الرئيسية » أرشيف » رغم جولات مناف طلاس.. دعوة أميركية للتركيز علي فاروق الشرع
أرشيف

رغم جولات مناف طلاس..
دعوة أميركية للتركيز علي فاروق الشرع

ما زال أبرز اثنين من المنشقين السوريين يجولان علي الدوائر الدبلوماسية، ويضغطان علي العواصم الأجنبية لتعزيز ترشيحهما كزعيمين محتملين لأي حكومة انتقالية من شأنها أن تأتي، إما بهدوء من خلال عملية سياسية، أو بعنف، من خلال حرب طويلة مع الجيش السوري الحر. فقد وصل القائد السابق لأحد ألوية الحرس الجمهوري السوري مناف طلاس إلي الأردن بشكل مفاجئ يوم 8 سبتمبر "أيلول" لإجراء محادثات خاصة مع كبار المسؤولين الأردنيين وربما الملك عبدالله الثاني، وفقاً لمصادر سياسية مطلعة، أو مع منشقين آخرين عن الجيش السوري في المملكة، وفقاً لمصادر رسمية مجهولة. والتقي رئيس الوزراء السابق رياض حجاب، الذي انشقّ في أوائل أغسطس "آب"، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والمستشار الدبلوماسي للرئاسة بول جان أورتيز في باريس في19  سبتمبر "أيلول".

غير أن خبيراً أميركياً قال إنه يبدو أن المسؤول السوري الرفيع الذي يجب التركيز عليه هو نائب الرئيس فاروق الشرع، الذي لم يظهر إلي العلن إلا نادراً منذ يوليو "تموز" 2011، عندما أثار غضب حزب البعث الحاكم، الذي ينتمي إليه، بسبب قوله علانية إن حكم الحزب الواحد لم يعد ممكناً بالنسبة إلي سورية. وتري فيه بعض الشخصيات المعارضة في السرّ شخصية مناسبة "كرئيس مقبل" وهو مايستند إلي البند الوارد في المادة 92 من الدستور السوري الجديد، والتي تنص علي أن يتولّي نائب الرئيس السلطة لفترة انتقالية من60  يوماً إذا شغر منصب الرئاسة.

ويري آخرون أن الشرع البالغ 73 عاماً من العمر مسن جداً، إضافة إلي كونه استبدادياً ومتحفظاً، وهذا لايؤهله لكي يكون رئيساً مؤقتاً. لكن ضمن دوائر المعارضة السياسية داخل سورية يبرز الشرع، مع ذلك، كمرشح حل وسط مرجح ليرأس، أو يكون جزءاً من أي مرحلة انتقالية.

وقال الخبير إنه لا يمكن تحليل موقف فاروق الشرع بشكل صحيح من دون الخوض في كيفية تطوّر حياته المهنية منذ اندلاع الانتفاضة السورية في مارس "آذار" 2011. فمنذ البداية، أوضح للمقربين منه ولأصدقائه في المعارضة أنه يعارض استخدام العنف، خاصة بعدما تم استدعاء الجيش السوري للتدخل في مسقط رأسه درعا في إبريل "نيسان". الشرع بعثي مدني من المدرسة القديمة يرتاح أكثر لحل المشاكل من خلال دبلوماسية القوة الناعمة، بدلاً من القوة العسكرية. الشرع معسول اللسان لكنه قاطع، وقد خدم في ظل كل من الرئيس حافظ الأسد وابنه بشار: أولاً سفيراً لسورية في روما في أوائل الثمانينيات، ثم وزيراً للخارجية في الفترة2005-1984 وعلاوة علي ذلك ترأس في التسعينيات الوفد السوري في معظم محادثات السلام مع إسرائيل.

