لم يعد سراً الاهتمام الصيني بلبنان من خلال عروض ضخمة لإعادة إعمار مدن ومناطق بأكملها، وإنشاء بنى تحتية جديدة حيث باشرت بوضع مشاريع الدعم الاقتصادي لتركيز مواقعها في ايران وسوريا وصولاً الى لبنان مما قد يمثل خطوة حقيقة تتمكن عبرها البلاد من الخروج من نفق الأزمة المالية الخانقة .
ولايمكن قراءة الحضور الصينى فى لبنان بمعزل عما يدور بالساحة العالمية حيث تعد مكاناً للمنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى فبينما تتجه سورياً لتكون مركزاً للنفوذ الروسي –الإيرانى من خلال تعزيز تواجدهما عسكرياً واقتصادياً , تبدو لبنان أقرب إلى أن تصبح نقطة تماس بين طهران وبكين لاسيما مع وجود حزب الله بالمشهد
الشواهد على امتداد قوس النفوذ الإيرانى الروسي للقبض على مفاصل سوريا لاتقتصر على الجانب العسكرى والذى يتجلى بوضوح تام فى جنبات المشهد بل يمتد إلى الشق الاقتصادى حيث تضمن إنشاء كلٌّ منها مجالس اقتصادية للإشراف على مشاريعهما ولتنظيم العلاقات مع شركائهم هناك في المجالات الاقتصادية المختلفة. وعند أخذ قطاع النفط نموذجاً سنجد أن موسكو ومنذ عام 2015 كانت أكثر حزمًا في استهداف حصة أكبر من سوق النفط والغاز السورية، و دخلت شركات روسية وعلى رأسها “غازبروم” للاستثمار بالقطاع . وحتى الآن، تمكنت موسكو من الوصول إلى موارد النفط والمعادن السورية على المدى الطويل من خلال عقود الإيجار التي تُغطي الأصول البحرية، واحتياطيات الغاز والفوسفات في حمص، والوصول إلى خطوط أنابيب النفط والغاز الحالية أو المستقبلية التي تمر عبر البلاد.
فى حين تتمحور استراتيجية بكين لجذب اللبنانيين إلى مداراتها عبر وسائل القوة الناعمة وطرق الأبواب الاقتصادية الواسعة وهى السيايسية التى تعتمدها الصين لتعزيز نفوذها فى بقاع عديدة بالعالم ، حيث برز الاهتمام الصيني بتعزيز الشراكة مع لبنان من خلال سعيها لضمه إلى مبادرة الحزام والطريق؛ تلك المبادرة التي تمثل التوجه الصيني الأول خارجياً وهو ما اتضح من جملة المشروعات الصينية المقترحة والتى تضمنت إنشاء خط سكة حديد موازية تربط بيروت بدمشق ومن ثم بخط الحرير وصولاً الى الصين.وكذلك تطوير ومطار القليعات وخلق 5 آلاف فرصة عمل فضلاً عن استعدادها لإنشاء محطات لتوليد الكهرباء على الطاقة الشمسية تؤمّن إنتاجاً شبه مجاني للكهرباء.
وبغض النظر عن أن دخول بكين على خط الكارثة المالية فى لبنان من شأنه منع انهيار البلاد وسقوطها فى الهاوية بيد أنه لاينفصل عن التقارب الصينى الإيرانى على مستوى النظام الإقليمى الجديد فى الشرق الأوسط ,حيث أسهمت الضغوط الأميركية على البلدين فى خلق أرضية مشتركة للتعاون بينهما وعززت المصالح الاستراتيجية بينهما و تحوّل الصين إلى شريك إيران التجاري الأول، ومصدرها الأول للتزود بالتكنولوجيا الحديثة وأكبر سوق لصادرات النفط الإيرانية .
لذا ليس مفاجأة على الإطلاق إعلان نصر الله قبل أيام استعداد الصين لإنقاذ لبنان , كما لايبدو غريباً الإشارات االمتزايدة إلى انّ للصين تواصلاً، ولو محدود، مع حزب الله بحكم ارتباطه العضوى بنظام طهران والذى يشجع بكين على الاضطلاع بنشاط أكبر فى لبنان بغية تقليص النفوذ الأوروبى – الأميركى بها .
ومع أن رد بكين كان صريحاً على تصريحات نصر الله بشأن إنقاذ لبنان حيث ردت على لسان المدير العام لإدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي تشينغ جيان وي قائلة ” سنكون دائماً أصدقاء وشركاء لدول الشرق الأوسط” ولكن “ليست لدينا النية أن نكون بديلاً من أميركا في لبنان، وليست لدينا القدرة على ذلك، لأن الصين ما زالت دولة نامية. وحتى لو أنها شهدت تطوراً أكبر، لن نسعى إلى ملء الفراغ”. وأوضح المسؤول الصيني أنّ “الدعم الصيني سيزيد للدول النامية”، مقرّاً بأن التعاون مع الدول العربية يزعج البعض كالولايات المتحدة التي “تتخذ كل الاجراءات لاحتواء نفوذ الصين”.
بيد أن معطيات الواقع تشى بأن الصين قادمة إلى لبنان, ولو بعد حين, إذ تنبىء حركة الوفود الصينية التي زارت بيروت ودمشق وبغداد مؤخراً أنّها تسعى إلى اتخاذ لبنان منصة لإعادة إعمار سوريا , يضاف إلى ذلك الأبعاد الإقليمية ورغبة بكين ذاتها إلى لعب دور أكبر على صعيد تغيير ميزان القوى في المنطقة. وذلك بالرغم حرصها المستمر على الترويج لدورها باعتبارها فاعلًا تنمويًّا وليس جيوسياسيًّا.
اضف تعليق