الرئيسية » تقارير ودراسات » من خلف الواجهات البراقة ..ماذا تريد حماس من مسيرات العودة ؟
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

من خلف الواجهات البراقة ..ماذا تريد حماس من مسيرات العودة ؟

في الشرق الأوسط أينما ولّيت وجهك.. كل شيء قابل للانفجار فالسحابة السوداء التي تنمو فوق سماء قطاع غزة تتشابك مع الوضع في سوريا والضغوط الدولية على إيران وتعتبر بتكوينها السياسي والعسكري خنجرا في المنظومة الأمنية الإقليمية ,حلقة متصلة من صراع دائر تشكل السياسة المعممة والدين المؤلدج أهم مفرداته.

السياق الفلسطيني ومن خلفه القوى الدولية رهينة توسع نفوذ حماس والحركات الإسلامية إذ أن الصراع المحتمل فى مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس سينشأ بين أطراف على نفس القدر من الوزن السياسي وبالتالي فإن ترتيب البيت الفلسطيني ستكون تكلفته عالية لاسيما وأن بعضهم لدية فصائل مسلحة ترابط حول الضفة الغربية لذلك سنجد أنفسنا أمام سيناريوهين لا يقل أحدهما في خطورته عن الآخر إذ أن كليهما سيفرض التعامل مع حماس باعتبارها سلطة الأمر الواقع . ففي حالة الانتقال السلسل للسلطة  فإن القيادة الجديدة بلا شك ستكون أضعف بالمقارنة مع أبو مازن في مواجهة حماس .فى حين يدور الثاني حول احتمالية  أن تقفز حماس على الأوضاع وتستولي على الضفة برمتها .

تعاظم قوة حماس في غزة والضفة ، ناهيك عما قد تخبئه المرحلة المقبلة  في ظل غياب أبو مازن  قد تقلب المشهد الفلسطيني رأساً على عقب، وهوما سينعكس بالإيجاب على حجم الإخوان المسلمين في الأردن التي تعتبر المعارضة الأكبر حجماً والأوسع  تأثيراً هناك , حيث أن تواجد حماس بالضفة قد يفضى إلى تعزيز وضع الحركة الأم بعمان في ظل الارتباط العضوي والتاريخي بين الجماعة وحماس والتي تسيطر بشكل فعلى على قرارات الأخوان في الأردن  فضلاً على أن وجود دولة إسلامية على حدود المملكة مع الضفة الغربية يمكن أن تتحد مع إخوان الداخل وتشكل تهديدُاً لأمن المملكة , هذا إلى جانب كونها عبئاً على علاقة الأردن إسرائيل وأميركا وحلفاء آخرين .

العلاقة بين عمان وحماس اتجهت نحو التدهور عقب اتهام مجموعة من الأردنيين معظمهم من الإخوان بتهم تتعلق بالإرهاب كتجنيد أشخاص لصالح حماس وتلقيهم تدريبات عسكرية في معسكرات تابعة للحركة  الأمر الذي اضطرهم إلى فك ارتباطهم مع غزة   خشية الدخول إلى آتون نار مستعرة لا يمكن إطفائها وشرعوا  في بناء أطر جديدة من مع أنقرة على نحو يقطع الطريق أمام أى تحالفات محتملة مع الإخوان بالداخل وبشكل يضمن كذلك التفاوض على شروط أفضل في أية تسوية للمنطقة.

حيث شهدت العلاقات التركية الأردنية تطورات متلاحقة ولافتة بعد التفاهمات التي توصل لها البلدان حيال الموقف من القدس، كما كشفت زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الأردن عن انفتاح لافت في بين الجانبين ,فصعود نجم أردوغان كرئيس للوزراء، منذ العام 2003، ورئيساً للدولة منذ العام 2014 ،أخذت العلاقات طابع الفتور  نتيجة  التباين شديداً في الرؤى والمواقف تجاه الملفات الإقليمية، بخاصة في مرحلة الربيع العربي، وما بعدها, لكن امتلاك أنقرة لنفوذ واسع فى أوساط جماعة الإخوان دفع الهاشميون إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية, على سبيل المثال لا الحصر هناك مشاورات تركية أردنية على تحويل ميناء العقبة إلى مركز للصادرات التركية إلى أفريقيا وهذا مؤشر على أن تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الحانبين قد يعزز من التفاهمات السياسة ويزيد من  التناغم ومستوى التنسيق .

