مع استمرار الصراع السياسي على تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي والتى سيكون من حقها اختيار رئيس الوزراء جاء رفض السيستانى المرشحين الـ5 لرئاسة الحكومة ليضفى مزيداً من الغموض على المشهد ويثير تساؤلات حول احتمالات دفع زعيم تحالف سائرون مقتدى الصدر نحو المنصب محل الجدل والنزاع .
الخمسة المبشرون بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة, والذين رفضتهم المرجعية الدينية كشف عن أسمائهم , أمس ,صباح الساعدي، القيادي في ائتلاف سائرون المنضوي في تحالف “الإعمار والإصلاح”، عندما أعلن عن ورود إبلاغ وصفه بـ”الرسمي” من المرجع الديني علي السيستاني برفضه تولي الأسماء الخمسة المرشحة لرئاسة الحكومة العراقية، وعلى رأسها حيدر العبادي., مضيفاً أن المرجع السيستاني أبلغ المفاوض الإيراني في اجتماع في النجف أن كلاً من حيدر العبادي ونوري المالكي، فضلاً عن هادي العامري وفالح الفياض وطارق نجم، لا حظوظ لهم في تولي منصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.
وعلى الرغم من وصف بيان بالموقع الرسمي للمرجع علي السيستاني ما صرح به الساعدي , بالخبر غير الدقيق حيث قال فإن ترشيح رئيس مجلس الوزراء إنما هو من صلاحيات الكتلة الأكبر بموجب الدستور وليس للآخرين رفض مرشحها، ومن هنا فإن التعبير بالرفض لم يصدر من المرجعية الدينية، كما أنها لم تسم أشخاصاً معينين لأي طرف بخصوصه، وإنما ذكرت لمختلف الأطراف التي تواصلت معها – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – إنها لا تؤيد رئيس الوزراء القادم إذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية بلا فرق بين الحزبيين منهم والمستقلين، لأنّ معظم الشعب لم يعد لديه أمل في أي من هؤلاء في تحقيق ما يصبو إليه من تحسين الأوضاع ومكافحة الفساد، فإن تمّ اختيار وجه جديد يعرف بالكفاءة والنزاهة والشجاعة والحزم والتزم بالنقاط التي طرحت في خطبة الجمعة (١٣/ذي القعدة الموافق ٧/٢٧) كان بالإمكان التواصل معه وتقديم النصح له فيما يتعلق بمصالح البلد وإلا استمرت المرجعية على نهجها في مقاطعة المسؤولين الحكوميين، كما أنها ستبقى صوتاً للمحرومين تدافع عن حقوقهم وفق ما يتيسر لها”.
غير أن هذا التعليق قد يكون سليماً من الناحية النظرية لكن يجافى الواقع إذ أن تدخل السيستاني في الانتخابات يعد أمرا حاسما، ويمكنه ترجيح أي قائمة يختارها، بسبب التأثير الروحي الواسع الذي يملكه بين ملايين الشيعة في العراق . و منذ عام 2005 وإلى الآن لم يأت رئيس وزراء إلا بموافقة وقبول المرجع الديني السيد علي السيستاني”، إذ لا يمكن لأى شخص أن يتولى المنصب قبل أن يحظى بقبول المرجعية، وهذا الامر مفروض على القوى السياسية. وقد لعب السيستاني دوراً رئيسياً في وصول العبادي إلى موقع رئيس الوزراء، بعد تصديه لمشروع الولاية الثالثة الذي كان المالكي يسعى خلفه، بعد انتخابات 2014 وذلك على الرغم من تحقيق الأخير فوزا كاسحا في انتخابات 2014، غير أنه أخفق في تجاوز اعتراض المرجعية، التي رأت أنه “يورط شيعة العراق في حرب طاحنة تقودها إيران”. لذلك تحرص معظم القوى الشيعية، وأبرزها الحزبان الرئيسيان المجلس الاعلى والدعوة الاسلامية، على ضمان تأييد المرجع السيستاني لهم، خصوصا اثناء الانتخابات، عبر شبكة المبلغين والوكلاء التابعين للمرجع السيستاني الذين يتواجدون في كل شارع وزقاق شيعي في طول البلاد وعرض
فمع عدم إلزامية آراء السيستاني من الناحية القانونية إلا إنها تعد بالنسبة لشيعة العراق بمثابة توجيه ديني واجب الاتباع.ويكفى أن إصداره فتوى في عام 2014، تسبَّبت في إرسال عشرات الآلاف من الرجال العراقيين للانضمام إلى الجماعات شبه العسكرية التي كانت تقاتل تنظيم داعش بعد استيلائه على أكثر من ثلث البلاد.كما يسود على نطاق واسع الاعتقاد ، بأن المرجع السيستاني هو الذي نجح في تأمين هيمنة الشيعة على حكم العراق بعد زوال نظام صدام حسين في 9 نيسان ابريل 2003، لذا سيتمكن من تمرير المرشح لرئاسة الوزراء وتأمين دعمه من قبل القوى السياسية العراقية على اختلاف انتماءاتها الدينية والقومية حيث يستند السيستاني في إنفاذ طروحاته داخل المشهد السياسي العراقي، على رغبة جميع الأطراف بمن فيهم الأكراد والعرب السنة بالحصول على دعمه وتأييده.
