بالإضافة إلي النخبة من نشطاء إيران و"حزب الله" تملك طهران تاريخاً طويلاً من توظيف الوكلاء غير المحتملين لاستهداف منشقين في الخارج بما في ذلك الولايات المتحدة. وكتب ماثيو ليفيت مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن يقول: علي مدي الأشهر القليلة الماضية أظهرت إيران استعداداً متجدداً لتنفيذ هجمات تستهدف أعداءها.
فمن الهند وأذربيجان إلي قبرص وتايلاند وجهت إيران مؤخراً مخططات استهدفت دبلوماسيين ومدنيين وإسرائيليين وأميركيين وسعوديين، وأكثر من ذلك.
ولتنفيذ تلك الهجمات أرسلت إيران في بعض الأحيان وكلاءها مثل أعضاء "قوة القدس" التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني الذي يمثل النخبة لديها. وفي أحيان أخري كانت إيران تعتمد علي وكلاء محل ثقة مثل "حزب الله". وفي عدد من الحالات عمل نشطاء "قوة القدس" و"حزب الله" معاً لتنفيذ هجمات في الخارج.
أما الآن فقد تضافرت الأدلة علي كون طهران توظف نوعاً آخر من الوكلاء وهم المرتزقة البعيدون عن الشبهة وذلك لاستهداف منشقين إيرانيين في الخارج، بما في ذلك الموجودون في الولايات المتحدة. ففي أكتوبر "تشرين الأول" الماضي وجهت في نيويورك إلي مواطن إيراني – أميركي مزدوج الجنسية منصور أربابصيار، وآخر غلام شكوري قائد في "قوة القدس" – وحدة العمليات الخاصة لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" – تهمة الاضطلاع بدور في مخطط اغتيال السفير السعودي لدي الولايات المتحدة عادل الجبير. ووفقاً لوزارة العدل الأميركية قال أربابصيار لمصدر سري في "إدارة مكافحة المخدرات" الأميركية يشغل منصب مساعد اتحاد دولي للمخدرات إن رفاقه في إيران قد ناقشوا عدداً من المهام العنيفة كانوا يريدون من هذا المصدر ورفاقه أن ينفذوها، بما في ذلك قتل السفير. وعندما أكد مصدر إدارة مكافحة المخدرات أن آخرين يمكن أن يتعرضوا للقتل في الهجوم بما فيهم نواب أميركيون، معروفون بترددهم علي المطعم الذي خططوا فيه استهداف السفير، يقال إن أربابصيار قد استهان بمخاوفهم قائلاً: "لا يهمني" ولاحقاً وبعد إلقاء القبض علي أربابصيار واعترافه بدوره في هذا المخطط يقال إنه اتصل هاتفياً بشكوري بتوجيه من "إدارة مكافحة المخدرات"، وهنا أكد شكوري ثانية أنه ينبغي تنفيذ المخطط في أقرب وقت ممكن، حيث قال: مجرد نفِّذ ذلك بسرعة، لقد فات الأوان.
وبالنسبة للكثير من المراقبين كان يعتبر المخطط غريباً جداً وغير احترافي بحيث لم يتخذ بجدية. وبالتأكيد كان ناشط "قوة القدس" الإيراني المتبجح من الحصافة بحيث لا يتخذ من بائع سيارات بسيط وسيلة لتنفيذ عملية بهذه الحساسية؟ وفي الحقيقة فقد اعتمدت إيران علي نشطاء غير مدربين وليست لديهم مهارة لتنفيذ هجمات في الماضي. علي سبيل المثال اعتمدت إيران و"حزب الله" علي فؤاد علي صالح لإدارة خلية مكونة من عشرين ناشطاً كانوا مسؤولين عن القيام بسلسلة من التفجيرات في باريس في عامي 1985 و1986 وصالح وهو فرنسي ولد في تونس "تحول من الإسلام السني إلي الشيعي" وكان يبيع الفاكهة والخضراوات والملابس في قطارات الأنفاق في باريس، كان غير مدرب وغير ماهر بل كان ناشطاً لا شبهة فيه، مثله مثل أربابصيار – بائع السيارات الإيراني- الأميركي الذي أُلقي القبض عليه في مؤامرة اغتيال الجبير.
