الرئيسية » تقارير ودراسات » على خلفية وفاة حقاني.. التنظيمات الجهادية تعيد التموضع داخل أفغانستان
تقارير ودراسات رئيسى

على خلفية وفاة حقاني.. التنظيمات الجهادية تعيد التموضع داخل أفغانستان

قد لا يكون  لوفاة جلال الدين حقاني, , أي تداعيات على حركة طالبان التي عمل وزيراً في حكومتها إذ أن مؤسس التنظيم الذي يحمل اسمه ,اختفى من المشهد الجهادي منذ ما يناهز الخمس سنوات بسبب مرضه الشديد  فضلاً عن تولى ابنه سراج الدين قيادة الحركة بالإضافة إلى موقعه كنائب لزعيم طالبان , لكن الحدث أثار ملف إعادة تموضع الإرهاب في أفغانستان وأدوار العنف التي لعبتها التنظيمات المتطرفة خلال السنوات العشر الأخيرة، إلى جانب التنافس الحاد بين “طالبان” وتنظيم “داعش” للاستحواذ على مساحة أكبر من الأراضي الأفغانية.

مؤشر الإرهاب يشير إلى تصدر أفغانستان  وذلك وفقا لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، الذي تناول نشاط الجماعات الإرهابية خلال الأسبوع الثالث لشهر أغسطس 2018، حيث أظهر حدوث سبعة عشر عملية إرهابية في 11 دولة مختلفة في مناطق جغرافية متباعدة نفذتها 7 جماعات إرهابية مختلفة التوجُّه، راح ضحية تلك العمليات الإرهابية 133 قتيلًا 121 جريحًا؛.وجاءت  أفغانستان في صدارة مؤشر الدول الأكثر تعرضًا للعمليات الإرهابية، بواقع 4 عمليات إرهابية -عمليتان منها نفذتها حركة طالبان، والعمليتان الأخريان نفذهما تنظيم داعش- أودت بحياة 88 قتيلًا و73 جريحًا، ؛ وذلك نتيجة استمرار “عملية الخندق” التي أطلقتها حركة طالبان في 25 أبريل 2018. إضافة إلى قرب حلول الانتخابات البرلمانية، ومحاولة كل منهما إفشال تلك العملية واستهداف المواطنين بالقرب منها.

كما كشف مؤشر الإرهاب العالمي لعام2017 عن احتلال أفغانستان المرتبة الثانية بعد العراق في تسجيل أكبر نسبة للوفيات على مستوى العالم نتيجة للعمليات الإرهابية. واستحوذت كل من العراق، أفغانستان، نيجيريا، باكستان، وسوريا – بحسب المؤشر – على ثلاثة أرباع نسبة الوفيات العالمية بسبب الإرهاب، ورغم ضخامة أرقام ضحايا الإرهاب في أفغانستان خلال 2017، إلا أن المؤشر العالمي رصد تراجعاً في أعداد الضحايا مقارنة بالعام 2016 بلغ نحو 14% في المئة.
وفي تصنيف الجماعات الإرهابية احتلت حركة طالبان المرتبة الثالثة بعد كل من داعش، وبوكو حرام. وبالمقارنة مع تنظيم القاعدة استحوذت طالبان على 59 في المئة من عدد القتلى الذين سقطوا نتيجة لأعمالها الإرهابية في 2016 و2017.

