الرئيسية » تقارير ودراسات » هل يمكن لسوريا أن تتحول إلى نظام ملكى تحت قيادة أحمد الشرع؟
تقارير ودراسات رئيسى

هل يمكن لسوريا أن تتحول إلى نظام ملكى تحت قيادة أحمد الشرع؟

في عوالم السياسة المليئة بالتقلبات والانقلابات، لا يخفى على أحد أن الأوضاع في سوريا قد وصلت إلى مرحلة تتطلب التفكير في تغيير جذري في النظام السياسي وبناء آخر جديد يرسخ التعددية ويشمل جميع الطوائف، في ظل مخاوف من تكرار الأنظمة القمعية التي عانى منها الشعب السوري على مدى عقود.، والذي يمكن أن يتجسد في إعادة هيكلة شاملة قد تكون على شكل نظام ملكى . في هذا السياق، يتبادر إلى الذهن السؤال: هل يمكن لسوريا أن تتحول إلى مملكة؟ خاصة إذا كانت تحت قيادة شخصية على غرار أحمد الشرع يرى الدبلوماسيون الغربيون أنها قادرة على التكيف وتتسم بالمرونة .

قد يبدو السؤال غريبًا في البداية، ولكن إذا نظرنا في التاريخ، نجد أن الملكيات كانت ولا تزال تمثل نموذجًا ناجحًا في العديد من الدول التي تحكمها نظم ملكية مستقرة. والسؤال الذي يطرحه البعض هو: هل يمكن لسوريا، التي عاشت منذ عقود تحت حكم الحزب الواحد والأنظمة العسكرية، أن تستفيد من تجربة المملكة؟

 

من المؤكد أن الملكيات التي شهدناها في عدة مناطق في العالم أثبتت أنها نماذج استقرار سياسي. فبريطانيا، على سبيل المثال، تعتبر واحدة من أبرز النماذج الناجحة للملكية الدستورية، حيث تمزج بين تاريخ طويل من الحكم الملكي وبين تطور سياسي يواكب العصر الحديث. كما أن العديد من البلدان في منطقة الخليج العربي، مثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر، تمثل أمثلة حية على الاستقرار الناتج عن النظم الملكية.

وعلى الرغم من أن تلك الملكيات تختلف في أسلوب الحكم والتطبيق، فإنها تشترك في نقطة رئيسية وهي أنها توفر نوعًا من الاستقرار السياسي والتوازن بين مختلف القوى داخل الدولة. ويمثل هذا التوازن عاملًا مهمًا يمكن أن يضمن نجاح أي نظام سياسي، خاصة في البلدان التي تشهد صراعات داخلية أو تعاني من تدخلات خارجية، مثلما هو الحال في سوريا.

أحمد الشرع، الذى يمثل رأس السياسة السورية،اليوم في نظر البعض يمكن أن يمثل نموذجًا مشابهًا لشخصية قادرة على توحيد الأطياف المتعددة في سوريا. فهو يقدّم نفسه كرجل دولة، في بدلة رسمية وعلى وجهه ابتسامة خجولة . وقد لاحظ الدبلوماسيون الغربيون أن الشرع يتميز ببراغماتية ومرونة في خطابه ولديه صفات قيادية . لذا قد يبدو مؤهلاً ليثبت مثل غيره من القادة الذين أسسوا الممالك في التاريخ، قدرة على استيعاب قبائل مختلفة وفئات متنوعة من المجتمع تحت مظلة واحدة. وفي الوقت الذي نعيش فيه اليوم حالة من تفتت المجتمع السوري نتيجة للصراعات المذهبية والإثنية، قد يكون الخيار الأمثل هو العودة إلى نموذج ملكي يعيد هذا التوازن ويسعى لتحقيق الوحدة.

لقد قادت الملكيات عبر التاريخ إلى توحيد مختلف الأطياف الدينية والقبلية في العديد من الدول. في الواقع، تعتبر الأنظمة الملكية الخليجية خير مثال على ذلك، حيث حافظت على وحدة الدولة رغم تنوع الطوائف والقبائل والمذاهب.

ولعل من بين الأسباب التي قد تدفع إلى التفكير في تحويل سوريا إلى مملكة، هو كيفية تفاعل القبائل مع النظام الملكي. ففي تاريخ العديد من الأنظمة الملكية، نجد أن القبائل تعمل بشكل أكثر تناغمًا في ظل وجود ملك يمثل رمزًا للسلطة ويوحد بين مختلف الفئات. وعندما تتوحد هذه القبائل تحت قيادة مركزية قوية، يمكن أن تتحقق نوع من التوازن بين القوى المختلفة، مما يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي.

مثال على ذلك هو المملكة الأردنية الهاشمية، حيث نجح النظام الملكي في دمج مختلف القبائل والمجموعات العرقية تحت راية واحدة، واستطاع أن يوازن بين مصالح هذه القبائل بينما يحافظ على وحدة الدولة. على الرغم من أن سوريا تختلف بشكل كبير عن الأردن من حيث الظروف السياسية والاجتماعية، إلا أن الدرس المستفاد من هذه النماذج قد يكون ذا قيمة.

عند النظر في فرضية تحويل سوريا إلى مملكة، يمكن تصور أن النظام الملكي الجديد قد يشمل مزيدًا من استقلالية للمحافظات. قد تكون هذه الاستقلالية أشبه بما يشهده بعض الدول الملكية في الخليج حيث تتمتع بعض المناطق بحكم محلي يضمن للأفراد الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية مع احترام السلطة المركزية. وعلى غرار النموذج الفيدرالي أو شبه الفيدرالي، قد تسمح هذه الاستقلالية لكل محافظة بتطوير سياساتها الخاصة في إطار النظام الملكي، مما يحقق التوازن بين المركزية والتنوع.

 

إن التفكير في تحويل سوريا إلى مملكة يتطلب إعادة النظر في مفهوم السلطة السياسية وإعادة التوازن بين مختلف القوى داخل المجتمع السوري. قد يكون النظام الملكي هو السبيل لتحقيق الوحدة الوطنية في بلد يعاني من الصراعات والانقسامات، وفي النهاية، يبقى السؤال قائمًا: هل ستنجح سوريا في كتابة صفحة جديدة من تاريخها، صفحة عنوانها “الملكية الحديثة”، ليعود التوازن السياسي والقبلي تحت مظلة واحدة، أم أن رياح التغيير ستظل تجرف البلاد في اتجاهات أخرى؟