الرئيسية » تقارير ودراسات » مابين التخبط السياسي واحتمالات عودة داعش .. الحلقة المفرغة بالحالة العراقية
تقارير ودراسات رئيسى

مابين التخبط السياسي واحتمالات عودة داعش .. الحلقة المفرغة بالحالة العراقية

طلاسم الحالة العرقية اليوم أشبه برموز الكتابة السومرية على الألواح الطينية والمنحوتات الآشورية على صخور نينوى. حيث يبدو المشهد بالغ التعقيد فى ظل تضافر المتغيرات الداخلية و الإقليمية , ففي الوقت الذي عادت به مظاهرات البصرة  لتطفو على واجهة الأحداث مجدداً , يعصف بالمشهد السياسي فى العراق صراعات لا تهدأ لاستكمال الكابينة الوزارية فضلاً عن دخول الموصل دائرة الخطر واحتمالات عودة داعش .

إذ أن التقاطعات بين الكتل السياسية بشأن مرشحيها للحقائب الوزارية ما زالت معقدة، ولا توجد بوادر لتجاوزها خلال الفترة القريبة المقبلة  , فعلى الرغم من حراك عبد المهدي   لتفكيك الأزمة وتمرير الحقائب بصورة منفردة بشكل يحصر الخلاف بين القوى السياسية على حسم وزارتي الداخلية والدفاع بغية  تخفيف الضغط على الحكومة , غير أن النواب شبهوا مساعي رئيس الوزراء الحثيثة  لتمرير الحقائب الخمس ولو بصورة جزئية بالشراء عن طريق نظام التقسيط .و دعا النائب عن “سائرون”، رامي السكيني، رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى “عدم ممارسة دور الطبيب في ردهة الطوارئ”، رافضاً تشكيل الحكومة بـ”التقسيط المريح”. وأكد السكيني، أن “وجود حكومة تعطى بالجرعات يقابلها برلمان تتصارع داخله الكتل السياسية نوعا ما هو شيء حذرنا منه كما حذرنا من كتل أنانية وحزبية تحاول أن تملي على عبد المهدي وتريد أن تلوي ذراعه ووضعته بالفخ السياسي”، مشددا على “ضرورة أن يكون عبد المهدي قوي الارادة وأن لا يخضع لمزاجيات الأحزاب وأن لا يسمح بتمرير مرشحيهم .

ووافق برلمان العراق الاثنين على وزيرين جديدين في حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لكن استمرار الانقسامات السياسية أعاق محاولاته لاستكمال تشكيل حكومته فظلت حقائب الدفاع والداخلية والعدل شاغرة.وحالت الخلافات الشديدة، بين كتلة الإصلاح بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وكتلة البناء بزعامة هادي العامري دون استكمال تشكيل الحكومة الذي يشمل 22 وزيرا.وكان من المقرر أن يصوت أعضاء البرلمان على آخر خمسة مناصب وزارية شاغرة لكنهم وافقوا فقط على شيماء خليل وزيرة للتعليم ونوفل موسى وزيرا للهجرة قبل أن تعم الفوضى خلال الجلسة.

استمرار المنكافة بين القوى السياسية تجلت فى تهديدات مقتدى الصدر بقلب الطاولة على السياسيين العراقيين حيث كتب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، شدد خلالها ، على أنه لن يسمح بأن يدار العراق من خلف الحدود، لافتاً إلى أنّ البلد سيدار بـ”سواعد عراقية خالصة  فى تلميح شبه واضح إلى تحالف البناء المدعوم من إيران . وقال الصدر فى تغريدته التى ذيلها بهاشتاج “قرارنا عراقي” إنه “لن نسمح بأن يدار العراق من خلف الحدود، شمالاً أم جنوباً، شرقاً أم غرباً”، لافتاً إلى أنّ “العراق سيدار بسواعد عراقية وطنية خالصة، وبتحالفات نزيهة عابرة للمحاصصة”.

الصراع المتشعب حول شخص وزير الداخلية لا تغيب عنه إيران نظراَ لكون الحقيبة محل الخلاف تضم مفاصل الدولة المهمة من شرطة وحرس حدود وجوازات وجنسية ومنافذ حدودية وكل المفاصل الأمنية للأمن الداخلي ومن الممكن استخدامها في خرق العقوبات الأميركية على طهران لأنّها مكلّفة بحماية الحدود ومراقبة تنقّل الأفراد والسلع والأموال عبرها. ورفض زعيم التيار الصدري  والذي يخوض  منذ سنوات صراعا ضدّ عدد من قادة الأحزاب والميليشيات الأكثر ولاء لإيران,شخص فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي المرشّح الحالي لمنصب وزير الداخلية، و المقرّب من طهران .ومنذ العام2005 ومع تشكيل أول وزارة داخلية،  تضع إيران  يدها على وزارة الداخلية ولا تسمح لأي دولة التدخل بوضع وزير لهذه الوزارة ولابد أن تتوافر بالشخص المرشح  مواصفات معينة تناسب التوجهات الإيرانية وأجندتها في العراق، بحث لا تتعارض قراراته مع ما تريده طهران.

