تسعى دولة الإمارات إلى حماية مستثمريها من الخسائر في ظل الأوضاع الصعبة بالأسواق العالمية عبر حزمة قواعد جديدة منظمة لبيع الصناديق الأجنبية. لكن الإمارات تخاطر في الوقت ذاته بدورها كمركز لإدارة الأصول في المنطقة.
وتقضي القواعد الجديدة -التي نشرت في الجريدة الرسمية دون تحديد موعد إدخالها حيز التنفيذ- بنقل المسؤولية الرئيسية عن مراقبة صناديق الاستثمار إلى هيئة الأوراق المالية والسلع من مصرف الإمارات المركزي. وهيئة الأوراق المالية هي الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم القطاع المالي.
وتشمل القواعد الجديدة ترويج وبيع الصناديق الأجنبية في الإمارات ومتطلبات طرح وإنشاء صناديق محلية جديدة. ويعد صدور القواعد الجديدة أحد أكبر التغييرات التي دخلت على الرقابة المالية في الإمارات منذ أزمة ديون الشركات في البلاد عام 2009.
وتعد الإمارات المركز المالي الرئيسي بمنطقة الخليج وإليها يفد المستثمرون من بلاد كالسعودية والكويت لاستثمار أموالهم وبالتالي فإن تعديل القواعد التنظيمية قد يؤثر على حركة تدفق الأموال على مستوى المنطقة.
ومنذ صدورها في يوليو تموز الماضي واجهت القواعد الجديدة انتقادات من خبراء بالقطاع. واعتبر خبراء أن العملية الصارمة لاستصدار الموافقة التنظيمية على تسويق الصناديق الأجنبية وأن إلزام القواعد مديري الصناديق بمعاملة العملاء المؤسسيين الكبار والمستثمرين الأفراد على قدم المساواة.. قد يدفعان شركات إدارة الأصول إلى مغادرة البلاد.
يقول كاي شنايدر رئيس ممارسات صناديق الاستثمار للشرق الأوسط وأفريقيا بمكتب لاثام.اند.واتكنز للمحاماة "تمثل القواعد الجديدة في مجملها فرصة ضائعة لتنفيذ نظام رقابي قوي يشجع تطور صناعة الصناديق الناشئة في الإمارات."
وذكر عبد الله الطريفي الرئيس التنفيذي لهيئة الأوراق المالية والسلع في بيان على موقع الهيئة أن القواعد الجديدة خطوة إيجابية ستساعد في تعزيز الاستثمار المؤسسي وجذب الاستثمار الأجنبي إلى الإمارات.
ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من أي مسؤول بالهيئة بخصوص مخاوف مديري الصناديق رغم محاولات متكررة من رويترز للتواصل معهم.
وليس ثمة أرقام شاملة عن حجم مبيعات صناديق الاستثمار في الإمارات لأن الشركات تعتبر حجم مبيعاتها من الأسرار المهنية. لكن مديري صناديق يقدرون مبيعات صناديق الاستثمار بمليارات الدولارات سنويا.
وتم تعزيز نشاط هذه الصناديق بإنشاء مركز دبي المالي العالمي في منتصف العقد الماضي كمنطقة حرة تطبق إعفاء ضريبيا وتستضيف أكثر من 100 شركة مالية دولية كبيرة.
وتركز معظم الأنشطة المرتبطة بصناديق الاستثمار في الإمارات على بيع الصناديق الأجنبية للمستثمرين الخليجيين الأثرياء ومنهم مؤسسات كبيرة مثل صناديق الثروة السيادية والشركات العائلية والأثرياء من الأفراد.
وعليه فإن المنطقة تعد محركا كبيرا لإيرادات شركات صناديق الاستثمار العالمية وصناديق التحوط وللاعبين بمجال الاستثمار المباشر. وعلى النقيض عانت شركات إدارة الأصول المحلية التي تركز على استثمار أموالها بمنطقة الخليج لتحقيق إيرادات وجذب اهتمام المستثمرين.
وبموجب القواعد الجديدة سيتعين على الصناديق الأجنبية الراغبة في بيع منتجات في الإمارات الحصول على موافقة هيئة الأوراق المالية والسلع عبر عملية يتوقع مديرو الصناديق أن تشمل مزيدا من الإجراءات الإدارية ومتطلبات الامتثال وبالتالي مزيدا من الوقت والتكاليف. وهذا قد يدفع بعض مديري الصناديق إلى تسويق وبيع منتجاتهم في الخارج لتفادي الامتثال لهذه القواعد.