واتسمت بين الأردن والحركة  بالتقلبات خلال العقود الماضية وقد عمدت الحركة الإسلامية إلى استغلالها للتغلغل داخل النسيج الفلسطيني بالمملكة الهاشمية وجندت المئات منهم للقيام بعمليات ضد إسرائيل الأمر الذي أحرج القيادة السياسية بالمملكة  وزادت حدة التوتر في أعقاب الربيع العربي حيث تأكد للنظام الأردني وجود دور لحماس من خلال  جماعة الإخوان في تحريض الشارع فقد كانت حماس ترى في الحراك فرصة ذهبية لصعود الإسلام السياسي .

الشهية السياسية الزائدة في الاحتجاج لدى الأخوان برزت في المظاهرات الأخيرة بالأردن  والتي عملت على  تسييسها وإخراجها من سياقها الاجتماعي والاقتصادي  بدفع الأردن إلى تغيير سياسته في التعاطي مع الأحلاف الإقليمية. فقد ركبت الجماعة على الاحتجاج بشكل مفضوح حين طالبت بالإصلاح السياسي. وأكد بيان للجماعة أن “الحل الجذري والفعال لمشكلاتنا اليوم هو بتغيير النهج وليس مجرد تغيير الأشخاص والوجوه” فى محاولة لاستثمار الأزمة وإبعاد عمان عن عمقها الخليجي ودفعها نحو الارتباط  بإيران وقطر. نجاح الأردن بالحفاظ على أمنه يتمثل بتفتيت التنظيم ، وفك العلاقة مابين إخوان الأردن وحماس

الخطابات النارية والشعارات الطنانة التي رفعها هنية العائد بقوة إلى  حضن الملالي ومعه حركة الجهاد الإسلامي  المدعومة من الحرس الثوري ,ألهبت مشاعر الشباب ودفعتهم تحت مسمى الزحف الهادر نحو  القدس إلى اجتياز السياج العازل غير عابئين بالأرواح  والخسائر البشرية باهظة الثمن إذ تشير الإحصاءات إلى استشهاد نحو 120 فلسطينيا وأكثر من 13200 جريح, المنافسة المعلنة بين الجانبين أرغمت  يحيى السنوار  والذي راقب عن كثب عبر خطوطه الجانبية حركة الجهاد الإسلامية وهى تطلق قذائف الهاون وتسرق مجده , إلى تغيير سياسته ليقرر على الفور المشاركة في عملية إطلاق القذائف من قطاع غزة

لكن ثمة اشتباه مشروع وجائز في  إدراج عملية  إطلاق الصواريخ  تحت طائلة الاستجابة للإملاءات الإيرانية التي تخضع لضغوط دولية إثر إلغاء الاتفاق النووي وتمارس وإسرائيل مناوشات عسكرية على أرض الجولان  ,فبينما تتجنب طهران دخولها فى مواجهة مباشرة  مع تل أبيب ويتبع حزب الله سياسية النأي بقوته العسكرية إذ لم يطلق قذيفة واحدة على إسرائيل عقب الانتفاضة الثانية (2000-2005) ولا إبان الحروب الإسرائيلية الثلاث على غزة (2008 و2012 و2014), تأخذ حماس والجهاد  الشعب الفلسطيني نحو تنفيذ أجنداتهم السلطوية أو الإقليمية وتدفعه لخوض غمارك معارك بالوكالة عن حلفائها فى طهران هدفها بالأساس الضغط على إسرائيل .

ما بين موجات من  المد والجزر تتراوح العلاقة بين طهران وحماس لكنها أبداً لا تنفصم عراها ,  فحين عارضت حماس انحياز إيران للنظام السوري أجبرتها طهران على الثمن وقامت بتقليص دعمها المالي والعسكري لكنها أبقت بذات الوقت على شعرة معاوية التي تحفظ لها حق العودة  . ترميم  التحالف بين حماس وما يترتب عليه من دعم مالى سوف يسمح للحركة بتجاوز أعبائها المالية واستئناف تقديم الخدمات للسكان فضلا عن استعادة موقعها الإقليمي كرمز للمقاومة,  كما يمكن إدراجه وتصنيفه ضمن الخطوات الانتقامية , إذ  يبدو أن حماس المصنفة إرهابية في الخليج والمعاقبة بقوانين أميركية، تحسست ما يجري حولها فكلما ضاق عليها الدعم العربي أو الخليجي عاودت سيرتها الأولى وفتشت بدفاترها عن خطوط الانقسام التي تتيح لها العودة إلى راعيها  القديم كرد فعل على التجاهل العربي