وفي الحقيقة لم يكن هذا تكتيكاً جديداً بل هو نموذج فعلي جربته إيران لاستهداف خصومها السياسيين في الولايات المتحدة، وهو مستخدم منذ عام 1980، وقد عرض الكاتب سيباستيان روتيلا من مؤسسة "بروبابليكا" الأميركية، السرد الأكثر تفصيلاً حتي الآن عن عملية إلقاء القبض في يوليو "تموز"2009 علي شخص إيراني يعمل في طلاء البيوت ويحمل الجنسية الأميركية وهو محمد رضا صادقي نيا. وقد أُلقي القبض عليه في كاليفورنيا وكان مقيماً في ميتشيغان، حيث قام بمراقبة أحد المنشقين الإيرانيين والذي كان يستضيف برنامجاً إذاعياً باللغة الفارسية. وقد استأجر شريكاً له في الجريمة وهو مهاجر إيراني ذو سجل جنائي، وخطط الاثنان لاغتياله، لكن شريكه في الجريمة تراجع وأبلغ الشرطة بالمخطط. ولما أحس صادقي نيا بالريبة نحو شريكه هدده بأن يقتل عائلته في إيران محذراً إياه بقوله "لقد سبق ونفذت مهاماً أخري حول العالم".
وفي الحقيقة يقال إن صادقي نيا قد قام بمراقبة منشق إيراني آخر في لندن وهو علي رضا نوري زاده. وقد صادقه في البداية، حيث وجده شخصية تظهر في إذاعة "صوت أميركا" وهو السبب في أنه شك فيه وفسخ معه التعاقد. وفي وقت لاحق، حذرت السلطات البريطانية نوري زاده من أن صادقي نيا كان يعمل لصالح جهاز المخابرات الإيراني.
وعلي الرغم من أن مخططات أربابصيار وصادقي نيا تبدو مرتجلة وغير احترافية ولا تليق بالقدرات الاستخباراتية المعروفة عن إيران، إلا أن لطهران بالفعل تاريخاً طويلاً من التوظيف لوكلاء غير محتملين لتنفيذ اغتيالات في الخارج.
وفي غضون بضعة أشهر من الثورة التي أدت إلي ولادة الجمهورية الإسلامية جندت طهران مجموعة راسخة من الداعمين المتطرفين العنيفين الذين يمكنها استدعاؤهم لتنفيذ أعمال إرهابية في جميع أنحاء العالم. وفي الولايات المتحدة كانت إحدي تلك الفئات هي "الجماعة الإسلامية المسلحة في أميركا". وفي مقابلة أجُريت لفيلم وثائقي قال لو ميزيل وكيل خاص سابق في وزارة الخارجية الأميركية متذكراً: لقد كانت تلك الجماعة تحظي برعاية المخابرات الإيرانية وكانت تعمل من واشنطن العاصمة وجندت في المقام الأول المسلمين الجدد من الأفارقة الأميركيين ليقوموا بأعمال إرهابية نيابة عن المخابرات الإيرانية.
وفي عام1980 جنّدت جمهورية إيران الإسلامية داود صلاح الدين "الملقب ديفيد بيلفيلد" – أميركي اعتنق الإسلام يقال إنه عنصر في "الجماعة الإسلامية المسلحة في أميركا" – لاغتيال الملحق الصحفي السابق في السفارة الإيرانية لدي واشنطن علي أكبر طباطبائي. وقد أصبح الطباطبائي من أشد منتقدي آية الله الخميني وأسس "مؤسسة الحرية الإيرانية" وكانت منظمة معارضة للنظام الثوري الإسلامي.
