غير الأمين العام لحزب الله موقفه بشأن حزمة مساعدات محتملة من صندوق النقد الدولي للبنان , قائلاً الأسبوع الماضي: “أي مساعدة في ظل ظروف منطقية ممكنة. لا توجد مشكلة في ذلك “. هذا التحول اللافت جاء بعد طلب إيران مساعدة من الصندوق الدولي في شكل قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار لمواجهة الوضع المأساوي الناجم عن تفشي كوفيد19 في البلاد وفى أعقاب إشارات من المجتمع السياسي والتجاري بأكمله أن لبنان بات بحاجة طارئة وماسة إلى أموال مباشرة لتلافى شبح الإفلاس التام .
لقد كان الوضع مضطرباً بالنسبة لما يسمى حزب المقاومة والذى عارض بشدة حصول لبنان ‘على أي حزمة مساعدات من صندوق النقد بيد أن الاستدارة الكاملة حدثت بمجرد تواتر أنباء عن سعى طهران للحصول على تمويل من الصندوق ذاته . ولعل ما زاد الأمر سوءاً الأسبوع الماضي ، اتهام حزب الله أيضاً بالسماح لمحكمة عسكرية في بيروت بالإفراج عن عامر فاخوري ، وهو مواطن أمريكي متهم بإدارة سجن جنوبي لبناني أثناء الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة. إذ يتردد أن هذا التنازل الواضح من نصر الله قد جرى اتخاذه لدرء خطر العقوبات الأمريكية ضد بعض حلفائه السياسيين ، وكنوع من إثبات حسن النوايا قبيل إجراء أي مفاوضات محتملة لصندوق النقد الدولي.
وثمة دلالات يؤكدها التحول الأخير بموقف الحزب ,إذ يؤشر إلى أنه على استعداد تام لتغيير قراراته بغية الحفاظ على مصالحه وبما يتوافق مع ولائه لطهران , وذلك بغض النظر عن الرأى العام اللبنانى أو قوانين الدولة والتي لم يضعها في اعتباره عندما انخرط بالمغامرة السورية وأرسل مقاتليه للمشاركة فى الحرب , ومع ذلك يبدو أن حاجز التقديس والهالة العالمية لحزب الله التي هي جزء من استراتيجية طهران , قد تحطمت ,حيث يتعرض الحزب في الآونة الأخيرة لضغوط غير مسبوقة .
فعندما يتعلق الأمر بصندوق النقد الدولي ، فضلاً عن إرضاء الولايات المتحدة ، يعول حزب الله ,ايضاً على فرنسا لدعمه في المفاوضات المحتملة والسبب البسيط لذلك يتمثل فى أنه منذ الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري ، حاول ماكرون رأب الصدع بين واشنطن وطهران فيما يتعلق بالاتفاق النووي ، ولأن لبنان جزء مهم من استراتيجيته , إضافة إلى أن باريس لديها وعى واستيعاب كامل لما يمثله حزب الله لإيران ، فإنها من خلال دعم الاستقرار في لبنان ، تدرك الإدارة الفرنسية جيداً أنها بذلك ترضي طهران وتبدي حسن النية.
نصرالله يريد أموال صندوق النقد الدولي دون “شروط تنتهك السيادة اللبنانية”. ولكن وفقا لرؤيته ، فإن السيادة لها معنى مختلف – فهي تعني السماح للحزب بالاحتفاظ بجميع قنوات التهريب ؛ السيطرة على حدود لبنان ؛ وعلى المطار والموانئ. يضاف إلى ذلك مواصلة إشرافه على الأنشطة غير القانونية ؛ واستمرار آليات الرشوة ؛ تهديد القضاء . إلى جانب إحكام قبضته على قطاع الأدوية والرعاية الصحية في البلاد ؛ السماح له بالتعدى على الممتلكات العامة والخاصة ؛ الحفاظ على الاتصالات الموازية ؛ واستخدام شبكة الكهرباء لمصالحه الخاصة. والأهم من ذلك كله ، الحفاظ على ترسانته العسكرية بوصفه دولة فوق الدولة وعلى كونه غير خاضع للمساءلة هو وحلفائه .
إن هذه الترسانة العسكرية ليست بهدف المقاومة وإنما هى لون من قمع الذات أولاً ومن ثم من البلد بأكمله. إذ أن اللبنانيون الشيعة لديهم نفس أحلام الآخرين غير أنهم معزولون عن بقية السكان. وبعد أن انتهى حزب الله من طائفته، عزل لبنان عن بقية العالم. فقد أصبحت دولة التجارة والسياحة عدوًا لجميع دول المنطقة وأدرجها قطاع واسع من المجتمع الدولي على القائمة السوداء. فهل هذا هو الاستقرار الذي تريد فرنسا الحفاظ عليه؟ إذا كان ماكرون بالفعل صديقاً للبنان ، فعليه أن يقف مع الشعب الحر والمتظاهرين ، وليس حزب الله. لقد حان الوقت أيضا لكي يوضح الحريرى ، الذي تربطه علاقات جيدة مع ماكرون ، ذلك علنا ويطلب من الرئيس الفرنسي الوقوف مع المتظاهرين والمعارضة.
بيد أن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه هو إلى متى سيقبل الجيش اللبناني هذا الوضع؟ ألم يحن الوقت بعد كى يستمع إلى الناس الذين يخاطرون بحياتهم في الشوارع ويصرخون من أعماق قلوبهم ، “دولة واحدة ، جيش واحد” فى دعوة صريحة للسيادة الفعلية ؟ وإلى متى سيستمر الجيش في قبول الاهانات المتتالية وإفساد حزب الله للمعنى الحقيقي للسيادة؟ الجيش هو الحامي الوحيد للحدود. إنه المؤسسة السيادية الفريدة التي يحترمها جميع المواطنين. لقد حان الوقت لكي يلتحم مع الناس ، بغض النظر عن التكلفة.
لا يمكننا أن ندع البلاد بعد الآن ,لتصبح مجرد بيدق على رقعة شطرنج التفاهمات الإقليمية. نحن نعلم أننا سنضحي جميعًا عاجلاً أم آجلاً. لقد لاح أوان التغيير. – فلن يتمكن من التغلب على الأزمة المالية وكذلك وباء كوفيد- 19 دون دعم مالي وسياسي خارجي. نحن على وشك وضع كارثي يستوجب التحرك بسرعة.
الرابط الأصلى للمقال : https://www.arabnews.com/node/1643796
اضف تعليق