الرئيسية » تقارير ودراسات » مخاوف مشروعة .. رئيس موريتانيا يقلم أظافر الإخوان
تقارير ودراسات رئيسى

مخاوف مشروعة .. رئيس موريتانيا يقلم أظافر الإخوان

ظلال تجارب الماضي بإخفاقاتها المتكررة لم تستطع أن تمنع جماعة الأخوان المسلمون من السقوط فى بئر الأخطاء ذاتها ,مجددا,  إذ يعكس النهج الذي يتبناه فرع التنظيم في شمال غرب أفريقيا وتحديداً داخل موريتانيا إصرارهم على المضي قدما في سلك نفس المسارات التاريخية  والتي ثبت فشلها عملياً  .

تلويح الرئيس الموريتاني بامتلاكه ملفات تدين “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” والمعروف باسم تواصل لاسيما فيما يتعلق بورقة “التمكين “عبر التسلل لمفاصل الدولة وإمكانية حل الحزب الإسلامي بناء على تلك المعطيات كان بمثابة ضربة موجعة للجماعة والتي دأب أعضائها على خلط الأوراق وإثارة الشارع الموريتاني . وكان الرئيس  محمد ولد عبد العزيز قد صرح في حديث صحفي نشرته وسائل إعلام: “ليس من الطبيعي أن يستخدم حزب واحد الإسلام ويحتكره، هذا غير مقبول، ولن يكون مقبولاً في المستقبل”، ولم يستبعد اتخاذ إجراءات ضد حزب التجمع الوطني للإصلاح “تواصل” ، مؤكداً أن اتخاذ الإجراءات سيتم في حينه.وأضاف قائلاً: “المآسي التي تسببت فيها الحركات الإسلامية المتطرفة للعرب والمسلمين أكثر من القتل والمآسي التي تسببت فيها إسرائيل للفلسطينيين وللعرب في ثلاث حروب خاضتها معهم”.

ملف التمكين الذي استند عليه الرئيس الموريتاني في حديثه ليس جنوحا بالقول أو معادلة ذات أبعاد تآمرية , فالمتتبع لتراث الجماعة سيجد ثمة تشابه مع خطة مماثلة للتنظيم الأم سبق الكشف عنها فى التسعينات من القرن الماضي , وتتكون من جزءين الأول  تطلق عليه الجماعة التكوين , فيما يحتوى الثاني على رسم تخطيطي بمدى زمني محدد يتم خلاله التغلغل داخل مؤسسات الدولة بما فيها القضاء والشرطة , ولعلها لم تكن مصادفة أن يطلق الشيخ محمد الحسن ولد الددو مسمى “تكوين” على المركز الذي يرأسه، وأصدر الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، قراراً بإغلاقه أواخر الشهر الماضي.

إجراءات ولد عبد العزيز  لتقليم أظافر الأخوان تضمنت قراراً بإغلاق جمعية “المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم” التى تم إنشاؤها عام 2008، والتى استخدمها التنظيم لتحقيق مصالحه السياسية.  كما سحبت السلطات، أواخر الشهر الماضي، ترخيصاً كانت قد منحته لجامعة “عبد الله ياسين” التي يهيمن عليها تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا، ما فسّره البعض بأنه يأتي ضمن حزمة من الإجراءات التي وضعها ولد عبد العزيز لقصقصة أجنحة الجماعة العلمية والمالية، تمهيداً لحل واجهة الإخوان السياسية “تواصل”، وربما حظر نشاط الجماعة نفسها

 

مخاوف الرئيس من اختراق التنظيم  للحياة السياسية  لا يمكن قراءتها بمعزل عما  تشهده الساحة السياسية في موريتانيا من تجاذبات مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في العام المقبل 2019، حيث يعتزم تنظيم الإخوان المشاركة بها  سواء عن طريق التحالف مع الغير أو عبر الدفع بمرشح مستقل .ونظراً لكون الجماعة  في موريتانيا محسوبة على المعارضة،ولها تراث حافل بالصدامات مع الحزب الحاكم؛ فإنها تسعى لخوض الانتخابات الرئاسية عن طريق التحالف مع شخصية عسكرية تضمن تواجدهم بالساحة السياسية، لهذا يسعى التنظيم  الإخوان، إلى التحالف مع الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، قائد الجيش الموريتاني ,والذى اشترك مع الرئيس الحالي في الانقلاب على الرئيس الأسبق محمد ولد الشيخ عبدالله، ويتمتع بشعبية كبيرة في الشارع الموريتاني، ومع احتمال  تقاعده في نهاية العام الحالي, تصبح الظروف مهيأة  لترشحه للرئاسة، مما دفع الجماعة إلى المسارعة للتحالف معه طمعًا في توفيره الحماية اللازمة لعناصرها. وقد تناقلت الأوساط السياسية الموريتانية، نبأ اتفاق الفريق محمد الغزواني وحزب تواصل , بشكل سري على دعم الحزب لـ”الغزواني” في رئاسية 2019، مقابل موافقة الأخير على بعض الشروط،.وتضمن الاتفاق أيضًا، عدم مشاركة “تواصل” في أول حكومة يشكلها “الغزواني” حال فوزه بالرئاسة، مع احتفاظ الحزب بحقه في طرح أسماء قد تساعد في تشكيل حكومة تكنوقراط.

