لا أحد يمكن أن يختلف مع الثاني, اليوم , حول هشاشة الوضع الاقتصادي اللبناني , نحن أمام واقع مأزوم على المستوى الاقتصادي وأزمة حقيقة قد تترك بصماتها وتداعياتها المؤلمة على الصعيد السياسي وسيادة الدولة اللبنانية حيث تبدو المخاوف من أن تسفر الضغوط المالية عن إعطاء شرعية مرة أخرى للنظام السوري
ولأن الارقام لاتكذب ولا تتجمل ., فإن بشائر العاصفة المرتقبة والتى تنذر بانهيار مالى واقتصادى تتكشف من خلال تقرير صندوق النقد الدولى والذى أشار إلى أن الاقتصاد اللبناني يتجه في مسار لا يُمكن تحمّله، مما يتطلّب تحركاً طارئاً لاستعادة ثقة المستثمرين، كما يجب التشدّد في المالية العامّة وأن الدين العام اللبنانى يعد ثالث أكبر نسبة في العالم بعد اليونان حيث بلغ 81.9 مليار دولار بعد ما كان 79.5 مليار دولار في نهاية العام الماضي ووصلت نسبته الى 152.8% للناتج المحلي بعد أن كان يقتصر على ما يزيد على 40 مليار دولار في مطلع العام 2007. . ويبلغ نصيب الفرد اللبناني من ديون بلاده 4444 دولاراً، وهذا الرقم يوازي نحوـ55% من متوسط الدخل السنوي للمواطن.
التوترات الجيوسياسية بدروها شكلت عبئاً على النشاط الاقتصادي فى لبنان, فقد أثّرت الأزمة السورية المستمرة منذ العام 2011، سلباً في كافة قطاعات الاقتصاد ، إذ لم يتجاوز النمو 2.5% منذ العام 2012، مقارنة بنحو 8% عامي 2009 و2010. وسجل الاقتصاد اللبناني نمواً نسبته 1.8% في 2016، و1.3% في 2015. وقدَّرَ صندوق النقد الدولي النموّ الإقتصادي الحقيقي في لبنان بـ 1.2% خلال العام 2017، متوقِّعاً أن تصل هذه النسبة إلى 1.5% في العام 2018 و 1.8% في 2109.
ولعل هذا مادفع البعض إلى السجال حول ضرورة دمج الاقتصادين السوري واللبناني لاسيما وأن التقرير الذى أصدره البنك الدولى نهاية العام الماضى كشف عن أنّ حجم الدين العام السوري لا يتجاوز 3.5 مليارات دولار أى ما يعادل 9.7% من الناتج المحلي للبلاد البالغ 45 مليار دولار.، وبحصّة 195 دولاراً فقط للفرد الواحد فضلاً عن ملف إعمار سوريا والذى من المتوقع أن تبلغ تكلفته مليار دولار بما يعنى أن إدراج الاقتصادين فى ملف واحد يتيح تسويق الدين اللبناني فى الأسواق الدولية وتحسين مؤشرات الاقتصاد فضلاً عن أن إمكانية إنشاء منطقة حرة منطقة تجارة حرة على الحدود من شأنه مساعدة رجال الأعمال اللبنانيين الطامحين في التوجه إلى دمشق للمفاوضة على عقود «إعادة الإعمار»
المروجون لهذا الطرح يستندون إلى واقع أن لبنان تحمل نصيب الأسد من أعباء الأزمة السورية مع أكثر من مليون ونصف مليون نازح في لبنان ,علاوة على الأضرار التى لحقت بالاقتصاد اللبناني جراء موجة النزوح العارمة هذا إلى جانب قدرة لبنان على أن تكون منصة للشركات واليد العاملة نظراً للقرب الجغرافى وانفتاحها على العالم عبر مرفأ طرابلس وبيروت.
قد يكون المقترح السابق ناجعاً من منظور اقتصادى بحت لكن منن الزواية السياسية قد يحمل تداعيات مكلفة وخطيرة تتعلق بسيادة الدولة وقد تمتد إلى عودة الوصاية السورية على لبنان التي ظن البعض انتهاءها مع خروج الجيش السوري من البلاد في 2005.عقب سنوات طويلة من النضال لنيل الاستقلال الكامل لكن يبدو أن هذا الكفاح قد يذهب أدراج الرياح اليوم .
فليس خافياً أن شهية النظام السورى لاتزال مفتوحة لعودة هيمنته على الساحة اللبنانية وأنه يحاول قرع أبواب الدخول عن طريق الضغوط الاقتصادية ,ويراهن فى تحقيق ذلك على ما استطاع مؤيدوه في لبنان تحقيقه من نجاحات، خاصة في الانتخابات النيابية الأخيرة والتى تمكن أنصاره خلالها من العودة إلى البرلمان وإيجاد موطىء قدم لهم في الحياة السياسية مرة أخرى عقب سنوات من التهميش.ولعل هذا ما يفسر استغلاله لورقة النازحين السوريين للضغط على الحكومة اللبنانية من أجل تطبيع العلاقة . إذ يرفض نظام الأسدعودة النازحين إلا من خلال التنسيق الرسمي مع الحكومة اللبنانية، بغية إملاء شروط يرى انها ستشكل مفتاح عودته إلى ساحة السلطة فى لبنان
المخاوف من عودة الوصاية السورية تبدو مشروعة وذلك بالنظر إلى خبرة اللبنانيين وماعانوه طلية ثلاثة عقود من تدخلات النظام السورى , إذ أن لديهم سجل حافل بالذكريات المؤلمة والتى تعد كافية لحضهم على مواجهة هذا السناريو , صحيح أن الاقتصاد اللبنانى يعانى من تحديات ضخمة وخطيرة ومنها إمكانية التعرض لمزيد من التباطؤ في صافي الأصول المتراكمة بالعملة الأجنبية في مواجهة العجزين المستمرين والكبيرين في المالية العامة والحساب الجاري لكن هذا لا يعنى الانصياع والاستسلام تحت وطأة الضغط المالي ,فهناك طرق بديلة ومتعارف عليها دوليا , يمكن انتهاجها لتحسين مؤشرات الاقتصاد ,لاسيما مع النظرة السورية حيال لبنان، بشقيها الأيديولوجي, والذى يعتبر لبنان جزء من سوريا، والسياسي التى يرى فى بيروت ساحةُ نفوذ لدمشق.
إن أيُّ عودة سورية محتمَلة الى لبنان ستبدأ بإشعال فتيل النزاعات داخله وهزّ استقراره، لأنه لاسبيل للعودة على قاعدة توافقية فى لبنان والتى تزخر بتحالفات سياسية تفوق عدد شعر الرأس بالإضافة لمئات الأحزاب والتى تتباين مواقفها إزاء عودة النفوذ السورى , فبعضها يرفض التطبيع وفى مقابل طرف آخر لديه قوة مسلحة يدعم بشدة الوصاية ,بما يعنى أنه إذا تمكن النظام السورى من حفر ممرات داخل البنية اللبنانية فإن ذلك شأنه إذكاء تربة الاضطرابات ودخول لبنان إلى نفق مظلم , قد لاتحمد عواقبه .
والسؤال الآن : هل ساسة لبنان مستعدون لتحمل مسؤولية ومخاطر احتمالات العودة السورية؟ .. الرهان لايزال معقوداً على تغليب المصلحة الوطنية وسيادة لبنان .فالأمر لايتطلب أن يكونوا من أولى العزم من الرسل بل يستوجب فقط أن تكون لبنان أولاً , وفوق كل ولاءات وانتماءات .
اضف تعليق