وقبل ذلك بعام كان القائم بأعمال السفارة الإيرانية علي أغا قد عرض علي صلاح الدين منصباً كحارس أمن فانتقل صلاح الدين إلي منصب رئيس الأمن في قطاع المصالح الإيرانية في السفارة الجزائرية بعد أن قطعت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران في إبريل "نيسان" 1980، وأثناء وجوده هناك قال صلاح الدين إنه قد تعاقد ودُفع له مبلغ خمسة آلاف دولار لينفذ أعمال قتل لصالح الحكومة الإيرانية. وبارتدائه زي حامل بريد أميركي حمل صلاح الدين حزمة تخفي مسدساً وذهب إلي بيت طباطبائي في 22 يوليو "تموز"1980 ، وقد أطلق صلاح الدين الرصاص ثلاث مرات علي الطباطبائي عندما فتح هذا الأخير الباب في مسكنه في مدينة بيثيسدا في ولاية ميريلاند.
وفي أعقاب عملية القتل فر صلاح الدين إلي كندا واشتري تذكرة سفر إلي باريس. وفي النهاية وصل إلي السفارة الإيرانية في جنيف وحصل علي تأشيرة دخول إلي إيران حيث أُعدّ له هناك اجتماعاً خاصاً مع آية الله الخميني.
وحيث واجه تهمة القتل في الولايات المتحدة تبين – وفقاً لميزيل، وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق – أن صلاح الدين قد جندته الاستخبارات الإيرانية. وهو لا يزال فاراً من وجه العدالة الأميركية حتي يومنا هذا.
وقد وقعت حلقة أخري بعد ذلك بثلاث سنوات. ففي ديسمبر "كانون الأول" 1983 أحبطت السلطات الأميركية محاولة قام بها طلاب موالون للخميني لتفجير قنبلة في أحد مسارح سياتل بولاية واشنطن، حيث كان عدد كبير من أنصار الشاه يشاهدون عرضاً لمجموعة غناء إيرانية. ومن خلال استجواب الطلاب المؤيدين للخميني علم "مكتب التحقيقات الفيدرالي" ووكلاء إنفاذ القانون المحليون أن المجموعة قد خططت لغلق أبواب المسرح وإشعال النار في المبني. وخلال إدلائه بشهادته أمام "اللجنة المختارة لشؤون الاستخبارات" في مجلس الشيوخ الأميركي عام 1988 قال أوليفر "باك" ريفيل الذي كان في ذلك الحين مساعد المدير التنفيذي للتحقيقات في "مكتب التحقيقات الفيدرالي" إن الطلاب لم يكتفوا فقط بالتخطيط، بل إنهم شاركوا في صنع المتفجرات والبنزين لإشعال المبني.
وبحلول عام1985 كانت "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية تحذر من أن "الراديكاليين في نظام الخميني عازمون علي نشر أيديولوجيتهم الإسلامية، وأن الكثير من الملالي يرون الإرهاب أمراً مشروعاً وأداة فعالة ضمن سياسة الدولة خاصة لو استُخدمت ضد الوجود الأميركي في الشرق الأوسط" لكن بإمكان إيران أيضاً أن تتحول إلي الاعتماد علي أفراد متطرفين في مختلف أنحاء العالم لتنفيذ أعمال إرهابية في الخارج، بعضها كان في الولايات المتحدة، وقد ذكرت "وكالة الاستخبارات المركزية" أن إيران تمد وكلاءها بالمال والعتاد والتدريب والاستخبارات، بحيث يجعلهم قادرين أكثر مما لو كانوا يعملون وحدهم.
