الرئيسية » تقارير ودراسات » ورقة التهدئة ..هل تجهض ملف المصالحة المتعثر ؟
تقارير ودراسات رئيسى

ورقة التهدئة ..هل تجهض ملف المصالحة المتعثر ؟

ثمة صفقة في طريقها للتشكل بين حماس وإسرائيل رغم الغموض الذى يكتنف المحادثات غير المباشرة بين الجانبين برعاية مصرية وأممية  .الترتيب طويل الأمد ليس الأول من نوعه ولكنه يحظى بزخم كبير مع قناعة الطرفين أن عدم التوصل لاتفاق تسوية  يعنى الدخول إلى حرب طاحنة كلاهما غير مستعد لها أو راغب فيها .. التهدئة المحتملة  تقرع أبواب التساؤلات حول مصير اتفاق المصلحة الفلسطينية وأهم البنود المقترحة فضلاً عن احتمالات التصعيد .

التسريبات المتعمدة لتهيئة الأجواء الفلسطينية تؤشر إلى أن المحادثات الراهنة سوف تتمخض  عن اتفاق يتم تطبيقه على أربعة مراحل تتضمن الأولى منها فتح دائم لمعبر رفح الواصل بين قطاع غزة ومصر، وتخفيف “إسرائيل” لحصارها الذي تفرضه منذ 2006 على معبر كرم أبو سالم المخصص لاستيراد وتصدير البضائع التجارية  . وفيما تشمل الثانية إنجاز اتفاق المصالحة بين فتح وحماس  , تحتوى الثالثة على بنود تتعلق ببدء عملية إعادة الإعمار وتأسيس ميناء ومطار في شبه جزيرة سيناء المصرية، يستطيع سكان غزة استخدامهما.أما المرحلة الرابعة فمن المحتمل أن تنص على انطلاق مفاوضات تبادل الأسرى وتوقيع اتفاق هدنة يمتد من 5 إلى 10 سنوات .

الاتفاق بالمقام الأول يصب في مصلحة حماس  والتي ستتمكن وفقا له من إحكام قبضتها على القطاع والاعتراف بحكومتها  بل واكتساب شرعية دولية حيث ستتحول طوال فترة الهدنة إلى سلطة مدنية مع احتفاظها بسلاحها وجناحها العسكري ” كتائب القسام “مما يضعها قدم المساواة مع السلطة فى رام الله  .أما على الصعيد الشعبى  فإن سوف يتضمن تخفيف معاناة  مِليونين من أبناء قِطاع غزة استمر حصارهم لمدة تزيد على 10 سنوات . فالاتفاق هو اقرب لمعاهدة سلام اقتصادي على غِرار سلام توني بلير، المَبعوث الدولي، ومقترح سلام فياض، رئيس الوزراء الفِلسطيني الأسبق تريد حماس من خلاله الخروج من كل الأزمات خاصة بعد أن  وضعت يدها على نقطة الضعف التي تعاني منها إسرائيل، وتتمثل في ورقة أسراها لدى الحركة، وأدركت كيف يمكن لها أن تحصل مطالبها من إسرائيل من خلال الأسرى والمفقودين

رغبة تل أبيب في فتح مسارات التهدئة ليست بأقل من نظيرتها لدى حماس إذ تعمد إسرائيل إلى تجنب التصعيد في غزة لكي تتفرغ للجبهة الشمالية والتي لا تحتمل أي مغامرات في المرحلة الراهنة  لاسيما سوريا والتي يهدد الوجود الإيراني بها أمن إسرائيل  , فعلى الرغم من تصاعد الدعوات اليمنية فى تل أبيب والتي تحاول توظيف حوادث البالونات والطائرات الحارقة لتدفع نحو شن عملية عسكرية غير أن الحكومة تميل لتبنى خيار التهدئة فى ظل ارتفاع تكاليف المواجهة ووجود تحديات بالجبهة الداخلية .

حكومة نتنياهو  الرابح الأكبر من اتفاق الهدنة فقد ترتفع شعبيتها مجددا بعد أن طالتها العديد من الانتقادات المحلية والدولية  بسبب قانون المواطنة اليهودية , فضلاً عن أنه سوف ينسب لها أنها تمكنت من “تدجين”حماس  وتحجيم العمليات المسلحة بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى من الجنود  ولعل هذا ما دفع نتنياهو إلى تأجيل زيارة كولومبيا  انتظاراً لما قد تسفر عنه المحادثات غير المباشرة .