التوافق بين التيار الصدري والمرجع الأعلى يرجح كفة قائد تحالف سائرون فى تشكيل الحكومة إذ حرص الصدر منذ البداية على التحصن بثقل المرجعية لمواجهة الضغوط الإيرانية لعرقلة تحركاته ولقاءاته مع مختلف الكتل لتشكيل الحكومة وقد تجلى ذلك بأكثر من موقف حيث حرص في أعقاب الانتخابات على عرض حصيلة مشاوراته على المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وذلك وفقا لما أعلنه شخصيا.
تطابق الرؤى يتضح بين السيستانى والصدر من خلال مشروع الدولة العابرة للطوائف وهو ما يعني تأليف حكومة مدنية تخفف من غلواء التنافس الطائفي على المناصب وتنهي ولو نسبيا هيمنة مبدأ المحاصصة فضلاً عن أنه فى ظل وجود إشارات أميركية مرحبة ببروز الصدر كقوة سياسية تتصدر المشهد العراقي، فإن مرجعية النجف لن تقف حجر عثرة في طريق رجل الدين الشاب لاسيما بعدما بدا من تطابق طروحات الطرفين في ما يتعلق بمحاربة الفساد والفاسدين وعدم الخضوع لإملاءات أي طرف خارجي بما يحقق استقلال القرار السياسي العراقي
ويبدو الصدر قريباً جدا من اجتذاب زعيم منظمة بدر هادي العامري إلى صفه ولعل ما جرى بجلسة البرلمان العراقي يؤشر إلى ذلك , ففي أعقاب جلسة استثنائية طالبت القائمتان الرئيسيتان اللتان فازتا في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، السبت باستقالة حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي. وقال المتحدث باسم تحالف “الفتح” بقيادة هادي العامري، النائب أحمد الأسدي أن “التقصير والفشل الواضح في أزمة البصرة كان بإجماع النواب ونطالب باستقالة رئيس الوزراء والوزراء فورا”. مضيفاً “سنعمل سريعا خلال الساعات المقبلة لتشكيل الحكومة. نحن وسائرون على خط واحد لتشكيل الحكومة الجديدة ولبناء العراق، وواهم من يعتقد أننا مفترقون”. وتقول مصادر إنه “في حال شكل الصدر الحكومة الجديدة، فإن منظمة بدر لن تجد وسيلة للحفاظ على حقيبة الداخلية التي تتولاها في حكومة العبادي إلا بالخروج من الفتح والالتحاق بتحالف سائرون
ومع ذلك يذهب معنيون بالسياسة العراقية إلى أن إمكانية تسنم الصدر لمنصب رئيس الوزراء لا يعنى بالضرورة حصوله عليه ، بل ان يكون المنصب تحت إشرافه وأن تتولاه شخصية تتوافر بها الشروط التي سبق وطرحها . وتشير مصادر إلى أن التيار الصدري قد يدفع بمرشحين لرئاسة الوزراء , الأول محافظ ميسان , على الفرطوسى الذي سبق له وأن شغل منصب رئيس لجنة النزاهة بعد أن انتخب عضوا فى مجلس المحافظة، وهو ينتمي للتيار الصدري، وقد أثارت إنجازاته وشخصيته المتواضعة إعجاب الكثير من العراقيين، ورشحته جريدة لوس أنجلوس تايمز كأفضل شخصية حكومية محلية في الشرق الأوسط للعام 2012، فى مجال العمل وتقديم الخدمات. وأعيد انتخابه كمحافظ لمحافظة ميسان مرة ثانية لعام 2013 وذلك استجابة لأهالي المحافظة، وفى أبريل عام 2014 أعلنت الأمانة العامة لكتلة الأحرار عن ترشيح علي دواي لشغل منصب رئيس الوزراء العراقي، ويحظى الرجل بدعم كبير من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.في حين تؤكد التسريبات أن المرشح الثاني هو رائد فهمي السكرتير الحالي للحزب الشيوعي العراقي.
لكن فى حال ترأس الصدر الحكومة المقبلة فإن الأمر غالبا ما سيتطلب نوعا من الحماية يمكن أن يوفرها غطاء المرجعية لاسيما وأن ذلك يعد انقلاباً على العملية السياسية من خارج المنطقة الخضراء, لذلك فإن رعاية السيستانى للانقلاب الناعم هي التي سترسم مسارات الحد من نفوذ الدولة الخفية التي يحركها المالكي وهو ما عجز العبادي عن تحقيقه خلال فترة ولايته .











اضف تعليق