الرئيسية » أرشيف » قضايا في زيارة أردوغان لأميركا: العراق وسورية والعراق وإيران وإسرائيل
أرشيف

قضايا في زيارة أردوغان لأميركا:
العراق وسورية والعراق وإيران وإسرائيل

بينما يستعد الرئيس الاميركي باراك أوباما لاستقبال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في البيت الأبيض في 16 أيار/مايو، تُصوِّر أنقرة الزيارة على أنها فرصة تاريخية لبناء العلاقة الشخصية بين الزعيمين. ويرجح أن تهيمن أربعة قضايا شرق أوسطية — العراق وسوريا والعلاقات التركية الإسرائيلية وايران — على جدول الأعمال. ولضمان أن تكون المناقشة مثمرة قدر الإمكان، سوف يحتاج الرئيس الأميركي إلى استيعاب وجهات نظر أردوغان حول هذه القضايا، والتي لا تتناغم بالضرورة مع وجهات نظر واشنطن.وفيما يلي تقرير اعده عن الزيارة سونر چاغاپتاي مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريباً: "صعود تركيا: القوة الإسلامية الأولى في القرن 21"، و السفير جيمس إيف. جيفري الزميل الزائرالمميز في زمالة فيليب سولونتز في المعهد وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق.

العراق
تشعر تركيا بالقلق من أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ينتهج جدول أعمال انقسامي يركز على الشيعة في بغداد. لقد دعمت أنقرة بوضوح تكتل علاوي العلماني في انتخابات العراق عام 2010، مما عكّر صفو العلاقات بين أردوغان والمالكي، الذي اتخذ منحى طائفياً منذ ذلك الحين. كما تنظر تركيا إلى المالكي باعتباره رجل طهران، في وقت تظهر فيه إيران كلاعب سياسي يتسم بخطورة خاصة في المنطقة. وكل هذا يشير إلى أن تنافس أردوغان مع المالكي سوف يُحد من الخيارات السياسية للولايات المتحدة.

وبناءً عليه، ينبغي على أوباما أن يضغط على أردوغان لدعم بغداد كوسيلة لإرساء الاستقرار في العراق، كما عليه أن يقترح في الوقت ذاته أن تتحدث تركيا والولايات المتحدة إلى المالكي بصوت موحد بشأن السياسات الطائفية التي تهدد بالإطاحة بالديمقراطية في البلاد. ينبغي على أوباما كذلك أن يُعرب عن رغبته في النظر في مناهج جديدة للتعامل مع العراق إذا واصلت حكومة المالكي حملتها ضد السكان العرب السنة والأكراد.

وعلى وجه الخصوص، ينبغي على واشنطن وأنقرة تعزيز تعاونهما المتصدع أحياناً بشأن نزاع بغداد مع الأكراد العراقيين. وإذا قامت جميع الأطراف بالتنسيق في مجال استكشاف وتصدير النفط والغاز، فإنهم سوف يستطيعون زيادة الاستقرار في العراق مع خدمة المصالح الاميركية والتركية في الوقت نفسه. وعلى وجه الخصوص، ينبغي عليهم استغلال الاجتماع رفيع المستوى بين الولايات المتحدة والعراق وتركيا الذي عُقد في لندن الشهر الماضي ولاقى تغطية إعلامية موسعة، مع الترتيب لمشاورات إضافية وتكثيف الجهود لتهدئة الوضع الخطر الناشئ في العراق.

سوريا
بينما انتهجت واشنطن أسلوباً أكثر حذراً تجاه الحرب في سوريا، كانت أنقرة داعماً قوياً لقضية الثوار منذ أواخر 2011. وفي ضوء إيمان تركيا بأن الإطاحة ببشار الأسد هي أمر لا مفر منه، فقد سعت أنقرة إلى تقويض سلطته من خلال دعم المعارضة السياسية والمسلحة داخل سوريا. ويشمل ذلك، وفقاً لتقارير إعلامية، السماح للجماعات الإسلامية المتطرفة بعبور الحدود.

وفي سبيل التشجيع على قيام تعاون أكثر قرباً، ينبغي على واشنطن أن تُذكر أنقرة بأن سوريا يرجح أن تصبح دولة ضعيفة ومنقسمة بمجرد سقوط الأسد، مما سيخلق حالة من عدم الاستقرار على أعتاب تركيا في المستقبل المنظور. ومن ثم ستكون من الحكمة أن يتيقن أردوغان من عدم حصول الجماعات المتطرفة على موطئ قدم لها في هذه الدولة.

