الرئيسية » رئيسى » زيارة روحانى نموذجاً..ازدواجية السياسة الخارجية الإيرانية
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

زيارة روحانى نموذجاً..ازدواجية السياسة الخارجية الإيرانية

على الرغم من جملة الانتقادات التى طالت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحانى على رأس وفد سياسيى واقتصادي رفيع المستوى الأسبوع الماضى, للعراق, غير أن تلك الزيارة بما شهدته من اتفاقيات تم توقيعها  بين الجانبين تحمل بين طياتها عدة دلالات هامة ,إذ تؤشر على استعداد نظام طهران أو ربما استجابته لدعوات تم إطلاقها مراراً وتكراراً  لفتح قنوات اتصال مع دول الجوار .

فعند تشريح العلاقة المتداخلة بين إيران وجيرانها سنجد أن الإشكالية تتمثل فى أن الأبواب الخلفية التى يفضلها نظام الملالي غالباً ما تدفعه ,  لتجاوز السبل الدبلوماسية والعمل عبر تنظيمات سرية مسلحة  تشكل نقاط ولاء له , فعلى الرغم مما أبدته الدولة العراقية من استعداد لتفعيل أطر التعاون المشترك والذى تكشف عبر كافة المستويات بما فيها الصعيد الديني من خلال استقبال المرجع الشيعي آية الله السيستاني , للمرة الأولى , لرئيس إيراني. غير أن إشارات السيستاني الضمنية  خلال اللقاء والتى أكد بها على ضرورة احترام سيادة العراق وأن يبقى السلاح في يد الدولة ،تعكس حجم التحفظات على سياسة طهران والتى غرست العديد من المليشيات المسلحة داخل النسيج العراقي , وقد عززت هذه الفصائل نفوذها العسكري والسياسي على نحو بات يشكل تهديداً لسيادة واستقرار  العراق .

بنفس المنطق , يتعاطى النظام الإيراني مع الحالة اللبنانية , إذ تعمد طهران إلى تجاهل الدولة بكل مؤسساتها وتتعامل فقط مع حزب الله  والذى تسيطر من خلاله على مفاصل الدولة وتحرك الأوضاع بشكل يخدم مصالحها فى المنطقة وهو ما انعكس على نطاق واسع فى تشكيل الحكومة اللبنانية .

لكن إذا رغبت طهران فى مد جسور التواصل مع جيرانها وإقامة علاقات طبيعية مع دول الجوار ,فإنه يتعين على النظام هناك التخلى عن أمرين , كلاهما على نفس القدر من الأهمية ,الأول يتمثل فى  إيقاف أنشطتها النووية,فالأمرالمؤكد أن برنامجها النووى ذو أهداف عسكرية , ولا جدال فى ذلك .

أما الخطوة الثانية ,يمكن إيجازها فى إيقاف الشحنات العدائية الموجهة لدول المنطقة بهدف زعزعة الاستقرار والتوقف عن أنشطتها الخبيثة المتمثلة بالتمدد ومحاولات الانتشار الجيوسياسى عبر التدخل في شؤون تلك الدول واختلاق الأزمات ودعم وتمويل الفصائل المسلحة .

ومع ذلك لايبدو النظام الإيراني قادراً على المضى فى مسارات التطبيع مع دول المنطقة,فالإزداوجية نهج ثابت بسياساته الخارجية  , واستدل على ذلك بما صارحنى  به مسؤول عربى رفيع المستوى قبل فترة ,بأن ليس هناك دولة على الخارطة العربية لا ترغب فى إقامة علاقات دبلوماسية مع إيران ,فقد صاغت خطوط الجغرافيا ومعطيات التاريخ فضلاً عن العلاقات الإنسانية العديد من القواسم المشتركة التى من شأنها أن تكون محفزاً يطوى سجل الحالة الباردة ويعبد الطريق لإستعادة الدفء فى العلاقات مع دول المنطقة لكن هذه الخطوات غالبا ما تصطدم بالتحركات الخبيثة والمتكررة من النظام الملآئى , فعلى سبيل المثال لا الحصر, والكلام هنا لايزال على لسان المسئول العربى ,حيث قال ” عندما كنا نوجه الدعوة لوفد سياحي أو رجال أعمال  من إيران نكتشف أنه معظمهم من الحرس الثورى , كذلك الحال عندما كنا نزور طهران كان يرافق كل فرد منا نحو 20مراقباً “.

وضع إيران على رقعة  الشطرنج الداخلية والإقليمية يقتضى أن يضبط النظام سلوكه المزعزع لاستقرار االمنطقة ويتوقف عن مد اذرعه لإثارة النعرات الطائفية  ويتجه إلى الأطر الرسمية ويتعامل وفق الأعراف والنظم الدولية ,لكى تتكرر الزيارة التى قام بها روحانى لبغداد فى عواصم عربية أخرى , إذ أن الاستمرار فى سياسة  تصوير نفسها أنها ضحية وسط المحيط العربي لم تعد مبررة لاسيما مع إسقاط الأنظمة التى كانت تمثل تهديداً وجودياً لها, .فضلاً عن أن الموقف الأميركي الرافض للتعامل مع إيران يتماهى إلى نحو بعيد مع الموقف العربى ورؤية المجتمع الدولى الذي  يدين بشدة سياسات طهران فى المنطقة وبرنامجها النووى ذو الطبيعة العسكرية.

الكرة باتت في ملعب النظام الإيراني , إذ أن استدارة طهران بغية إحداث تحول جذري في الأفق السياسي  الخاص بها لن تترك بصماتها على الساحة الدولية والإقليمية, فحسب ,  بل سيكون لها تداعيات إيجابية على الشعب الذى أضحى فى قاع الجب ,ولم يعد بوسعه احتمال المزيد, فالتمويلات المتزايدة للجماعات المسلحة أرهقت خزانة الدولة والمظلات الدعائية  أَضحت كالزبد فوق أمواج  الفقر والبطالة  ,لذلك تبدو التحولات ببوصلة النظام  فى الظرف الراهن أمراً مقضياً ,ليستفيد الشعب الإيراني من مقدرات بلاده وثرواته على الوجه الأمثل ..فهو أهل لذلك ويستحق ماهو أفضل .