الرئيسية » تقارير ودراسات » لبنان ما بعد الاستحقاق ..هل من جديد ؟
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

لبنان ما بعد الاستحقاق ..هل من جديد ؟

الانتخابات اللبنانية
الانتخابات اللبنانية

حين يسألني البعض عن الانتخابات اللبنانية الأخيرة ونتائج تيار المستقبل برئاسة سعد الحريرى , أجيبهم بكل أريحية, أن الخسارة واضحة للعيان , وأنه إذا حدث ذلك في أي بلد آخر فإن الأمر كفيل بأن يدفع رئيس الحزب للتنحي على الفور.

لكن فى لبنان تبدو الأوضاع مختلفة و رجال الحريري هم من يسددون فاتورة النتائج المخيبة التىمنى بها التيار حيث تم الإعلان عن استقالة أو ربما إقالة نادر الحريري ,ابن عمة رئيس الوزراء ومدير مكتبه والرجل الثاني بالحزب .

إذ تشير معلومات تم تداولها على وسائل التواصل الإجتماعي إلى أن نادر الحريري كان متواطئا ًمع حزب الله فضلاً عن تورطه فى معاملات مالية معه . وبالرغم من أننى لا أستطيع الجزم بصحة تلك الأخبار المتناثرة ,غير أن هذا لا ينفى وجود خلل بملف إدارة الانتخابات.

لقد وفر سعد الحريري, خلال العام الماضي, أكبر غطاء سياسي دولي لحزب الله إذ يبدو أنه استسلم بعدما استشعر أنه من المستحيل بالنسبة له التكيف مع المتغيرات الإقليمية والتقلبات المعتادة بالشرق الأوسط .
فإذا افترضنا صحة تورط مدير مكتبه مالياً مع حزب الله وأن الحريري لم يكن على دراية بالأمر حينها , فذاك عذر أقبح من ذنب ,كما يقولون, . وكيف يتثنى له إدارة دولة بأكملها إذا لم يستطع السيطرة على فريقه ؟ لكن يظل هناك سيناريو آخر متداول , ويعرفه الحريرى جيداً .

ومع ذلك وبما أننا لم نر وثائق مؤكدة تحظى بالصدى التوضيحي المطلوب ,فنحن لا نملك دليلاً ساطعاً بشأن تلك المسألة ,كما أن تكرار رقص الحريري على موسيقى حزب الله وعزفه على نفس أوتاره أفقد قضية مدير مكتبه أهميتها وأضحت مجرد تفاصيل غير ذات قيمة مقارنة بالأوضاع الساخنة بالداخل اللبناني
من وجهة نظري , خسارة الحريري بدأت فعليا مع إذاعة حلقة استقالته من السعودية , فلم يحدث من قبل ,في أى مكان بالعالم سيناريو مشابه,, رئيس حكومة يعلن تنحيه من دولة أخرى ,وإذا افترضنا جدلاً أن الاستقالة كتبت بحبر سعودى وتم إجباره عليها ,كيف يمكن للحريرىقبول الأمر وإعلانها فى رسالة مسجلة من هناك ؟ نحن هنا لا نتعرض لـ”سعودى أوجيه” أو شركاته الخاصة حيث يكون له مطلق الحرية فىالاختيار , لكنى أتحدث عن كبرياء لبنان ,مواطنيها ,ومستقبلها فضلاً عن هيبة رئيس حكومتها.

كما أن استغاثة الحريرى بفرنسا لإنقاذه والتي تزامنت مع استعداد الرئيس ماكرون لزيارة طهران تم توظيفها لإبراز إيران كعنصر رئيسي فى استقرار لبنان والموقف الأوروبي من إلغاء الاتفاق النووى يعكس ذلك ويدلل عليه . أما على صعيد الشخصيات التي جاءت لدعمه من لبنان فقد انحصرت كذلك فى بعض من أعضاء وحلفاء حزب الله, الذين رأوابالحدث غنيمة كبرى ومناسبة عظيمة للضغط على الحريرى وإعادة استخدامه لتحقيق مكتسبات جديدة تخدم مشروعهم.