الانتخابات الأخيرة تؤشر على صدق مخاوف الرئيس ولد عبد العزيز من توغل التنظيم وسيطرته على مفاصل الدولة  , فعلى الرغم من أن الجماعة كانت قد أعلنت عن عزمها مقاطعة الانتخابات البلديَّة والنيابيَّة والرئاسيَّة، لأسباب مازالت قائمة: منها ديكتاتوريَّة النظام والتضييق على الشعب الموريتاني، حسب زعم أفرادها غير أنها سرعان ما تراجعت وألقت بثقلها فى المعركة  حيث بالغت فى استعراض قوتها، عبر السلاسل البشرية والتي لم تفلح في إبراز قوة التنظيم داخل موريتانيا بقدر ما أثارت الشكوك  حول مصادر قدرتها المالية في ظل بلد يعانى ت من الفقر وموارده محدودة .

التسريبات المتواترة تربط بين القدرة المالية للجماعة والعلاقة الوطيدة التي  تجمع الزعيم الروحي لأخوان موريتانيا , محمد الحسن ولد الددو، بقطر، والقيادي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه يوسف القرضاوي إذ أن التنظيم متهم بإقامة علاقات سرية مع تركيا وقطر وقد راهنت الأولى على تحقيقه فوز كاسح فى الانتخابات غير أن منى بخسارة فادحة وفاز الحزب الحاكم بالأغلبية ، وقد قدرت صحيفة “الجمهورية” الموريتانية أن حزب “تواصل” تلقى 12 مليون دولار لتمويل الحملة الانتخابية من جهات ومنظمات إخوانيه في قطر وتركيا، تم تحويلها على حسابات بعض تجار التنظيم فى موريتانيا وأنجولا

ومع أن حضور الجماعة في  موريتانيا يعود إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت  الجماعة الإسلامية هى أول تنظيم للتيار حيث خاض  التيار الإسلامي الانتخابات البلدية في عام 1990، وعندما صدر القانون المنظم للأحزاب في 25 يوليو 1991 تقدموا بطلب تأسيس حزب سياسي لكن السلطة رفضت؛ فانخرطوا في المعارضة السياسية لنظام الرئيس معاوية ولد الطائع، وبعد سقوط هذا النظام عام 2005 حاولوا مجددًا دخول المعترك السياسي، فأنشأوا حزب الملتقى الديمقراطي (حمد) ثم حركة “الإصلاحيين الوسطيين”، وأخيرًا تجربة حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، وجميعها تعمل اليوم تحت الإطار القانوني.تأسس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل» في أغسطس 2007، وهو ما دعم الشرعية الحزبية والتطور للتيار الإسلامي، وتحول نشاط جماعة الإخوان من إطار السرية إلى العلنية

لكن ذلك لم يمنعهم من تشكيل تنظيم سري, ولم يحول دون سخط  الشارع الموريتاني على الأداء السياسي للجماعة والتي لم ترضخ  للمطالبات بفصل ما هو دعوي وديني عما هو سياسي وقد انعكس ذلك فى إطلاق  بعض الناشطين مؤخراً , حملات لفضح حزب تواصل وتقديمهم أدلة على تلقيه  تمويلات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات من جهات ومنظمات إخوانيه فى قطر وتركيا، مستغلة هامش الحرية المتاح في موريتانيا لمنظمات المجتمع المدني.فضلاً عن ارتفاع الأصوات المحذرة من خطورتهم على وحدة المجتمع والمطالبة بحل حزبهم السياسي

إخوان موريتانيا خرجوا من عباءة التنظيم الدولي لذلك لا تحظى شعاراتهم حول الديمقراطية والتعددية الحزبية بأي قبول شعبي ، لاسيما وأن الجميع يدرك أنها بالنسبة لهم مجرد وسيلة لاعتلاء هرم  السلطة.