وقد يحد ذلك من قدرة الهيئة على مراقبة السوق ويحدث أثرا عكسيا للهدف الأصلي للقواعد وهو حماية المستثمرين.
وذكر مكتب كليفورد تشانس للمحاماة في مذكرة لعملائه أن "قواعد صناديق الاستثمار قد تدفع مستثمرين إماراتيين إلى تجريب حظوظهم في بيئات رقابية أجنبية بدلا من توفير حماية إضافية لهم."
وقال المكتب إن النظام الرقابي المزمع سيشبه السوق السعودية التي اعتبرها مديرو الصناديق الأجانب صعبة المراس. وانتهى الأمر بكثير من المستثمرين السعوديين إلى السفر للخارج للحصول على الخدمات الاستثمارية.
وتفتقد القواعد الجديدة أيضا للوضوح فيما يتصل بطبيعة الجهة المطالبة باستصدار الموافقة على تسويق الصناديق من الهيئة التنظيمية.. سواء كانت شركة إدارة الأصول ذاتها أم شركة التوزيع التي تكون في غالب الأحوال بنكا تجاريا عاملا في الإمارات. وقد يؤدي هذا الغموض إلى مشكلات قانونية ويزيد التكلفة.
وقال دانيل رود رئيس شركة اتش.اس.بي.سي اسيت مانجمنت للشرق الأوسط وشمال أفريقيا "أعتقد أن من الأسئلة العالقة… على من تقع مسؤولية استصدار الموافقة على الصندوق؟"
وأضاف أن ذراع إدارة الأصول التابعة لبنك اتش.اس.بي.سي وزعت حاليا 35 صندوقا تقريبا في الإمارات ولا يتضح على من يقع عبء أتعاب استصدار موافقة هيئة الأوراق المالية والسلع.
ولا تنطبق القواعد الجديدة على منتجات التأمين ومحافظ الاستثمار الخاصة وبرامج مزايا الموظفين في الإمارات. ويعتمد المستثمرون الأفراد في الإمارات بشكل كبير على هذه المنتجات ولذلك يثير استثناء القواعد الجديدة لهم مخاوف بعض الأطراف في القطاع.
وذكر مسؤول كبير متخصص في إدارة الأصول طلب عدم الإفصاح عن هويته لحساسية الموضوع "قد ينتهي الأمر بالبنوك ببيع منتجات متصلة بالتأمين لأنها خارج نطاق القواعد التنظيمية. وقد لفتنا انتباه الهيئة إلى ذلك."
وستخضع الصناديق العاملة من مركز دبي المالي العالمي للقواعد الجديدة مثل بقية الصناديق في الإمارات وهذا قد ينال من جاذبية المركز في نظر الشركات الأجنبية.
وحسب نظام المركز كانت المتطلبات التنظيمية لبيع الصناديق إلى العملاء المؤسسين الكبار أقل صعوبة وأقل تكلفة منها للمستثمرين الأفراد.
ويخشى مديرو الصناديق من أنه بموجب القواعد الوطنية الجديدة سيكون عليهم التعامل مع النوعين من المستثمرين بنفس الطريقة مما يزيد التكاليف.
ويقول شنايدر "ستصبح مهمة مركز دبي المالي العالمي لجذب رعاة الصناديق ومديري الصناديق لبناء تواجد لهم في المنطقة الحرة أكثر صعوبة."
وقد تستفيد مراكز مالية منافسة في المنطقة مثل مركز قطر للمال من هذا عبر استقطاب شركات من مركز دبي المالي.
ويأمل كثيرون من مديري الصناديق الذين قالوا إن القواعد الجديدة تم تعديلها بعد اقتراحها قبل عام ونصف في أن تجري مراجعة القواعد مجددا في ضوء مخاوف الصناعة.
ويقول رود "إذا نظرنا إلى مسودة القواعد التي صدرت العام الماضي نجد أنه تم تعديل أو شطب بعض المواد التي أثارت مخاوف كبيرة في أوساط الصناعة."
ويضيف "إذا كان لديك هيئة تنظيمية ترغب في الإنصات للمخاوف فهذا عامل إيجابي على كل حال."
اضف تعليق