اليوم ,وبعدما بدأ المتظاهرون بلبنان فى التعرض للضغوط والتهديدات التى سبق وحذرنا منها , باتوا يلتمسون مساراً خاطئاً ,إذ يطالبون بتشكيل حكومة تكنوقراط وكأنها ليست الحل المبتكرفقط , بل والفريد من نوعه للأزمة الراهنة , وتناسوا أو ربما غضوا الطرف أن تلك الحكومة التى ينادون بها الآن سوف تولد من رحم الأحزاب والنخبة الحاكمة التى طالبوا على مدى ما يقارب الثلاثة أشهر بإقصائها .
إن تلك الأحزاب هى صاحبة براءة اختراع حكومة التكنوقراط بامتياز ولنعد قليلاً للوراء ,حيث تحوى سجلات التاريخ وقائع مماثلة , إذ طالما شهد لبنان أزمات متكررة وعندما كان الوضع يصل إلى مرحلة الانسداد الكامل , يجرى الترويج من قبل النخبة السياسية لفكرة تشكيل حكومة تكنوقراط باعتبار أنها الحل السحرى للمأزق .
لكن ثمة أسئلة تطرح نفسها على طاولة المشهد المهترىء , بإلحاح , لعل أبرزها ماذا يمكن أن يفعل التكنوقراط وسط ركام الفساد المستشرى بكل مؤسسات الدولة ؟ وأى فارق نوعى يمكن أن تحدثه تلك الحكومة فى ظل سيطرة حزب الله والذى يعتبر نفسه دولة فوق الدولة ؟ وكيف يتثنى لها العمل وسط نظام أقل مايوصف به أنه مافيا تهدد موظفى الدولة بالقتل إذا لم يقبلوا الرشوة ؟
لذا فإن تشكيل حكومة من التقنيين المستقلين لن يغير من الأوضاع المتردية بالأساس, ومع كامل احترامى لوجهة نظر رجل الأعمال الإماراتى خلف الحبتور والذى دعا فى تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعى تويتر إلى تشكيل حكومة من التكنوقراط والمستثمرين لإنقاذ لبنان , لكن أليس سعد الحريرى والصفدى رجال أعمال ؟ فكل الحكومات المتعاقبة على لبنان كان معظمها تقريباً و من رجال الأعمال.
التغير المرجو بالمشهد اللبنانى لايمكن إحداثه عبر تشكيل حكومة من التكنوقراط أو الاقتصاديين , فلبنان يحتاج إلى حل سياسى بالمقام الأول , ومن ثم يتم بناء مؤسسات وكيانات جديدة , بيد أن هذا لايمكن توقعه على المدى المنظور والبعيد , إذ ستبقى الأمور ترواح مكانها وستظل سلطة الجيش مهددة طالما نتمسك بنفس النهج القديم ,المتمثل بسياسة استبدال الوجوه ليبقى النظام .
فإذا ما شكلنا حكومة من أقوى التقنيين المستقلين لن تستطيع بأى حال من الأحوال, فك طلاسم المشهد المعقد , لأنهم ببساطة شديدة , عندما يصلون إلى نقطة التصادم أو مرحلة اتخاذ قرارات سيادية تتعلق بالوضع الأمنى وتمس مصالح حزب الله والقوى الخارجية الموالى لها ,سيقعون تحت طائلة الضغوط والتهديدات , وربما يتعين عليهم الاختيار بين أمرين كلاهما مر , الهجرة أو القتل , إما الرضوخ الكامل لمطالبهم .
هنا لابد من الالتفات أيضاً إلى أن أى تكنوقراط سيكون لديه بحكم تركبية المجتمع اللبنانى ميول سياسية قد تؤثر بطبيعة الحال على قراراته ومن ثم يجب التركيز والبحث عن مخرج دائم وحقيقى للأزمة وليس ترقيع المشهد من خلال الوزراء التقنيين ومحاولة تسمية سمير الخطيب رئيساً للحكومة ,حيث يبدو الأمر كنوع من الالتفاف على مطالب المحتجين وذلك فى ظل التفاهمات الدولية والإقليمية على استمرار الوضع فى لبنان كما هو دون أى تحول جذرى. .
إن ما يحتاج إليه لبنان فى اللحظة الراهنة هو مسار إجبارى نحو الحل السياسي والذى تبدو فرص حدوثه ضئيلة للغاية ,لذا يظل الرهان معقوداً على أمرين إما اصطفاف الجيش باعتباره المؤسسة السيادية إلى جانب الشعب أو تغيير بنية النظام الإيراني وهو مايبدو مستبعداً فى ظل عدم وجود رغبة لدى المجتمع الدولى فى إسقاط الملالى .لهذا تبقى المخاوف مشروعة إزاء انتقال موجة القمع من العراق إلى لبنان
اضف تعليق