الرئيسية » تقارير ودراسات » مستقبل سوريا عند مفترق طرق حاسم
تقارير ودراسات رئيسى

مستقبل سوريا عند مفترق طرق حاسم

بعد أكثر من عقد من الحرب والانهيار، تقف سوريا اليوم على عتبة مرحلة مفصلية من تاريخها، تتأرجح فيها بين آمال إعادة البناء وخطر الانزلاق مجددًا نحو الفوضى. فالبلاد، التي أنهكتها سنوات من الاقتتال والتدخلات الإقليمية والدولية، تشرع الآن في محاولة جديدة لإعادة صياغة مستقبلها السياسي، في ظل تحديات أمنية واقتصادية وإنسانية متفاقمة.

سلطة انتقالية… ومشروعية متنازع عليها

الحكومة الانتقالية التي تم تشكيلها برئاسة أحمد الشرع، تواجه صعوبات كبيرة في كسب ثقة الداخل السوري. رغم إعلانها خطة دستورية تمتد لخمس سنوات، فإن فئات واسعة من المعارضة السياسية والعسكرية تعتبرها استمرارًا لنهج الإقصاء، ما يعوق بناء توافق وطني حقيقي. حالة الترقب في الشارع يقابلها غليان في مناطق متعددة، وسط تساؤلات عن مدى قدرة هذه الحكومة على اجتياز المرحلة دون الانزلاق إلى صراع جديد.

تصاعد المواجهات… وخطر التفكك الأمني

على الأرض، لا تزال الجبهات مرشحة للاشتعال في أي لحظة. في الجنوب، تشهد محافظة السويداء اضطرابات دامية ذات طابع طائفي، أودت بحياة العشرات، فيما اندلعت مواجهات مسلحة في مدن الساحل السوري بين مجموعات محلية والقوات الحكومية. المشهد الأمني يبدو هشًا، والدولة تبدو غير قادرة على بسط سيطرتها الكاملة، ما يفتح الباب أمام عودة قوى ما قبل الدولة.

اقتصاد على شفا الانهيار

الوضع الاقتصادي يضغط بشدة على الحياة اليومية للسوريين. الرواتب لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، والأسواق تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، بينما تتآكل القدرة الشرائية مع كل يوم جديد. لا بوادر حتى الآن على أي حزمة إنقاذ مالي داخلي أو خارجي، ما يُنذر بانفجار اجتماعي في حال استمرت الأزمة بلا حلول ملموسة.

الواقع الإنساني… جيلٌ في مهبّ الريح

على الصعيد الإنساني، تبدو الصورة قاتمة. الملايين لا يزالون في حاجة إلى مساعدات عاجلة، والبنية التحتية الصحية والتعليمية في حالة شبه انهيار. الأطفال خارج المدارس، والمستشفيات بالكاد تعمل، فيما ترتفع معدلات الهجرة والنزوح من جديد. المجتمع الدولي يراقب بصمت، والدعم الإغاثي يتراجع عامًا بعد عام.

سيناريوهات مفتوحة… وأمل مشروط

سوريا الآن أمام سيناريوهين رئيسيين:

  • الأول: انتقال تدريجي نحو الاستقرار، إذا ما نجحت الحكومة الانتقالية في إطلاق حوار وطني شامل، وبناء مؤسسات جامعة، وتأمين دعم خارجي حقيقي يعيد تشغيل عجلة الاقتصاد والخدمات.

  • الثاني: عودة إلى الفوضى، إذا استمرت حالة الانقسام السياسي واحتدمت الصراعات المحلية، مع غياب خطة اقتصادية واضحة وازدياد الضغوط المعيشية، ما قد يؤدي إلى تفكك فعلي في بعض المناطق وخروجها عن سلطة الدولة.

سوريا تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم. والقرار لا يتعلق فقط بموازين القوى السياسية، بل بقدرة هذه الدولة المنهكة على النجاة، والبقاء، وإعادة تعريف ذاتها في وجه عواصف الداخل والخارج.