في حين تراهن إيران على أن تجديد العلاقات مع حركة المقاومة الإسلامية سوف يمكنها من استعادة نقطة قوية على خط الجبهة , فحماس تمسك بقرار جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وتشكل غالبيتهم. وتقيم في قطر أيضا، كما يرتبط قادتها بعلاقات وثيقة مع أنقرة ولاسيما حزب العدالة والتنمية الحاكم ، ولتركيا تأثير ونفوذ كبير في أوساط جماعة الإخوان المسلمين السوريين، وهذه كلها قنوات صار فتحها ممكنا,صحيح أن إيران لديها ثقة تامة فى  أنها لن تؤتى ثمارها على المدى المنظور غير أنها فى كل الأحوال تبث رسائل قوية حول إدراك الملالى بأن الحرب لن تكون فى صالحهم وأن تلافى بعض خسائرها يستوجب امتصاص بعض تبعات التصميم الأمريكي الإسرائيلي على تحجيمها وعودة حماس إلى المحضن الإيراني يعنى استرجاعها لورقة ضغط وتفاوض داخل جبهة جديدة مشتعلة ناهيك عن التواجد داخل بؤرة صراع معلق شأن معظم جبهات طهران .

التحالف الإيرانى التركى القطرى، بمباركة حماس والذى أراد أن يصبح شوكة فى حلق الدول العربية،قد يسهل من التخلص  من حكم الحركة  فاستناداً إلى مبادرة السلام العربية والتى تظل المرجعية الأولى التي يمكن على أساسها تحقيق السلام بين الفلسطينيين وفى إطار مجريات الأحداث بمنطقة تمتلك الكثير من دياميكيات التحول يمكن تشكيل حلف فلسطيني عربي تقوده أمريكا على أن يكون الجانب الفلسطيني المشارك به  على الأغلب خليفة الرئيس محمود عباس وليس أبو مازن نفسه  وسيتم تحرير غزة على طريقة تحرير الموصل بعد فتح ممر للفلسطينيين للهروب

حماس وضعت الملح على جروح القطاع وتريد استمراره مشتعلاً , فبالرغم من أن مسيرات العودة التي أخرجتها الحركة على السياج الحدودي لن تحدثاً فارقاً كبيراً بالمشهد أو القضية الفلسطينية غير أنها حققت بعض غاياتها على الصعيد الداخلي  إذ تعمد الحركة إلى قلب الطاولة و تحويل غضب وانتقادات الشارع الغزاوى لها  باتجاه  إسرائيل  .فحماس قبيل حدوث المسيرات الحالية كانت بموقف لاتحسد عليه  خاصة وأنها المنوط بها توفير الاحتياجات الأساسية لنحو 2 مليون فلسطيني بغزة وفى ظل عجزها عن معالجة مشاكل القطاع والتي  دفعت بعض سكانه إلى ترديد مقولات على غرار : لو يحكمنا الصهاينة أحسن ما نموت من الجوع على إيد حماس. اضطرت الحركة  إلى الالتفاف على الوضع والتفكير خارج لصندوق فقامت بتغيير استراتيجيتها  باللجوء إلى الهبة الشعبية حيث أدرك قائد حماس يحيى السنوار ورفاقه أن العودة إلى الفلسفة السابقة ستكون أكثر فاعلية  وقد وجدت ذلك فى مسيرات العودة الكبرى والتي خففت من حدة الضغط الداخلي، ومنحت ذراعه العسكري، وذراع حركة الجهاد الإسلامي فرصة لتنفيس حالة الغضب. ، لقد صنعت حماس من تلك المسيرة خطة تكتيكية ؛ لحشد وتعبئة الداخل الفلسطيني وصرف أنظاره عن مشكلاته الحقيقة

يوما تلو الآخر تتكشف سحب الضباب ومعها تظهر  نوايا حماس وأنها  المستفيد الأول من مسيرات العودة , كما  تنبئ بأنها  لا يمكن  أن تكون  طرفاً بمعادلة استقرار غزة لاسيما مع التغير في توجهات واستراتيجيات الإدارة الأمريكية الجديدة والتى تعتقد في أن الإسلام السياسي بأطيافه لا يشكل حلا للمنطقة والإقليم , لذلك فإن  السياسة على طريقة الإسلاميين  قد تعجل من  دخول غزةا  قسراً إلى مربع الانفصال