ولأنه يفتقر إلي سلطة حقيقية لصنع القرار أو إلي خبرة أمنية، لم يشارك الشرع في القمع للانتفاضة، ولهذا السبب كانت بعض شخصيات المعارضة في البداية علي استعداد لمنحه فترة سماح اختبارية. وناقش معه السجناء السياسيون السابقون ميشيل كيلو وحسن عبدالعظيم وعارف دليلة، من بين أمور أخري، سبل إنهاء العنف وبدء عملية سياسية من أجل "تغيير سلمي". علي الجانب الآخر، كان الأسد يثق بالشرع، حيث كان يري فيه ملمحاً من جو بايدن، بوصفه نائب رئيس مسناً يكمل بشكل لطيف، لكنه لا يتحدي حقيقة، شعبية الرئيس الشاب وسلطته.

تهميش نائب الرئيس
تأكّدت مكانة الشرع كمحاور مقبول عندما عيّنه الأسد لرئاسة مؤتمر الحوار الوطني في يوليو "تموز" 2011  افتتح الشرع، الذي هو عضو في القيادة القطرية لحزب البعث، المؤتمر بالقول صراحة إن حكم الحزب الواحد لم يعد ممكناً بالنسبة إلي سورية. وأضاف أن تداول السلطة أمر لابدّ منه، ودعا إلي إلغاء المادة 8 من الدستور التي تنصّ علي أن حزب البعث "قائد الدولة والمجتمع". ثم قال الشرع إن المسؤولين السوريين كانوا "ساذجين" في فهمهم للتطوّرات الجارية حولهم بعد اندلاع الثورة التونسية في ديسمبر  "كانون الأول"2010 ، وقد تطرّق، عملياً، إلي كل القضايا علي أجندة المعارضة السورية، اعتباراً من يوليو "تموز"2011 .
 
أثار "خطاب الديمقراطية" الذي ألقاه الشرع غضب المتشدّدين في حزب البعث، الذين انتقدوه في الصحافة الرسمية. فقد بدأت ما بدا أنها حملة منظّمة لتشويه سمعته، بادّعاء أنه استغلّ المؤتمر لتسويق نفسه سياسياً، بدلا من الدفاع عن النظام. أرغمت ردّة الفعل الشرع علي التقاعد السياسي بصورة غير رسمية علي مدي العام التالي، تجنّب خلاله التواصل مع وسائل الإعلام. واستمرّ في رئاسة الاجتماع الأسبوعي للّجنة السياسية في حزب البعث، لكن تم تهميشه تماماً في جميع عمليات صنع القرار السياسي والعسكري. وغني عن القول، إنه لم يتم تنفيذ أي من التوصيات التي تمّ التوصل إليها في مؤتمر الحوار الوطني.

كان اقتراح الجامعة العربية في يناير "كانون الثاني" 2012، القاضي بأن يتخلّي الأسد عن صلاحياته لنائبه – وفقاً لنموذج الانتقال اليمني الذي نقل بموجبه الرئيس علي عبدالله صالح السلطة إلي نائبه عبد ربه منصور هادي – قبلة موت تقريباً بالنسبة إلي الشرع. إذ جعل تأييد مجلس الأمن الدولي والبعض في المعارضة السورية لمقترح الجامعة العربية الأمور أسوأ بالنسبة له. وكذلك فعلت الذكريات العلنية لمسؤولين أميركيين عن تجربة عمرها عشر سنوات مع الشرع بأنه شخص يمكن التعامل معه. وفي الواقع، أثني المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط دينيس روس علي الشرع لأنه ذهب بعيداً أكثر من حافظ الأسد في محادثات "شبردزتاون" مع إسرائيل في يناير "كانون الثاني"2000 ، من خلال الموافقة علي السيادة السورية – الإسرائيلية المشتركة علي بحيرة طبريا، وهو التنازل الذي رفضه الأسد تماماً في القمة السورية – الأميركية التي عقدت في مارس "آذار" التالي.

