الرئيسية » تقارير ودراسات » على خلفية العقوبات ..هل ينهار عرش “أردوغان ” ؟
تقارير ودراسات رئيسى

على خلفية العقوبات ..هل ينهار عرش “أردوغان ” ؟

أزمة القس الأمريكي وما تبعها من فرض عقوبات على تركيا ليست سوى قطرة  فى ظلمات بحر السياسة الخارجية لـ”أردوغان ” فالأزمة الراهنة وإن كان عنوانها الرئيسي الاقتصاد والسقوط الحر للعملة غير أنها تحمل بين ثناياها على التعرجات التي اعترت سياسة الرئيس التركي والذي  بات ينتهج سياسة “الرقص على سلالم متحركة ” في علاقات بلاده الخارجية.

“لا تلوموا ترامب فالأزمة الحالية التي تمر بها تركيا ناتجة عن السياسات المتهورة لأردوغان” بتلك الكلمات لخص عضو البرلمان السابق آيكان إردمير العاصفة الراهنة فالرئيس التركي استغرق حتى الثمالة  في مشاحنة دبلوماسية طويلة مع الولايات المتحدة ودول عدة بالاتحاد الأوروبي، وبدلاً من أن يعترف بأخطائه السياسية شرع في إلقاء اللوم على ما أسماه “المؤامرة ” التي تشنها قوى خارجي  حيث وصف الرئيس  رجب طيب اردوغان أثناء احتفال لحزبه العدالة والتنمية , تدهور عملة بلاده بأنه “مؤامرة سياسية” ضد تركيا هدفها إجبارها على الاستسلام .

القس أندرو برونسون الشخصيةً المحورية في الأزمة سريعة التصاعد لاسيما وأنه ينتمي لطائفة  الإنجيليين الأميركيين الذين يُشكِّلون حجر الزاوية في قاعدة ترامب المحلية  ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي باتت قضيته أشد  إلحاحاً بالنسبة للرئيس الأميركي , الواعظ الإنجيلي الذي عاش فى تركيا لمدة تزيد 23 عاما , احتجزته السلطات التركية عام 2016، مع نحو 20 أميركيا، بينهم عالم من وكالة ناسا وأستاذ في الكيمياء من ولاية بنسلفانيا، ضمن حملة اعتقالات والتي أعقبت الانقلاب الفاشل قبل عامين. تلك المحاولة التي اعتُبِرَت على نطاقٍ واسع أنها كان من تدبير الزعيم المنفي لحركة غولن السياسية، فتح الله غولن، الذي عاش في ولاية بنسلفانيا الأميركية على مدار العقدين الماضيين. وبعد عامٍ واحد، طالب أردوغان في خطابٍ له بتسليم غولن، الداعية والحليف السياسي السابق: «لديكم داعية، ولدينا واحد أيضاً. أخبرت الولايات المتحدة أن تسلِّمه لنا، وسنسلِّم لهم القس.

الجهود الأميركية للإفراج عن القس  والتي بلغت ذروتها أثناء قمة حلف الناتو الأخيرة اعتبرتها تركيا أوراق للمساومة  وقابلها عناد من جانب أردوغان بل وأيضًا خطابات كراهية للولايات المتحدة من كبار مسئوليه ,.فبينما تضمنت المحادثات إطلاق سراح كلٍّ من -إبرو أوزكان المسجونة بسبب صلات مزعومة تربطها بحماس، وأندرو برونسون المُبشِّر المسيحي وتم الإفراج عن الأولى بوساطة أمريكية بعد يومٍ واحد من القمة، لكن برونسون تم نقله من محبسه وظل قيد الإقامة الجبرية في مدينة إزمير وطالبت أنقرة  تطالب بتقديم مزيد من الضمانات، بما في ذلك تخفيض غرامة من جانب وزارة الخزانة الأميركية ضد بنك هالك بنك التركي المملوك للدولة بسبب اتهامه بالتآمر لانتهاك عقوبات الولايات المتحدة ضد إيران والوعد بوقف أي محاكمات أخرى ضده

ولكن صحيفة الجارديان البريطانية ذهبت إلى أن الليرة وقعت ضحية سوء فهم بين أردوغان وترامب , فقد نقلت عن مراقب تركي مُطَّلِع ومُقرَّب من صانعي القرار أن الرئيس الأميركي قد أساء فهم المحادثة التي جمعته بالرئيس التركي، فاعتقد أنه حصل على ضمانٍ من نظيره بإطلاق سراح برونسون بعد إقناعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإطلاق سراح أوزكان. في المقابل ظن  أردوغان أنه وافق على عمليةٍ تقضي بنقل برونسون،من السجن إلى الإقامة الجبرية قبل إطلاق سراحه نهائياً. وقد نُقِل القس الأميركي بالفعل إلى الإقامة الجبرية في 25 يوليو/تموز الماضي.

أردوغان حاول تفادى الأزمة وقام بإرسال وفد إلى الولايات المتحدة للتفاوض لكن تحطمت آماله على صخرة المناورات التركية، فأنقرة أرادت إخراجا للأزمة لا يضع أردوغان في موقف محرج أمام مؤيديه، لكن ترامب كانت تعليماته واضحة، بضرورة الإفراج الفوري عن القس برونسون، والوفد التركي لا يحمل أي تفويض بالإفراج عن القس الأمريكي، فما كان من ترامب إلا أن ضاعف الرسوم الجمركية على صادرات تركيا من الصلب والألمونيوم لأمريكا، الأمر الذى أدى إلى مزيد من الانهيار للعملة التركية أمام الدولار ودفع وزير التجارة التركي إلى تكرار مناشدته لواشنطن بمراجعة القرار.

