زحف هادئ بحركة الثعابين يمارسه الحرس الثوري مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ,إذ يبحث التيار المتشدد الآن على وقع تزايد السخط الشعبي وتصاعد الاحتجاجات عن كبش فداء وعلى الأرجح سيلعب الرئيس هذا الدور وسيتم التضحية به على مذابح الكاهن الأعظم “خامنئى ”
الأذرع القوية والفاعلة للحرس الثوري رسمت أربعة سيناريوهات لإقصاء روحاني والذي سيكون محظوظا إن بقي في السلطة حتى الخريف المقبل وفقاً لتصريحات أحد المحللين الإصلاحيين. يستند الأول إلى رفع وتيرة الضغط على الحكومة بهدف دفع روحاني إلى تقديم استقالته ، وحال عدم استجابته و رفضه ذلك يتم تفعيل الورقة الثانية والمتمثلة في المناورة بالقضايا الشخصية وإطلاق الحملات الدعائية المضادة له لإسقاط شرعيته الدستورية لعزل روحاني وإجباره في النهاية على التنحي من منصبه.
المخطط الثالث للحرس الثوري ومن خلفه التيار المتشدد يدور حول إعداد تقارير حول وجود علاقات مشبوهة بين روحاني وجماعات المعارضة فى الخارج ,كذلك ترويج مزاعم حول ارتباطات تجمعه مع دول غربية والتي يقوم بالتنسيق معها بخصوص البرنامج النووي، هنا لا يمكن لروحاني أن يكون على قمة هرم السلطة التنفيذية في البلاد .هذا التوجه يدلل عليه البرلماني الإيراني المقرب من الحرس الثوري، وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان جواد كريمي قدوسي، فقد سبق واتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني بـ”تنفيذ أوامر الأوروبيين”، من خلال السعي إلى حل الحرس الثوري.
في حين يراهن الخيار الرابع على إمكانية الانتظار حتى نهاية العام الحالي , حينها تكون إيران قد دخلت فى حالة من التخبط الشامل جراء ما تتعرض له من عقوبات دولية والتي من المرجح أن تتزايد على إثرها الاحتجاجات وتعم الفوضى الأمر الذي يستوجب عرض عزل روحاني في البرلمان بسبب عدم كفاءته وفشله في حل مشاكل وأزمات البلاد.
المعطيات على الأرض تؤشر إلى أن الحرس الثوري يسير باتجاه تبنى السيناريو الرابع حيث دعا نواب فى البرلمان لعزل الرئيس الذي فشل هو وفريقه في إدارة اقتصاد البلاد و قال أمير خوجاسته، أحد أعضاء البرلمان، يوم الاثنين: “نمنح الحكومة من 10 إلى 15 يوما لتقدم خطتها حول مواجهة مؤامرات العدو في الحرب الاقتصادية. وإلا سوف نثير مسألة افتقار الرئيس للكفاءة (من خلال توجيه الاتهام له بالتقصير). والهدف من ذلك هو الاستجابة لمطلب الجمهور ولن نتزحزح عن مواقفنا قيد أنملة. كما صرح النائب حجب الإسلام بجمانفر لأحد وسائل الإعلام المقربة من جبهة الصمود المتشددة، قائلاً “توصلنا إلى أنه حال واصلت الحكومة مسيرتها الاقتصادية بنفس الطريقة، سنجرى جراحة كبرى، مع استمرار هذا الوضع فان مصلحة البلاد في استجواب رئيس الجمهورية”.
وبالرغم من أن رئيس البرلمان على لاريجانى قد أجهض محاولات استجواب روحاني غير أن الدستور الإيراني ينص بالمادة 89 على أنه في حالة تقديم ثلث عدد النواب على الأقل استجواباً لرئيس الجمهورية في مجلس الشورى الإسلامي بشأن مسؤولياته التنفيذية وإدارة الأمور التنفيذية في البلاد، على رئيس الجمهورية أن يحضر في المجلس، خلال شهر من طلب الاستجواب، ويعطي التوضيحات الكافية بشأن المسائل المطروحة. وعند انتهاء مناقشات النواب المعارضين والمؤيدين وجواب رئيس الجمهورية، وإذا صوتت أكثرية ثلثي النواب على عدم كفاءة رئيس الجمهورية، يرفع الأمر إلى مقام القيادة لإطلاعها. وقد سبق وشهدت الجمهورية الإسلامية واقعة مشابهة ,ففى عام 1981 عزل البرلمان أبو الحسن بنى الصدر أول رئيس إيراني عقب توقيع نحو 120 نائب على عدم كفاءته السياسية.