ومن جانبها، لا تزال أنقرة ترغب أن تتبنى واشنطن موقفاً أكثر قوة بشأن مساعدة المعارضة السورية، لكنها تريد أيضاً الحفاظ على تواضع دور تركيا. وتحقيقاً لهذه الغاية، فقد دعت إلى مبادرة أميركية لإنشاء ملاذات آمنة أو مناطق حظر طيران داخل سوريا لحماية الأراضي الخاضعة لسيطرة الثوار، لا سيما في المناطق الحدودية الشمالية. كما ترغب أنقرة أن تحول واشنطن المزيد من جهودها المناهضة للأسد من جنوب تركيا إلى الأردن، مما يخفف الضغط الناشئ عن العنف المتكرر على الحدود بين تركيا وسوريا. وحتى إذا لم يكن الرئيس على استعداد للانتقال عبر جميع بنود العمل هذه، فإن إبداء المزيد من الالتزام بدعم الثوار سيلقى قبولاً في أنقرة. وعلى الرغم من رغبة تركيا في تحويل بعض الجهود إلى الأردن، لا يزال ينبغي على واشنطن أن تضغط على أردوغان للسماح للهيئات المدنية والعسكرية الاميركية بدعم السوريين علانية انطلاقاً من تركيا في مقابل التزام أكبر من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بالدفاع عن بلاده.

إسرائيل
بدأت العلاقات بين تركيا وإسرائيل في التحسن عقب التدخل الشخصي للرئيس أوباما في آذار/مارس، عندما جمع بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الهاتف. ومن شأن التطبيع السريع للعلاقات الثنائية أن يضفي المزيد من القوة على مطالب أردوغان في واشنطن. على سبيل المثال، إذا أعلنت أنقرة عن تعيين سفير تركي في إسرائيل قبل قمة السادس عشرمن أيار/مايو، فإنها سوف تعزز من موقف أردوغان.

ومن بين العقبات المحتملة وجهات نظر تركيا حول «حماس»، والتي تختلف عن وجهات نظر إسرائيل والولايات المتحدة. فأنقرة ترى أنها تستطيع إقناع الجماعة بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل — وهي الشروط التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية (أي الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا) للتفاوض مع «حماس» بعد استيلاء الحركة على السلطة في غزة. وتحقيقاً لهذه الغاية، يخطط أردوغان لزيارة غزة عقب رحلته إلى واشنطن. وبالإضافة إلى تعقيد العلاقات مع إسرائيل، قد تمثل هذه الزيارة مصدر إحراج لأوباما، الذي كرس نفوذه الشخصي والسياسي لتحقيق المصالحة بين تركيا وإسرائيل. ومن أجل الحد من هذه المشكلة، ينبغي على واشنطن أن تشجع أردوغان على جعل هذه الرحلة شاملة إذا أصر على زيارة غزة، من خلال إضافة محطة في إسرائيل ولقاء قادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أيضاً. ومن شأن هذا النهج أن يخدم كذلك طموح أنقرة بأن تصبح رائداً إقليمياً: فلا تستطيع تركيا أن تصبح قوة إقليمية حقيقية ما لم يكن أردوغان متواصلاً مع الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

إيران
ترى أنقرة أن إيران هي منافسها الرئيسي في الشرق الأوسط، حيث تورط البلدان في حرب بالوكالة في سوريا فضلاً عن المعركة السياسية المتصاعدة في العراق. ينبغي على واشنطن أن تبني على حالة عدم الثقة القوية لدى تركيا تجاه طهران من أجل الحد من المغامرات الإيرانية، والحفاظ على التعاون في قضايا مثل الرادارات المضادة للصواريخ التابعة لحلف "الناتو" وربما تأمين دعم أنقرة بشأن الأزمة النووية. وفي الوقت ذاته، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوخى الحذر لئلا تشجع على أي شعور بالفوضى الطائفية بين السنة والشيعة — وهو انقسام كامن تحت السطح في العديد من شؤون الشرق الأوسط في الوقت الحالي.

تركيا كحليف يحظى بالقوة الناعمة
وبشكل أوسع نطاقاً، سوف تُحسن الولايات المتحدة صنعاً لو أنها استفادت من نقاط القوة الفريدة التي تتمتع بها تركيا في المنطقة، والنابعة من قدراتها العسكرية ونظامها الديمقراطي المستقر نسبياً ونجاحها الاقتصادي وقيم الطبقة المتوسطة والنفوذ الثقافي والاجتماعي. بيد أن مصالح أنقرة لا تتطابق دائماً مع مصالح واشنطن، إذ تريد تركيا أن تصبح شريكاً نداً للولايات المتحدة وليس تابعاً لها. ومن ثم، ينبغي أن تقوم أي جهود مشتركة على تقييم واعٍ وفقاً لكل حالة على حدة.

وأحد الجوانب الأكثر أهمية للتعاون يتعلق في المقام الأول بقضية سياسية تركية داخلية — انفتاح أردوغان الشجاع على السكان الأكراد في البلاد، والمرتبط بوقف إطلاق النار الأخير مع «حزب العمال الكردستاني». وباعتبار واشنطن حليف أنقرة الراسخ في مكافحة «حزب العمال الكردستاني»، ينبغي على واشنطن أن تبرز التأثير الإيجابي الذي سيتمخض عن هذا التطور على الاستقرار والديمقراطية في تركيا، وربما المنطقة بأسرها. ولا تزال العديد من النخب السياسية التركية تعارض مثل هذا التقارب، لذا يستطيع أردوغان أن يستغل كل الدعم الذي يستطيع الحصول عليه لمواصلة هذه العملية.