يعد كوفيد-19 أحد أكبر التحديات التي واجهها العالم منذ عقود مضت ، حيث يقارن البعض تأثيره بما خلفته الحرب العالمية الثانية. نظرًا لأن عدد الحالات المؤكدة يتجاوز 1.5 مليونًا فضلاً عن أن الأنباء عن حالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وكونه في العناية المركزة تبدو محيرة ، ومع ذلك فإن هذا الوباء لن يكون نهاية العولمة كما يزعم البعض .إذ ربما يمثل حافزاً لبعض الاتجاهات السابقة ، مثل المنافسة والفصل بين الولايات المتحدة والصين ، لكنه بالوقت ذاته يطرح فكرة الحاجة إلى المزيد من الشفافية والتواصل العالمي والتعاون بين الحكومات.
في الواقع كان للتعتيم ونقص التواصل وإخفاء الأرقام نتائج كارثية. إذ تكشف نظرة عامة سريعة على التفاعلات الحكومية المختلفة أنه كلما تم التوسع في من البيانات ، كلما ارتفعت إمكانات التصدي واتخاذ إجراءات أفضل ضد الفيروس. وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط ، يمكن الترجيح أن معظم الدول ، وخاصة دول الخليج ،كانت على مستوى الحدث والتزمت الشفافية في إجراءاتها وتقاريرها ، في حين تبنت إيران نهجاً اتسم بالتحدي تجاه الفيروس ، كما لو كان عدواً سياسياً أو مؤامرة. وقد جاء ذلك على حساب العديد من الأرواح وارتفاع وتيرة عدم الاستقرار في المنطقة.
ومع ذلك ، لمسنا بعض التطورات الإيجابية في المنطقة ،والتي تحمل إشارات هامة , بما في ذلك حقيقة أن الإمارات ساعدت إيران على مواجهة الوباء. بالإضافة إلى وقف إطلاق النار من جانب التحالف العربي في اليمن ، وتخصيص السعودية 500 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لليمن ، والتي ستساعد في حماية جميع اليمنيين – بمن فيهم الحوثيون المدعومون من إيران على التصدي لـ”كوفيد-19 “.
غير أن هذا لسوء الحظ ، لم يغير من نهج الحكومة الإيرانية وسياسة التعتيم في مواجهة الوباء ، إذ يبدو أن جل تركيزها منصب على جدول أعمالها السياسي الإقليمي وتوظيف الوباء لكسر عزلتها ، الأمر الذي ترجم إلى الضغط من أجل تخفيف العقوبات الأمريكية بدعم من الاتحاد الأوروبي ومطالبة صندوق النقد الدولي بقرض طارئ. لاشك أن ذلك أمر مؤسف ، لأن الشفافية والتعاون مع دول الخليج كان يمكن أن تساعدهم جميعًا على التحرك بشكل أسرع لإنقاذ الأرواح. لاسيما أنه في الأوقات الصعبة ، من المعروف جيدًا أن المملكة العربية السعودية والإمارات تقترحان مبادرات غير مشروطة ،تعكس حسن النية بين الجيران . وفي هذه الحالة ، وبمزيد من الشفافية من النظام الإيراني ، كان بإمكانهم صياغة استجابة إقليمية وتقديم نفس مستوى الرعاية المقدمة لمواطنيهم والمقيمين في بلادهم للشعب الإيراني.
إن ما يجرى يحمل مؤشرات على أن هناك فرصة مواتية للنظام الإيراني لإحداث تحول نوعي في العلاقات الإقليمية. ومع أنه ربما يكون محض أمنيات الاعتقاد بأن إيران ستستجيب خاصة إذا ما تطلعنا إلى أجندات وتاريخ نظام طهران. غير ان ذلك لا يعد المستحيلات . فقد أثبتت الأزمة الراهنة أن الدول العربية لا ترغب بسوء ولا تبحث عن مواجهة مع إيران. بل على النقيض تماما. وبما أننا جميعًا نواجه نفس العدو غير المرئي ، فإن الوقت الحالي هو الأنسب لإيران لفك الارتباط مع الملفات الإقليمية التي لا تهدد أمنها القومي – على غرار اليمن ولبنان – والتركيز على تنمية الداخل . إن أفضل طريقة لإيران لكسر عزلتها هي التراجع عن محاولات التمدد وبرنامجها النووي واتباع سياسة خارجية أكثر شفافية تقوم على مبدا حسن النية . لكن , لسوء الحظ ، يبدو أن إيران عالقة في نموذج الثمانينيات ، حيث يحل كوفيد -19 محل صدام حسين.