النيران المستعرة تحت الرماد التي طفت على سطح المشهد السياسي مجدداً لتكشف عن مخطط الإطاحة بروحاني تستند كذلك على شواهد عدة , أبرزها انتقادات رحيم صفوي مستشار المرشد الأعلى للشئون الاقتصادية الأحد الماضي، والذي انتقد أداء حكومة روحاني قائلا “لو ما كان هناك حكومة لتمت إدارة البلاد على نحو أفضل” .
تصريحات صفوى سبقها مطالبة من النائب والعضو السابق في الحرس الثوري محمد على مختار بور في أبريل الماضي, لتشكيل حكومة عسكرية تتمكن من حل المشكلات التى تعج بها البلاد ربما تعبد الطريق أمام الحرس الثوري لإسقاط الحكومة الشرعية واستبدالها بأخرى عسكرية
انقلاب الحرس الثوري على السلطة يدخل إيران لدائرة نموذجين من السلطة , الأول تشكيل حكومة عسكرية يمكنها تعزيز القبضة الأمنية وإدارة البلاد بسياسة الحديد والنار في ظل تردى الأوضاع الداخلية واندلاع المظاهرات فضلاً عن الضغوط الدولية الإقليمية المتمثلة في إلغاء الاتفاق النووي وعودة العقوبات ناهيك عن غيوم الحرب المرتقبة بين طهران وإسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية. والثاني دولة شبه عسكرية يتم فيها تشكيل حكومة رجال دين وعسكر على أن تكون وزارة الدفاع والاقتصاد والداخلية والخارجية بيد الجيش.
الصمغ الخميني فقد مفعوله , إذ أن تصاعد الانتقادات بشأن احتجاجات البازار ليست سوى ستار تتوارى خلفه مؤامرة أو معركة بدأ الحرس الثوري بشنها للإطاحة بروحاني في محاولة للبحث عن شماعة لأخطاء الملالي والنظام بجناحيه المعتدل والمتشدد يمكن من خلاها تهدئة الأصوات المعارضة ولو بعض الوقت من جهة , وتمنح المتشددين فرصة لإلقاء اللوم على علي الرئيس الذي يمثل التيار المعتدل المناوئ لهم ,إذ أن الصراع الدائر بين المؤسسة العسكرية والسلطة التنفيذية في إيران يتسم بالأزلية حيث يوجد تياران رئيسيان يتصارعان على النفوذ وهما المحافظ (المتشدد) الذي يمثل عدة أحزاب وجمعيات رديفة منها حزب المؤتلفة الإسلامية ورابطة رجال الدين المناضلين كما أنه يسيطر على أجهزة المخابرات والحرس الثوري وأجهزة الرقابة القضائية، والثاني هو التيار الإصلاحي بزعامة روحانى ويضم 15 حزباً وجمعية سياسية.
سطوة الحرس الثوري عبر جناحه الاقتصادي المعروف باسم “مقر خاتم الأنبياء” والمؤسسات المالية والاقتصادية التابعة له أحد مواطن الخلاف مع روحاني ” حيث يعد الأول أكبر مقاول في إيران، و يضم 812 شركة ، وله أسهم كبيرة في عدد من البنوك والمصافي ومصانع السيارات والبتروكيماويات والألمنيوم والصناعات البحرية وصناعة الجرارات والصلب والحديد ومصانع الأدوية والمطاحن وشركات الحفر والصناعات الغذائية الأمر الذي دفع روحاني إلى وصفه أثناء حملته الانتخابية بالحكومة الموازية واتهمه باستلاب مقدرات الدولة الإيرانية بالاستيلاء على مؤسساتها الاقتصادية تحت دعوى الخصخصة التي أدارها خامنئي خلال العقد الماضي، حيث قال “كان هناك جزء من الاقتصاد الإيراني بيد دولة بلا سلاح تم تسليمه لدولة تحوز السلاح، فهل نستطيع أن نسمي ذلك خصخصة”. التلاسن بين روحاني والحرس الثوري دخل إلى مراحل جديدة عندما حذره قاسم سليماني من مغبة عدم تخصيص مبالغ إضافية للحرس الثوري وفيلق القدس، وقوبل برد عنيف من قبل روحاني
الرغبة المكتومة لدى الحرس الثوري لعزل روحاني حتى وإن استترت تحت مظلة الاقتصاد غير أنها واقع الأمر نزاع سياسي لن تسفر عن تغييرات جوهرية بموازين القوة داخل إيران ,فالأوضاع الشائكة هي نتاج للنظام ككل وليس حسن روحاني الذي لا يملك تغيير شيء دون إرادة المرشد ,فجميعهم انعكاس لصورة واحدة حتى وإن تغيرت الوجوه وتبدلت الأسماء .
اضف تعليق