رفضت الحكومة السورية اقتراح الجامعة العربية بشكل قاطع. أما الطائفة العلوية التي التفت بإحكام حول الأسد رداً علي الاستقطاب الطائفي، فلن تصغي لأي كلام عن استبداله، في حين أن المتشددين في حزب البعث الذين لم يكونوا مولعين بالشرع يعتبرونه انتهازياً. اختفي نائب الرئيس المسن عن الأنظار مرة أخري، حتي مشاركته في جنازة صديقه القديم، نائب وزير الدفاع آصف شوكت وصهر الرئيس، الذي توفي في التفجير الذي أسفر عن مقتل أربعة مسؤولين أمنيين بارزين في دمشق يوم18  يوليو "تموز". ظهر الشرع هذه المرة أكثر ضعفاً؛ حيث ادعي المطّلعون علي بواطن الأمور أنه أصبح من دون حماية شوكت، أقرب إلي التقاعد السياسي الرسمي من أي وقت مضي. وفي نهاية أغسطس "آب"، انتشرت شائعات أنه انشقّ وغادر البلاد.

تعديل انتقالي
لكن، وبدلاً من الانزواء في العتمة أو الانشقاق، أصدر الشرع بياناً في29  أغسطس "آب" بدا أبعد تماماً من أن يكون شخصاً يعد العدة للانكفاء السياسي. فهو رحب بمهمة المبعوث المشترك الجديد للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي، وأكد ضرورة أن يتوقف العنف "من جميع الأطراف". وكرر برنامج كوفي أنان ذو النقاط الست وتوصيات مؤتمر جنيف الذي عقد في 30  يونيو "حزيران"، والذي دعا إلي تشكيل هيئة انتقالية حاكمة مؤلفة من أعضاء في الحكومة السورية الحالية وشخصيات معارضة لإدارة البلاد بالتوازي مع الأسد لمدة سنة، والتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية حرة في العام 2013. وقدم الشرع لفتة علنيّة تجاه إيران من خلال التأكيد علي ضرورة إشراكها في أي جهد لحل الأزمة السورية، ورحب بتشكيل "مجموعة اتصال" تتألف من مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية وإيران.
من الملاحظ أن الشرع لم يتطرق إلي ذكر الأسد. وأي شخص مطلّع علي النظام يعلم أنه يغضب من أي مسؤول، مهما كان كبيراً، يطلق بيانات تشير إلي استقلاليته. ويمكن تلخيص موقف النظام علي النحو التالي: "من أنت حتي ترحب بالإبراهيمي أو تتواصل مباشرة مع إيران؟"، وكما هو متوقع فقد التزمت وكالة الأنباء السورية الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام المرتبطة بالحكومة بالتعتيم الكامل علي الإشارة إلي البيان. مع ذلك، فإن ما كان أقل قابلية للتنبؤ، هو أنه لم يتم اتخاذ أي تدابير أخري ضد الشرع. وقد عزز هذا تكهنات في أوساط المعارضة في سورية بأن صفقة وراء الكواليس هي في طور التشكّل يتم بموجبها اقتراح أن يكون الشرع رئيساً مؤقتاً أو علي الأقل عضواً قيادياً في الهيئة الانتقالية المقترحة.

هذا الأمر لايزال ينتمي إلي عالم التخمين. لكن القريبين من الشرع يقولون إنه لا يعتقد أن المعارضة قادرة علي تولي السلطة في سورية من تلقاء نفسها. وبرأيه، يعتمد الانتقال علي رموز النظام الذين يستطيعون العمل مع المعارضة لإدارة البلاد بشكل فعال. وقد التزم الشرع الصمت إزاء انشقاق ابن أخيه يعرب رئيس فرع الأمن السياسي في دمشق، الذي يعتبر واحداً من أقوي أجهزة المخابرات، في أواخر أغسطس "آب"، كما أن قنوات اتصاله الخلفية مع المعارضة التي تتخذ من دمشق مقراً لها ما زالت قوية كما كانت دائماً. صحيح أن الأضواء ما زالت مصلتة علي منشقين مثل طلاس وحجاب، لكن إذا نشأت ظروف تجبر النظام والمعارضة علي التوصل إلي حل وسط، من المرجح عندها أن يحتل الشرع مركز الصدار.