نظرًا لأن عمليات الإغلاق لها تكلفة اقتصادية باهظة على الصعيد العالمي ، فقد أصبح عدم اليقين عاملاً سلبيًا ثابتًا ومحفزًا للانكماش. وهذا يترجم إلى أسئلة صعبة وغير مجاب عنها لكل بلد: ماذا يأتي بعد انتهاء سياسات الحجز إذا استمرت الحالات الجديدة في الظهور؟ ماذا لو استغرق الأمر وقتًا أطول من المتوقع؟ ماذا لو ارتفعت الأرقام بعد كل هذه الإجراءات مرة أخرى في سبتمبر؟ كيف يتم إعادة فتح الاقتصادات مع التأكد من بقاء الناس في أمان؟ من الواضح الآن أن استمرار عمليات الإغلاق سيكون لها تأثير كارثي على اقتصادات البلدان ، الأمر الذي سيستغرق سنوات لإعادة البناء. مع تفكك ارتفاع البطالة والشركات ، يمكن أن يؤدي ذلك بسرعة إلى عدم الاستقرار الاجتماعي ، إن لم يكن فوضى تامة أو حربًا.
لذلك ، ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي للعمل الحكومي هو التعامل مع هذا الغموض والذى يعد الفيروس الأكثر خطورة. حيث كان فيروس عدم اليقين دافعاً جعل الناس في البلدان المتقدمة يقاتلون من أجل ورق التواليت واندفعوا للتخزين كما لو كان العالم ينتهي. العالم لن ينتهي؛ وستعبر الإنسانية الأزمة . ولكن هناك حاجة فورية لمزيد من الشفافية والجهود المتضافرة بين الحكومات والقطاع الخاص من أجل التعامل مع السيناريو المحتمل للفشل الجزئي لسياسات الاحتواء أو ظهور موجة ثانية من الحالات في وقت لاحق من هذا العام. سيحتاج العالم إلى إعادة فتح أبواب العمل بحلول نهاية أبريل والبقاء مفتوحًا مع الحفاظ على سلامة الأشخاص قدر الإمكان. قد تكون السويد وكوريا الجنوبية بمثابة أمثلة ، حيث سارت في الاتجاه المعاكس ولم تفرض سياسات احتجاز صارمة.
في الشرق الأوسط ، ستكون الأشهر القادمة حاسمة ويمكن طي الصفحة الراهنة وبدء أخرى جديدة تمثل بداية لبناء منطقة جديدة. إذ أن اتباع نهج إقليمي لخطة مارشال في مرحلة ما بعد الوباء يمكن أن يدفع إلى تحقيق الرخاء في المنطقة برمتها .و لكي ينجح ذلك، تحتاج إيران إلى نبذ سياسات التعتيم التي تغرسها.
الفرصة حقيقية ، ونحن نقف بين الشرق والغرب ، بين الصين والولايات المتحدة. يجب أن تكون المنطقة أرضًا للشراكات وفرص العمل والمصالحات والازدهار ، وليست تربة خصبة للحروب بالوكالة التي لا نهاية لها. أظهر ولي العهد محمد بن سلمان عزم المملكة العربية السعودية على الدفاع عن المصالح الإقليمية وقدرتها على مواجهة التحديات الكبرى دون التحول عن أهدافها. واتضح ذلك بشكل خاص مع الاستعدادات لمجموعة العشرين ، بالإضافة إلى التركيز على مفاوضات أوبك + واتخاذ القرارات الملائمة في الوقت المناسب لمحاربة كوفيد -19.
وعلى نطاق أوسع ، كانت دول الخليج شفافة للغاية وذات نظرة مستقبلية بشأن التحديات المقبلة , فقد خصصت مليارات الدولارات لدعم القطاع الخاص. هذه الشفافية ، مع قيادة مركزة ، هي إطار جيد وجدير بالثقة لكى تنضم إليه طهران … الكرة الآن في ملعب النظام الإيراني .
الرابط الأصلى للمقالة :https://www.arabnews.com/node/1655956
اضف تعليق