لذلك وفقا للمعطيات السابقة فإن خسارة الحريرى وتيار المستقبل لثلث مقاعدهم فى البرلمان لا تعود بالدرجة الأولى إلى ضعفه أمام حزب الله لكن أيضاً لعجزه عن إقناع السعودية بقدراته على حمل ملفات الدولة وإدارتها محلياً وإقليمياً , الأمر الذى وضع مصداقيته على المحك وأفضى إلى تراجعها تدريجياً .

واقعياً , يعانى المكون السنى فى لبنان من تبعات استراتيجيه خاطئة سمحت لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بتفريغ الساحة من كل الشخصيات ذات الثقل السياسي والنفوذ وكان يجب على السعودية ,حينها ,أن تكون أكثر انتباهاً لتلك النقطة باعتبارها شريك وحليف إقليمي لذلك فهى تتقاسم معه اللوم والمسؤولية.

لقد أضحى لبنان اليوم قضية خاسرة بالنسبة للمملكة , لا تستحق الاستثمار بها , وتفاقم الأوضاع أو استمرارها على ماهى عليه لن يسفر عن جديد ,فالسعودية لن تكلف نفسها عناء البحث عن بديل سنى آخر لأنه لا سبيل لتغيير سلطة الأمر الواقع , ومحاولات البحث عن قوة تعيد صياغة العلاقة مع حزب الله وتحقق توازن بالمشهد السياسى بمثابة استثمار ضائع وورقة سرعان ما ستتبخر دون أن تخلف ورائها رذاذاً. لذا فإن انطلاق الحريرى لاستعادة ما فقده من نفوذ وشعبية لن يتحقق سوى بتخفيض مستوى التمثيل السعودي بالملف اللبناني.

إذن , ما الذى تغير فى لبنان عقب الانتخابات ؟ لا جديد قبل أو بعد الاستحقاق النيابي , إذ أن الداخل اللبناني لم يشهد أى تطورات منذ أحداث 7آيار 2008 عند ما تم استفزاز “حزب الله” باعتقال شخصية أمنية موالية له ,ليتحرك الحزب ,إبَان ذلك, عسكرياً ضد خصومه، لاسيما14 آذار و”تيار المستقبل”، في واحدة من أخطر الأحداث الميدانية عنفاًمنذ انتهاء الحرب الأهلية . فـ”حزب الله” يعتبر نفسه” دولة فوق الدولة”, وقد سبق وأعلنها نصر الله بلسان عربى مبين , لذلك هو لن يتهاون مع أي مساس بقضاياه الأمنية والعسكرية ولن يسمح بنزع سلاحه ,وسيظل صوت لبنان مسخراَ لتحقيق رغبات طهران وتطلعاتها بالمنطقة. خاصة وأن “نصر الله ” وأعوانه لديهم من الحنكة والذكاء السياسي ما يكفىلتمكينهم من أحكام قبضتهم على الصعيد الداخلى , بينما يقومون بتصدير صورة كرتونية مزيفة عن الديمقراطية اللبنانية إلى الأوروبيين بغية تأمين غطاء شرعى في المحافل الدولية.

لاشك أن تعديل قواعد اللعبة وآليات اتخاذ القرار في الداخل اللبنانييعنى نشوب حرب أهلية جديدة , وهو مالا يرغب به الجميع بما فيهم حزب الله ذاته , لذلك يظل أى تغيير حقيقى فى لبنان مرهوناً بحدوث تحول بالجبهة السورية وبسياسة طهران التى نجحت فى إيجاد موطىء قدم واحتلاله .

وبالرغم من قتامة الصورة وآلام السرد , لا تزال أمام اللبنانيين فرصة لخلق استراتيجيه تكفل الاستقلال والسيادة لوطنهم , لذا يتعين علينا جميعاً ألا نفقد الأمل والإيمان بما هو صحيح وعادل.