ومثلما شهدت  أرض أفغانستان البداية الجنينية للحركات الجهادية المتطرفة  ومن ثم انطلق منها إلى دول العالم،فإن المراقب للأحداث المتلاحقة  سوف يلمس بوضوح أن تلك الدولة الآسيوية المنكوبة دخلت مرحلة جديدة أكثر دموية فلم تعد بؤرة لطالبان فحسب بل تحولت إلى منطقة تتصارع فيها التنظيمات الجهادية حيث شهدت في الآونة الأخيرة هجمات متبادلة بين حركة طالبان وتنظيم داعش ,فى معركة أشبه بـ”تكسير العظام ” يسعى خلالها كل طرف لاستعراض قوته ,فبينما تحاول طالبان الحفاظ على إرثها القديم بالأرض , يبحث داعش عن حاضنة مناسبة بعد خسارة معاقله في سوريا والعراق وسط عجز حكومة الرئيس أشرف غنى عن فرض سيطرتها على الأرض، لاسيما في العاصمة كابول. ففي ٢ فبراير ٢٠١٧، كشفت وكالة التفتيش العامة الأمريكية الخاصة بإعادة إعمار أفغانستان (سيجار)، عن أمر صادم آخر مفاده، بأن سيطرة حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غنى على الأرض تراجعت بنسبة ١٥ ٪، عما كانت عليه في السابق.إذ أوضحت الوكالة حينها أن الحكومة الأفغانية تسيطر على أقل من ٦٠٪ من أراضى البلاد، أي أن مساحة الأراضي الخاضعة لها تقلصت بنسبة ١٥ ٪، مقارنة بالعام 2015 وأن ٣٦ من مقاطعات أفغانستان الـ ٤٠٧ تخضع لسيطرة طالبان بالكامل، بينما تواجه ١٠٤ مقاطعات أخرى خطر السقوط في قبضتها.

صراع الغاب بات حتمياً للبقاء حيث سعى كل طرف إلى استخدام نقاط قوته واتخذ النزاع بينها مسارات عدة وان تباينت فى ظاهرها لكن جميعها تهدف للسيطرة على أكبر رقعة من البلاد، واستقطاب أكبر عدد من المتطرفين. المسار الأول تمثل فى استقطاب حيث حاول كل تنظيم جذب العناصر المقاتلة إليه  وذلك عبر الهجوم على الآخر من خلال التصريحات المختلفة , وفى حين بدأ داعش بشن الهجوم على طالبان عبر مجلة دابق , صرَّح –أيضًا- الملا منصور (زعيم طالبان سابقًا بعد وفاة الملا محمد عمر) في بيان صادر عن الحركة في 16 يونيو 2015 في أعقاب اشتباكات، في شرق أفغانستان بين مقاتلين من طالبان ومسلحين، يقولون إنهم ينتمون إلى تنظيم داعش أنه لن يُسمح لـ”داعش” بالتمدد، والسيطرة على أفغانستان، كما حثَّ “منصور” التنظيم في أفغانستان على الاشتراك مع الحركة تحت راية واحدة للجهاد ضد الأمريكيين، مؤكدًا في بيانه أن “طالبان” لن تسمح بأي أنشطة جهادية في أفغانستان، تحت أي راية غير رايتها.

“داعش” الذي استخدم الإعلام في ترويج أعماله الوحشية،سعى كذلك لاستقطاب مقاتلين ، عبر أساليب دعوية جديدة وغير تقليدية  وأنشأ إذاعات محلية باللغات العربية والبشتونية والفارسية ليشكك بعقيدة طالبان وليواجه القناعات الفكرية في المجتمع الأفغاني بأن تنظيمي “القاعدة” و”طالبان” ليسا إرهابيين. كما بث التنظيم ترددات إذاعية جديدة من شرق أفغانستان وباكستان والمنطقة الحدودية بينهما، وبث عبرها تسجيلات مرئية ودروسًا فكرية باللغات المحلية؛ ما جعله يستقطب العديد من الشباب في تلك المناطق، فضلًا عن استخدامه  لوسائل التواصل الاجتماعي لاجتذاب مقاتلين جدد

الاشتباك المسلح  للسيطرة على الأرض  كان أحد أدوات الصراع بين طالبان وداعش حيث حاول الأخير التوسع جغرافياً على حساب حركة طالبان ومناطق نفوذها التاريخية؛ ما أدى إلى مقاومة عنيفة من جانب الحركة و ووصل الأمر إلى موجة اشتباكات مسلحة مستمرة ، سقط فيه العديد من القتلى من الجانبين, كان آخرها في منتصف أغسطس الماضي في إقليم نانجرهار شرق أفغانستان وأسفرت عن مقتل مسلح واحد من تنظيم داعش .