تعقيدات المشهد السباسي والمتمثلة فى عدم استكمال تشكيل الحكومة بعد ثمانية أشهر على الانتخابات انعكست فى استمرار مظاهرات الآلاف الذين تجمعوا في ساحات الاحتجاج وسط مدينتي بغداد والبصرة، وعلى الرغم من أن الاحتجاجات جاءت تلبيةً لدعوتين للتظاهر السلمي من قبل التيارين الصدري والمدني رفع المتظاهرين خلالها  الأعلام العراقية، مردّدين شعارات تندّد بالأداء السياسي السيئ، ورفضوا تسلل شخصيات متهمة بـ”الإرهاب والفساد” إلى الكابينة الوزارية الجديدة غير أن جميعها انتقدت انشغال الكتل السياسية بالصراعات فيما بينها على الحقائب الوزارية , فى حين تزداد حدة الأزمات على المواطنين من بطالة وفقر وتدنى بمستوى الخدمات . ويعاني العراق من مشكلة البطالة، ووفقاً للإحصاءات القريبة يأتي العراق في مقدمة دول الشرق الأوسط بنسبة بطالة تقدر بـ 59 في المئة من حجم قوة العمل و31 في المئة بطالة مؤقتة ونحو 43 في المئة بطالة مقنعة كما تقدر نسبة النساء العاطلات بـ 85 في المئة من قوة عمل النساء في العراق.

تجدد انتفاضة البصرة إحدى تأثيرات الحكومة المعلقة فعلى الرغم من أنّ حكومة عادل عبد المهدي، لم يمض سوى شهرين على انتخابها غير أن انشغال القوى السياسية أسهم فى اندلاع الاحتجاجات مرة أخرى, لاسيما وأن أياً من وعوده لم تتحقق , فالمحافظة النفطية تعد حجر الزاوية بالصراع الراهن   والتحدي الأكبر أمام  رئيس الحكومة لاسيما وأنها تعاني من أزمة الخدمات والبطالة وتلوث المياه وكانت الاحتجاجات بها  أحد أسباب الإطاحة برئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي, عقب خروج سكان المحافظة النفطية  بتظاهرات منذ أوائل 8 يوليو/تمور الماضي أدت إلى عنف وعنف متبادل بين المحتجين من جهة والقوات الأمنية ومسلحي الحشد الشعبي من جهة أخرى. وكان آخرها أول أمس الجمعة، حيث خرج المواطنون للاحتجاج على الفساد والمطالبة بوظائف وتحسين الخدمات العامة؛ ولجأت قوات الأمن العراقية لاستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين حاولوا اقتحام مبنى مجلس المحافظة . فضلاً عن تصاعد حدة الخلافات السياسية في المحافظة، بعد أن فتح رئيس مجلس المحافظة وليد كيطان، باب الترشح لمنصب المحافظ لمدة أربعة أيام، في محاولة لإنهاء حالة الوضع غير المفهوم للمحافظ الحالي أسعد العيداني, قد دفع البعض إلى ركوب الموجة الاحتجاجية الأمر الذي أفضى إلى تفاقم الأوضاع هناك.

عودة داعش أحد التداعيات المحتملة للصراع الدائر وتغييب تسمية وزيري الدفاع والداخلية  الأمر الذى قد يُدخل العراق أتون أزمة جديدة وذلك بالنظر لطبيعة الأوضاع الأمنية بالبلاد والتي لا تحتمل مزيداً من المماطلة فى ظل قلق السلطات العراقية من احتمال عودة عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى البلاد بعد قرار انسحاب الجيش الأميركي من سوريا، حيث طالب رئيس الوزراء العراقي الجديد، عادل عبد المهدي، وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو بضمانات لمنع عودة داعش من جديد إلى داخل الأراضي العراقية.حيث كشف تقرير لغرفة العمليات المشتركة لوزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان العراق، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة،أمس,  عن وجود تحركات جديدة لتنظيم “داعش” في بعض المدن العراقية.وذكر التقرير، أن “تحركات إرهابيي داعش بدأت في بعض المناطق العراقية خلال الأيام الماضية، بقتل واعتداء المسلحين على عشرات المواطنين”.وأضاف، أن “عمليات مسلحي داعش الأخيرة أدت إلى خلق حالة من عدم الاستقرار، ما تسبب في إعاقة الإعمار في المناطق المحررة في العراق والتي دمرها التنظيم”.

وتؤشر تقارير الأمم المتحدة والتحالف الدولي للحرب على داعش وغيرها من الدراسات  على استمرار العراق كبيئة حاضنة لتنظيم الدولة والذي لا يزال يحتفظ  بعدد كبير من كوادره مما يؤهله لإعادة التموضع مجدداً فى البلاد , إذ يكشف  آخر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أغسطس 2018، أن  ما بين 20 إلى 30 ألفاً من مسلحي تنظيم «داعش» لايزالون في العراق وسورية موزعين بالتساوي تقريباً بين البلدين، بما يعني أن هناك ما بين 10 و15 ألفاً من عناصر التنظيم في العراق، رغم هزيمة التنظيم وتوقف تدفق الأجانب للانضمام إلى صفوفه.ولا يختلف هذا التقدير كثيراً عن تقديرات وزارة الدفاع الأميركية الصادرة فى الوقت نفسه، التي قدرت العدد بنحو 30 ألف عنصر، ولعل هذا ما دفع شخصيات عراقية إلى التحذير من عودة داعش مثل مقتدى الصدر، الذي قال، في 21 نوفمبر 2018، أن «الموصل– المركز السابق للتنظيم في العراق- في خطر، فخلايا الإرهاب تنشط وأيادي الفاسدين تنهش».

وسط التخبط السياسي في بغداد ,وتجدد الاحتجاجات فى البصرة ,واحتمالات عودة داعش للموصل يبدو الوضع فى العراق   أقرب للدوران بحلقة مفرغة لا سبيل للفرار منها .