنة ما قبل الثورة وخاصة برصد رئاسة الجمهورية بموازنة كبيرة في حدود 68.4 م د رغم تقلص سلطات مؤسسة الرئاسة مقابل موازنة بقيمة34.1 م د لوزارة التخطيط والتعاون الدولي و 13.8 م د فقط لوزارة التنمية الجهوية.

ويقول المحللون السياسيون أن حكومة الجبالي التي ستعمل تحت منظار عربي وعالمي تمثل "مخبرا لحركة النهضة الإسلامية ومن ثمة للحركات الإسلامية في المنطقة العربية، تختبر فيه العواصم الغربية، وفي مقدمتها واشنطن وباريس ولندن، ما إذا كانت تلك الحركات قادرة على خوض تجربة حكم ديمقراطي أم لا.