قضية القس برانسون هي مجرد حلقة ضمن سلسلة متصلة من الخلافات بين واشنطن  وأنقرة والتي تشمل سوريا والعلاقة الودية المتزايدة مع روسيا .فضلاً عن رفض تركيا الامتثال للعقوبات الأمريكية على إيران. لذا لم يكن الانقسام بين واشنطن وأنقرة مفاجئاَ لاسيما وأن أردوغان  كثف من خطاباته المعادية للولايات المتحدة عقب محاولة الانقلاب واتهمها مرارا  بتدبيره وبذات الوقت أنجرف نحو توطيد العلاقات مع بوتين  وهو الأمر الذي لم يكن خافياً على دوائر السياسية الخارجية فى  واشنطن .وعلى الرغم من أن ترامب لم يفرض عقوبات تجارية على تركيا ولكن قام فقط بزيادة التعرفة الجمركية  على ورادات الصلب غير ان هذا الإجراء كان كفيلاَ بكشف الخلل الاقتصادي زعزعة الثقة بالليرة . قد يكون الاقتصاد في أنقرة بلغ نقطة اللا عودة، وحتى لو تراجع أردوغان عن أفعاله وأطلق سراح الأمريكيين في السجون التركية، فإنه لن يستطيع إعادة العلاقات مع واشنطن إلى ما كانت عليه أو وضع الاقتصاد في المسار الصحيح.

تعرجات  أردوغان الخارجية لم تتوقف عند حدود البيت الأبيض بل  تجلت  هذه السياسة  بأكثر من ملف منها موقفه من نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقضية إسقاط طائرة روسية فوق الحدود السورية، ومواقفه من حكومتي كردستان وبغداد، وعلاقته بمصر، ورد فعله على الضربات العسكرية لحلف الناتو في ليبيا، وغيرها من الملفات التى تؤشر إلى أن فك ارتباط تركيا بالغرب والذي بدأ مع تولى أردوغان السلطة اتخذ  منحى لا رجعة فيه إذ أن انحراف تركيا عن تحالفها الأطلسي وتحرُّكها في اتجاه روسيا وإيران يُصاغ منذ فترة طويلة والغضب التركي بسبب تقاعس الرئيس الأميركي عن منع إقامة دولة كردية موحدة نتج عنه تحوُّلٌ من كونه معارضاً قوياً للرئيس السوري بشار الأسد، إلى موقف قبولٍ بحكم الواقع لدعم روسيا له.

وحاول أردوغان إشعال حروب الغاز فى المتوسط عندما أعلن  وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أن بلاده تخطط للبدء فى أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط في المستقبل القريب، لافتًا إلى أن الاتفاقية المبرمة لترسيم الحدود المائية بين مصر واليونان غير قانونية، لتلحق ذلك التصريح بتهديد السفن الحربية التركية لسفينة تنقيب تابعة لشركة «إينى» الإيطالية ومنعها من الوصول إلى موقع حقل للغاز الطبيعي جنوب شرق قبرص

العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي تمر كذلك,  بفترة صعبة منذ محاولة الانقلاب على أردوغان في تموز/يوليو 2016، ومع قيام أنقرة بحملة تطهير قاسية، أثار ذلك الإجراء  القلق لدى بروكسل. وأبرمت أنقرة مع الاتحاد الأوروبي اتفاقا حول الهجرة عام 2016 أدى إلى خفض كبير في أعداد المهاجرين الذين ينتقلون من تركيا إلى أوروبا. لكن الرئيس الذي لم يفاوض بشكل مباشر على الاتفاق هدد مرارا “بإرسال ملايين المهاجرين” إلى أوروبا.

طموحات أردوغان  وربما سياسته المتهورة أفضت إلى تدمير سمعة تركيا في أوساط المستثمرين وكذلك الحال على الصعيد الدبلوماسي بعد انخراطه في صراعات إقليمية فضلاً عن تهديده الأخير بالبحث عن حلفاء جدد مما يعنى الانجراف بعيداً عن الناتو وهو ما قد يدفع نحو تفاقم المشاكل الدبلوماسية والاقتصادية.

شعبية السلطان التركي والتي استمدها طوال 15 عاما ,هي فترة حكمه للبلاد , من قدرته على تحقيق النمو الاقتصادي  وتمكنه من خلق طبقة وسطى أخلصت له رغم شروعه في تقليص الحريات المدنية، وسجن المعارضين فضلاً عن تقييد وسائل الإعلام باتت على المحك , فالرئيس الذي وصل لقمة الهرم عقب أزمة اقتصادية كبرى اجتاحت البلاد فى عام 2001 وأزاحت شخصيات بارزة من المشهد السياسي يقف الآن على حافة الهاوية وقد يتذكره الأتراك بـ “الجمعة السوداء” لاسيما وأن الشعب التركي لا يستسيغ الحديث عن وجود مؤامرة خارجية فعندما يتعلق الأمر بانهيار اقتصادي ، يقوم عادة بإلقاء اللوم على الحكومة نفسها.

الأزمة التركية الحالية تتويج لجهود أردوغان المتهورة، وإصلاحها سيتطلب سنوات، وهي مهمة قد  تستدعي وجود قيادة جديدة وعقلية مختلفة تمامًا.