التسابق نحو إظهار التوحش شكل المسار الثالث للتنافس حيث عمد كلاهما إلى التنافس لإثبات القوة وأنه الأقدر على تنفيذ العديد من العمليات النوعية في وقت واحد. وأظهر داعش وطالبان مزيداً من التوحش في العمليات الإرهابية الموجهة ضد المدنيين والعسكريين ورجال الشرطة والجيش الأفغاني، إضافة إلى القوات الأمريكية وبلغ بها التنافس حد قيام كل تنظيم بأكثر من عملية خلال اليوم الواحد .

الوافد الجديد لأرض أفغانستان نجح في إضعاف حركة طالبان الضاربة بجذورها التاريخية فى العمق واستولى على مناطق مهمة من نفوذها حيث أفضت الصراعات البينية فى صفوف طالبان عقب وفاة الملا عمر إلى زيادة نفوذ داعش وانضمام عدد غير قليل من مقاتلي الحركة إليه ,بلغ حسب تقديرات قوات الأمن الأفغانية، نحو 10% ويتردد أيضا أن نحو ١٥٠٠ مقاتل منشق عن طالبان انضموا لداعش، فضلا عن إسلاميين متشددين من أوزبكستان.و كان الزعيم السابق لــ”طالبان” في إقليم هلمند، عبدالرؤوف خان أحد أوائل المنضمين لصفوف داعش فضلاً بعض أنصار تنظيم القاعدة و عدد قليل من غير الأفغان قدموا مباشرة من العراق.وتشير تقارير حكومية أفغانية إلى أن المجموعات المرتبطة بتنظيم  تنشط في 25 ولاية بأفغانستان من أصل 34، ومعظم المنضمين الجدد هم أفراد تم تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضهم على خلاف مع القيادة المركزية لـ” طالبان”، أو يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن الحركة التقليدية.

الحضور الداعشي فى أفغانستان بدأ بامتياز ,فى عام 2015، بتدشين فرعه الجديد تحت اسم” ولاية خراسان” الإسم القديم لأفغانستان والمناطق المجاورة. واتخذ هذا الفرع من عدة محافظات أفغانية تقع بالشرق والشمال الشرقي منطلقا لمراكزها ونواة لأنشطته المستقبلية.. والشريط الذي أعدته، “ولاية خراسان”، الاسم السابق لأفغانستان، وبثته على الإنترنت في الرابع من مارس 2018، تحت عنوان (أرض الله الواسعة)، يظهر مقاتلين وخصوصاً في جبال “تورا بورا”، (شرق)، هازئاً بوعد الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، بالقضاء على التنظيم المتطرف في أفغانستان وباكستان.وكان أول شريط فيديو نشر على موقع التنظيم الأفغاني قد سجّلت وقائعه في ولاية ننغرهار حيث أقدم داعش على إعدام عشرة من وجهاء قبائل الباشتون بطريقة وحشية لم يعهدها الأفغان من قبل، وخلال الأشهر الأخيرة نفذ ” ولاية خراسان” عدة هجمات على أهداف شيعية في عبر أنحاء أفغانستان، وأعلن التنظيم مسئوليته عن الهجوم على ضريح صوفي في باكستان، الذي أسفر عن مقتل 90 شخصا، في مارس الماضي. كما نفذ هجوما على السفارة العراقية في العاصمة الأفغانية “كابول”، نهاية شهر يوليو الماضي، من خلال عملية مزدوجة، جمعت بين العمليات الانتحارية والهجمات التقليدية.

وعلى الرغم من أن داعش بات يمثل صداعاً في رأس طالبان تشعر معه أنه جاء ليزاحمها وطنها  غير أن الحركة والتي تضم قبائل البشتون لا تزال صاحبة النفوذ التقليدي في البلاد ،  حيث أظهرت بيانات استقصائية أن طالبان تسيطر الآن سيطرة كاملة على 14 إقليما (تشكل أربعة في المئة من إجمالي مساحة البلاد) وتتمتع بحضور نشط وفعلي في 263 إقليما آخر (يشكلون 66 في المئة من إجمالي مساحة البلاد)، وهي ما يشير إلى زيادة كبيرة لحجم نفوذ طالبان. في حين أن نحو 122 إقليما (تمثل نحو 30 في المئة من مساحة البلاد) لا يشهد حضورا لحركة طالبان. وتصنف هذه المناطق على أنها تقع تحت سيطرة الحكومة الكاملة، لكن هذا لا يعني أن خالية من العنف والهجمات.

