التاريخ بارع فى إعادة إنتاج نفسه ..حيث أتذكر اليوم عندما كنت طالباً فى باريس مظاهرة لدعم الجنرال عون 1989 وكيف رردنا هتافات “الجنرال ، التحرير الشامل” للمطالبة بسحب الجيش السوري من لبنان وسيادته. وبغض النظر عن ملابسات الظرف السياسي حينها وانقلاب خارطة تحالفات الجنرال , فيما بعد ,رأساً على عقب, ، عاد اللبنانيون بعد مرور 20 عامًا مرة أخرى إلى الشوارع, لكن هذه المرة للتظاهر ضد عون والحريري اللذان انضما الآن إلى جبهة حزب الله…. قد تمثل تلك المقدمة البداية الضرورية لما ينبغى أن تسير عليه لبنان فى طريقها نحو التغيير الشامل فنحن لا نزال نقاتل من أجل الشيء نفسه .
والمشهد التظاهرى فى لبنان الذى يبدو مشرقاً و براقاً حتى اللحظة الراهنة بل ومثير للإعجاب ثمة مخاوف من يأخذ منحى خطيراً فى ظل غياب الرؤية الموحدة لدى المتظاهرين والتمثيل، ومع عدم وجود قيادة للحراك أو استراتيجية لتحقيق المطالب فإن الأمور ستراوح مكانها تقريباً فيما يخص المطلب الرئيسي الواضح منذ اللحظة الأولى، وهو تغيير بنية النظام من جذورها. وقد ينتهى المطاف بدخول حزب الله الذى يمثل القاعدة الاساسية للفساد على خط الاشتباك الحاصل. وهوما تكشف بجلاء تام فى رسائل نصر الله الأخيرة والتى حملت تهديداً مباشراً للراي العام اللبناني وإمعاناً بسحق السيادة اللبنانية واختزال رأي الشارع اللبناني، وتحديداً بقوله “أنتم تضيعون وقتكم لا يمكنكم إسقاط العهد”.
تهديدات نصر الله تضعنا بمواجهة الحقيقة المؤلمة فقد عمد إلى إظهارنفسه وكأنه صاحب الكلمة العليا والآمر الناهى في لبنان وفى ظل امتلاكه للسلاح , مع الإقرار بواقع كونه القوة الأكثر تنظيماً, فإن الوضع قد يتطور إلى مالايحمد عقباه حال قرر حزب الله النزول إلى الشارع لأن هذا يعنى أمرين لاثالث لهما إما دفع البلاد إلى دائرة العنف والفوضى ومن ثم الهلاك أو يكون لبنان تابعاً لولاية الفقيه. وأعتقد أن الشارع لن يقبل أن تكون الدولة ضحية لمغامرات حزب الله والملالى .
الاحتجاجات وحدها لن تقود إلى التغيير المنشود إن لم تتشكل قوى سياسية منظمة تمثل القوى اللبرالية الصاعدة سياسيا. مثل هذه القوى يجب أن تتشكل الآن كي تمثل التوجه الجديد، ولا شك في أن فرصتها كبيرة لقيادة لبنان في المرحلة المقبلة إن هي توحدت واتفقت على برنامج سياسي واقتصادي واقعي ومدروس وقابل للتطبيق تكون أولى خطواته إيقاف العمل بالدستور الحالى و تشكيل مجلس انتقالى لإدارة شئون البلاد يتألف من الشرفاء بالقوات المسلحة والاقتصاديين والمفكرين والقطاع الخاص .
خطوات المجلس الجديد ينبغى وأن تشمل نزع سلاح حزب الله و دعم الجيش اللبناني لاعادة الثقة الشعبية في دوره كحارس وحيد للأمن القومي اللبناني وحصر السلاح في يد الجيش والقوى الأمنية الشرعية وإلا فإن أي تغيير في الدستور لن يعني المضى للأفضل بل سيكون استنساخاً للنموذج الإيراني ومع ما حدث في سوريا ينذر بمخاطر ذلك .
لبنان يقف عند مفترق طرق خطير ..وما من مصلحة لأحد فى إشعال الاحتجاجات أو الإنقلاب وليس هناك مؤمرات داخلية أو خارجية على شخوص بعينها ..فالتظاهرات هى حراك شعبى لبنانى خالص لاشائبة فيه , وكل ما يحتاج إليه الآن هى نقطة نظام تمكنه من استكمال المسار وتحقيق غايته الكبرى فى لبنان أفضل .
اضف تعليق