نعقد الاجتماع الدولي الثاني والعشرون بشأن سوريا، وهو جزء من عملية أستانا التي تقودها تركيا وروسيا وإيران، في عاصمة كازاخستان هذا الأسبوع. وشملت الموضوعات الرئيسية الوضع الإقليمي في سوريا، والتقدم نحو تسوية شاملة والوضع الحالي على الأرض. كما غطت المحادثات تدابير بناء الثقة مثل إطلاق سراح الرهائن وتحديد أماكن المفقودين، فضلاً عن المبادرات الإنسانية. ناقش المشاركون الحاجة إلى الدعم الدولي لتعافي سوريا بعد الصراع وظروف العودة الطوعية للاجئين. حيث تهدف محادثات صيغة أستانا، التي انطلقت في عام 2017، إلى حل الحرب الأهلية السورية، التي شردت أكثر من 14 مليون شخص منذ عام 2011.
وعلى الرغم من اعتبارها مسارًا تفاوضيًا مستقلاً عن عملية السلام في جنيف التابعة للأمم المتحدة، إلا أنها واحدة من بين العديد من العلامات الأخرى التي تُظهر الروابط والعلاقات المتنامية بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط. عندما يتعلق الأمر بالمحادثات في أستانا، فإن وجود كل من روسيا وتركيا في هذا السياق هو مبادرة استقرارية تربط بين المناطق. ومع انخراط موسكو وأنقرة في الصراع السوري والملفات المتوترة الأخرى، فإن هذا يدعم الحوار والدبلوماسية عندما يكون ذلك ممكنا. تمثل أستانا أرضا محايدة معترف بها لحل الصراع.
ولكن هذه ليست سوى واحدة من المبادرات التي تسلط الضوء على الثقل الجيوسياسي المتبادل المتزايد بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وبشكل أكثر تحديدا مجلس التعاون الخليجي. لقد أصبح من الواضح كيف يمكن للدول في كلتا المنطقتين التوسط لبعضها البعض. يمكننا أيضا أن نلاحظ مسارا جديدا حيث تسعى القوى الإقليمية إلى حل القضايا أو تجنب التصعيد خارج المؤسسات الدولية المعتادة.
وفي هذا الشأن، أثبتت كازاخستان قدرتها على العمل مع جهات فاعلة متنوعة من دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا وآسيا. وكان هذا الفهم واضحا خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف إلى فرنسا الأسبوع الماضي. وأكد اجتماعه مع الرئيس الفرنسي على شراكة أقوى بين فرنسا وكازاخستان. لقد أصبح هذا التوسع في العلاقات الدولية قاسما مشتركا بين المنطقتين في مواجهة التحالفات المتغيرة والمنافسة بين القوى العظمى.
إن دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى تعكسان نفس التوازن الدبلوماسي اللازم للملاحة بين المخاطر العالية. فهما تشتركان في الحاجة إلى الاستقرار في ظل ظروف مماثلة. وفي مواجهة المنافسة بين القوى العظمى، اتخذت المنطقتان زمام المبادرة لشق طريقهما الخاص. إنهما تخلقان عالما متعدد الأقطاب كثيرا ما نذكره اليوم. وبدلا من الخضوع للمنافسة بين القوى العظمى، تسعى البلدان في هذه المناطق إلى إيجاد ما هو الأفضل لأنفسها، سواء في القضايا الجيوسياسية أو قضايا الطاقة. وهذه الاستراتيجية الجيوسياسية المشتركة بدورها تعمل على تعزيز العلاقات بين آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة ضغوط مماثلة.
كما أن هناك توافقا متزايدا بين المنطقتين عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأساسية لاستقرار كل منهما. ومن الأمثلة على ذلك أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية واندلاع وضع شديد التقلب. لقد أدركت المنطقتان كيف يمكن لعدم الاستقرار هناك أن يؤدي إلى مخاطر أمنية عبر الحدود، وزيادة التطرف وتدفقات اللاجئين. وبالتالي، لعبت دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى دورا هاما في دعم الاستقرار في البلاد. وعلاوة على ذلك، خلال الاجتماع رفيع المستوى بين دول آسيا الوسطى ومجلس التعاون الخليجي في أبريل/نيسان، كان التوجه نفسه واضحا فيما يتصل بعملية السلام في الشرق الأوسط.
لا شك أن مسارات الطاقة وسلسلة التوريد تقرب المنطقتين أكثر. فقد كان هناك تكامل أوسع داخل قطاع الطاقة. أولاً، استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي في مشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء آسيا الوسطى. وعلاوة على ذلك، تم دفع الاستثمارات والمعرفة الفنية إلى الأمام لخفض الانبعاثات في صناعة الوقود الأحفوري. وقد عزز هذا العلاقات الاقتصادية كما قدم فرصًا جديدة للشركات الدولية. ومن المنطقي أن يشمل جزء من هذا التقارب مناقشات حول تعزيز طرق تجارة الطاقة، والتي بدورها ستعزز التكامل الاقتصادي الإقليمي وإمكانية الوصول. ومع ذلك، مع تزايد التوتر في المناخ الجيوسياسي، أصبح تخطيط طرق الطاقة أكثر تعقيدًا.
تمتلك كلتا المنطقتين احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، فضلاً عن رواسب من العناصر الأرضية النادرة. وهذا يعني أنهما لديهما نفس الفهم للطريقة التي تتفاعل بها القوى الخارجية. وقد أدى هذا إلى صياغة رؤية متعددة الأطراف حقيقية في كلتا المنطقتين. فهما يدركان جيدًا مخاطر تحول المنافسة بين القوى العظمى إلى صراع أو هيمنة، وبالتالي أثبتا أنهما يعملان على استقرار الأصوات من خلال هذه التعددية. وهذا يعني أيضًا دعم النهج الدبلوماسي مقابل النهج الأحادي.
خلال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين الجاري في أذربيجان، حيث تتداخل مكافحة تغير المناخ والجغرافيا السياسية، تدرك دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى أنهما تواجهان نفس القضايا، مثل ندرة المياه والتصحر. وبالتالي، يمكن للمنطقتين التعاون في إدارة الموارد المستدامة، والاستثمارات في الطاقة المتجددة وتدابير التكيف. ويمكن أيضًا موازنة ذلك بالمصالح الاقتصادية لكل دولة من أجل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وخاصة في قطاع الوقود الأحفوري. وفي هذه المناسبة، أطلقت المملكة العربية السعودية أول منصة لتبادل أرصدة الكربون الطوعية في المنطقة، حيث تقدم 2.5 مليون رصيد كربون معتمد.
هناك، وخاصة في أوقات التوتر مثل التي نعيشها اليوم، جانب غالبًا ما يتم تجاهله وهو الجانب الإنساني، وخاصة الروابط داخل التراث الثقافي. لقد لاحظنا دبلوماسية ثقافية أكبر من خلال الشراكات الأكاديمية، فضلاً عن مبادرات السياحة والفنون. ليس من غير المألوف أن نشهد معارض في الخليج تعرض الفن أو الموضة من آسيا الوسطى. كما اكتسبت آسيا الوسطى شعبية لدى السياح الخليجيين، وخاصة مع توافر المزيد من شركات الطيران. إن هذه التبادلات الثقافية هي القوة الحقيقية والرابط بين المنطقتين، حيث أنها تخلق روابط حقيقية بين الناس بالإضافة إلى الصداقات الضرورية بين القادة.
المصدر :عرب نيوز
اضف تعليق