فبعد مرور نحو 17 عاما من الإطاحة بحكمها وصرف مبالغ خيالية للقضاء عليها إلا أن حركة طالبان  والتي يتولى فيها سراج الدين حقاني نائب الرئيس أعادت  ترتيب صفوفها بعد وفاة مؤسسها الملا احمد عمر، واستعادت السيطرة على أجزاء كبيرة من أفغانستان بعد الحرب الأمريكية كما وسعت سيطرتها خارج معاقلها التقليدية في جنوب وغرب البلاد، إلى الشمال، وحتى داخل العاصمة كابول. وترفض حالياً  جميع العروض المقدمة إليها من الرئيس الأفغاني، للدخول في مفاوضات للتوصل الى تسوية سياسية للازمة حيث تشترط أن تتولى رئاسة الحكومة ومعظم الوزارات وأن تنسحب  قوات حلف الناتو، ومن ضمنها القوات الأمريكية التي يصل مجموعها إلى أكثر من 15 ألف جندي، وعودة الحكم بكامله إلى الحركة، مثلما كان عليه الحال قبل التدخل الأمريكي.

ولعل إلقاء نظرة على تنظيم القاعدة  يكشف حجم المأزق الذي تعيشه أفغانستان بفعل التنظيمات الجهادية حيث تشير بعض الآراء أن التوسع الداعشي في أفغانستان، موجه بالأخص إلى معقل تنظيم القاعدة، إذ يعد استكمالاً لمسلسل التنافس بين التنظيمين في سوريا والعراق والصومال ومنطقة الساحل والصحراء الأفريقية؛ بهدف ريادة التنظيمات الجهادية في العالم وداعش يطمح اليوم فى منافسة القاعدة  في منشئه ومركزه الرئيسي . وهذا التوجه يحمل قدراً من الصواب خاصة وأن القاعدة أعلن البيعة لحركة طالبان منذ وصولها للحكم وحتى الآن، وجدد أيمن الظواهري بعد وفاة أسامة بن لادن البيعة للملا “منصور”، عقب اختياره زعيمًا جديدًا للحركة بعد وفاة الملا عمر، وجددها  مرة أخرى للملا “هبة الله أخوند زاده”، الزعيم الحالي لـ” طالبان” .لكن علاقة البيعة أصابها التصدع بشكل تصعب معالجته فالحكومة الأفغانية و والإدارة الأميركية تسعيان للتفاوض والتسوية السياسية مع حركة طالبان، بينما لا يفعلون الشيء نفسه مع تنظيم القاعدة فضلاً عن أن تبيان رؤيتهما الجهادية قد يفضى إلى الشقاق بينهما إذ أن القاعدة  يقوم منهجه على محاربة مصالح الأمريكان أينما وجدت، فى حين تتركز طالبان على منهج قومي تسعى ن خلاله للوصول إلى الحكم وإقامة الخلافة في أفغانستان فقط لذلك تقتصر هجماتها على  القوات الأفغانية الحكومية، والقوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان.

المعطيات السابقة تؤشر إلى أن مستقبل الصراع في أفغانستان  سيكون مدمراً , حيث أن التسابق سيكون بين ثلاثة من أقوى التنظيمات الجهادية في العالم  لاسيما في حالة حدوث تحالف تكتيكي بين “داعش” و”طالبان” أو نجاح تنظيم الدولة الإسلامية في بناء هيكل قوي يضم عناصر القاعدة إليه خاصة وأن الأول خرج من رحم  تنظيم القاعدة العالمي وأدى تهديد التنظيمات الإرهابية بإعادة تموضعها داخل أفغانستان مجدداً إلى هروب أكثر من 5 ملايين أفغاني يعيشون الآن كلاجئين في إيران وباكستان – 2.7 مليون منهم بدون تسجيل أو وضع قانوني واضح بحسب الأمم المتحدة – عوضاً عن 479 ألف أفغاني تحولوا إلى نازحين.