الرئيسية » تقارير ودراسات » لا وجود لوقف إطلاق نار في غزة
تقارير ودراسات رئيسى

لا وجود لوقف إطلاق نار في غزة

يجب أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستعدة لممارسة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا أرادت إنقاذ خطة السلام الخاصة بها.
ما يُسمى بـ”وقف إطلاق النار” في غزة انتهى فعليًا هذا الأسبوع، بعدما استأنفت إسرائيل حربها الشاملة ضد حركة حماس في 28 أكتوبر. ورغم إعلان نتنياهو في اليوم التالي عن “استئناف” وقف إطلاق النار، فإن الحقيقة واضحة: أي اتفاق يُسمح لطرف فيه بانتهاك بنوده بشكل منهجي، لا يعدو كونه حبرًا على ورق. وبدون ضغط فعلي من واشنطن، ستستمر هذه الدوامة.

منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، واصلت إسرائيل انتهاكاته عبر تقييد دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهي بند أساسي في الاتفاق مع حماس لإنهاء القتال. كما استمرت في شن ضربات جوية متكررة بحجة الرد على “هجمات” حماس، أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة المئات. إسرائيل ترفض أيضًا فتح معابر جديدة لتسهيل تدفق المساعدات إلى السكان الذين يعانون الجوع والفقر.

بطبيعة الحال، يجب محاسبة أي طرف ينتهك الاتفاق، بما في ذلك حماس، التي تحاول إعادة بناء قدراتها وتحدي إسرائيل كلما سنحت الفرصة. لكن مع ذلك، يبقى اختلال ميزان القوة بين الجانبين عاملًا حاسمًا، فإسرائيل تتمتع بدعم أمريكي كامل، وغالبًا ما خرقت اتفاقات سابقة من جانب واحد دون عقاب.

ضربات إسرائيل في 28 أكتوبر، التي أودت بحياة أكثر من مئة شخص، بينهم 46 طفلًا، قضت فعليًا على أي حديث عن وجود “هدنة” في غزة. ما يجري اليوم ليس وقفًا لإطلاق النار، بل استمرار لسياسة الامتيازات المفتوحة التي تحظى بها إسرائيل.

يشبه هذا الوضع ما حدث في لبنان، حيث استمر القصف والاحتلال الإسرائيلي رغم إعلان “وقف إطلاق النار” مع حزب الله. فإسرائيل تفرض إرادتها على حكومة لبنانية مدعومة أمريكيًا، فيما يزداد نفوذ حزب الله نتيجة استمرار الاحتلال، إذ يمنحه ذلك مبررًا دائمًا للبقاء مسلحًا ومقاومًا.

المعادلة ذاتها تتكرر في غزة: نزوح جماعي، دمار شامل للبنية التحتية، ومجاعة متفاقمة وسط انهيار صحي وغذائي، بينما يعيش المدنيون بين نيران حماس والميليشيات المدعومة من إسرائيل.
وبحسب ما يُعرف بـ”خطة السلام ذات العشرين بندًا” التي طرحها ترامب، تسيطر إسرائيل حاليًا على نحو 53% من أراضي غزة، مع وعود غامضة بانسحاب مستقبلي لا يتجاوز 8% فقط من المساحة، تحت مسمى “المنطقة العازلة”.
كما تتحدث إسرائيل والولايات المتحدة عن إعادة إعمار المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية فقط، ما يعني عمليًا عزل الفلسطينيين في مناطق مكتظة تشبه “مخازن بشرية”، وفق وصف بعض المراقبين.

كل هذه المؤشرات تدل على أن خطة السلام ليست سوى وثيقة بلا مضمون حقيقي. فلا حماس ولا إسرائيل تثقان ببعضهما البعض، وكل طرف يسعى لتعظيم مكاسبه في ظل الضوء الأخضر الأمريكي.
ومع أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو صرّح هذا الأسبوع بأن لإسرائيل “الحق في ضرب أهداف داخل غزة”، معتبرًا تلك الأفعال “منسجمة مع وقف إطلاق النار”، فإن هذا يتناقض مع جوهر مفهوم الهدنة.

هذه التصريحات تُظهر مدى ازدواجية الموقف الأمريكي، خاصة بعد كل ما استثمرته إدارة ترامب في هذه المبادرة. فالرئيس ترامب، المعروف بعدم تقبله لفكرة “الخسارة”، يجد نفسه الآن أمام اتفاق سلام ميت وواقع سياسي يهدد بنسف كل ما روج له.

لكن يبقى السؤال: هل سيمارس ترامب ضغطًا فعليًا على نتنياهو؟
حتى الآن، ورغم الضغط الأمريكي الذي دفع إسرائيل للتوقيع على الاتفاق، تظل إدارة ترامب منحازة تمامًا للمصالح الإسرائيلية، وتتحمل مسؤولية مباشرة عن الدمار الجاري في غزة.

في النهاية، لن ينجح أي وقف لإطلاق النار ما لم تتحمل واشنطن مسؤولياتها كاملة، وتفرض على جميع الأطراف الالتزام ببنود الاتفاق، وخاصة إسرائيل.
فبدون ذلك، سيستمر العنف، وسيبقى الفلسطينيون في غزة يواجهون ما وصفه بعض المراقبين بأنه إبادة جماعية بطيئة.

ألكسندر لانغلوا- ناشيونال انترست