كان هذا هو الحال مع منصور أهاني الذي وصفته السلطات السنغافورية بأنه "إرهابي إيراني" وصل سنغافورة للمرة الأولي بجواز سفر بحّار عام 1989 بهدف واضح – وفقاً لـ"وزارة الأمن الداخلي" في سنغافورة – وهو إخفاء هويته في مهمة لاغتيال منشق إيراني معروف في إيطاليا. ولم يحتاج الإيرانيون في ذلك الوقت تأشيرة "فيزا" للسفر إلي سنغافورة مما جعلها مكاناً مثالياً للمرور والتمويه لتنفيذ مهمة أهاني في أوروبا. وفي مارس "آذار"1991 بعد قضائه بعض الوقت في سنغافورة تزوج منصور امرأة محلية أكبر منه سناً بستة أعوام، وقدم طلباً للحصول علي جواز زيارة اجتماعي طويل الأمد علي أساس هذه العلاقة. لكن هذا الطلب رُفض لأسباب غير معروفة، ولذا فبعد خمسة أشهر فقط من زواجه غادر منصور سنغافورة وهجر زوجته. وحيث فشل في الحصول علي وثائق سفر سنغافورية وغطاء لسفره المستقبلي إلي أوروبا فإنه قد استأنف جهوده من جديد. وبعد بضعة أشهر ظهر في كندا حيث أفادت وزارة الأمن الداخلي في سنغافورة أنه "استهدف" امرأة سنغافورية أخري كانت طالبة في تورنتو وتزوجها.
وحالما وصل أهاني إلي كندا اشتبهت "الاستخبارات الأمنية الكندية" في كونه مرتزقاً تدرب تدريباً قوياً وأرسلته الحكومة الإيرانية للتخطيط لمهاجمة الكاتب سلمان رشدي. وبعد أن أنجب ابناً من زوجته الجديدة غادر كندا إلي سويسرا بجواز سفر مزيف عام 1992، وقد التقي أهاني رئيسه في منطقة غاباتية في زيورخ قبل أن يسافر الاثنان إلي إيطاليا في قطارين منفصلين. وفي النهاية أحبطت الشرطة الإيطالية مهمة أهاني. وكان قد فرَّ إلي تركيا بجواز سفر مزور آخر أيضاً قبل أن تقوم الشرطة بإلقاء القبض عليه. وفي إستانبول شق طريقه إلي القنصلية الإيرانية، حيث كشف هناك عن صور استطلاع لمبان محددة كان قد طلبها منه رئيسه بـ "وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية" أكبر خوشكوشك. وحيث بقي كامناً مختفياً عن الأنظار فإنه مكث في تركيا شهراً قبل أن يعود إلي كندا إلي الحياة السرية التي كان قد أنشأها لنفسه هناك.
وفي يونيو "حزيران" 1994 ألقت السلطات الكندية القبض علي أهاني معتبرة إياه "شخصاً غير مرحب به" بناء علي قوانين الهجرة الكندية. وقد تم ترحيله إلي إيران في يونيو "حزيران" 2002 بعد أن قررت المحاكم الكندية أنه كان عضواً في "وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية" وذلك بعد عملية مطولة من الاستئنافات، وسرعان ما عادت زوجته إلي سنغافورة بعد ذلك.
وفي الشهر الماضي عندما نشرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي عن الإرهاب لعام 2011 ، ذكر منسق مكافحة الإرهاب في الوزارة دانيال بنيامين أن واشنطن قلقة بشكل متزايد من دعم إيران للإرهاب وأنشطة "حزب الله" حيث زاد الاثنان من وتيرة تخطيطهما الإرهابي خلال العام الماضي، وحيث أشار بشكل خاص إلي مخطط اغتيال السفير السعودي في مطعم شهير أثناء تناوله وجبة الغداء في أحد المطاعم الشعبية في واشنطن اختتم بنيامين حديثه بأن إيران و"حزب الله" ينخرطان في حملاتهما الأكثر نشاطاً وعدوانية منذ تسعينيات القرن الماضي.
وتشمل تلك الحملة ليس فقط نشطاء مدربون تدريباً عالياً من قبل عناصر "قوة القدس" أو "حزب الله" بل أيضاً – وفي عودة إلي التاريخ – مزيج من المرتزقة البعيدين عن الشبهة.
اضف تعليق