وبينما تشير الأخبار المتواترة إلى  أن المرحلة الثانية سوف تشمل توقيع المصالحة بين فتح وحماس وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية  فى غضون 6 أشهر غير أن تلك الخطوة لا تزال محل شك لدى المحللين , والذين أكدوا ان التهدئة ستطلق الرصاصة الأخيرة على أي تعاون ولو نسبي بين رام الله وغزة

الاعتقادات بأن المصالحة الفلسطينية قد لفظت أنفاسها الأخيرة تستند إلى عدة معطيات تتمثل فى حالة التزام أبو مازن  الصمت تجاه المحادثات الجارية باستثناء قيام وفد من فتح برئاسة عزام الأحمد  بزيارة القاهرة لتسليم رد الحركة على الورقة المصرية والتى وضعت بها مطالب وشروط  بدت تعجيزية  توحي برفضها لكن بأسلوب دبلوماسي  ,فضلاً عن استمرار التراشق الإعلامي بين الجانبين والعقوبات  , إذ يبدو أن السلطة في رام الله غير متحمسة لرفع الإجراءات العقابية عن القطاع قبل تمكين حكومة الوفاق مما يعنى أن الهدنة قد تحدث بمعزل عن حركة  فتح.

وثمة إشارات بأن حماس أخذت ضوءا أخضر بالمضي قدماً في الصفقة مع اسرائيل لاسيما بعد الملاحظات التى وضعت على الخطة المصرية الأمر الذى دفع مسئولين بالمخابرات المصرية إلى حث حماس على مواصلة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي  وجهوا نصائح للسلطة بعدم عرقلة جهود المصالحة أو التهدئة مع إسرائيل في ظل وجود قناعة دولية بضرورة معالجة أزمة قطاع غزة وتحسين وضعه الكارثي

تعثر ملف المصالحة وانتفاء فرضية أن يبصر النور على المدى المنظور لا يعود فحسب إلى غياب الثقة بين ضلعيه بل قد يأتي مدفوعاً  بعدم حاجة حماس للتصالح مع فتح لاسيما وأن غزة وبمجرد تمرير اتفاق التهدئة سوف توثق علاقاتها تدريجيا مع مصر وبالتالي لن تحتاج إيرادات السلطة  ,كما أن الهدنة سوف تسفر عن تعزيز اقتصادها  فى ظل التقارب المصري وانعكاساته الاقتصادية إذ تشير الأرقام إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر وغزة يقدر بنحو 2 مليار دولار سنوياً وهو ما يعادل نصف ميزانية رام الله وبالتالي فإن حماس لن تكون مضطرة لاقتسامها مع فتح أو أي أطراف أخرى .

ومع ذلك تذهب ترجيحات إلى أن التباطؤ بملف المصالحة ربما يكون الهدف منه أن تتم على أرض ثابتة ومستقرة بعد إغلاق ملف التوتر بين حماس وإسرائيل , فاتفاق الهدنة ليس أهم من المصالحة ,وفقا لتلك الآراء , ولكن مفاوضات التهدئة الأخيرة غير المباشرة، هى بمثابة  استحقاق لابد من تنفيذه لتحسين المناخ المطلوب للمصالحة . وقد حذرت حركة فتح ,السبت الماضي ,  حماس من إبرام صفقات تهدئة مع دولة الاحتلال ولفتت إلى أن أي اتفاق تهدئة مع تل أبيب مقابل تسهيلات لقطاع غزة يعتبر انقلابا على الشعب الفلسطيني

ورغم أحاديث الهدنة لا تزال الهجمات المتبادلة التي بدأت يوم الأربعاء الماضي عند مستوياتها المعتادة حيث أطلقت حماس  عشرات الصواريخ على جنوب إسرائيل وشنت الأخيرة في المقابل  العديد من الضربات الجوية على غزة  وبغض النظر عن أعداد القتلى والجرحى من الجانبين غير أن التصعيد المتبادل  يمكن قراءته  في سياق المناورة السياسية , إذ أن تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي بجاهزية جيشه للحرب على غزة وتلويحه باستخدام القوة , على الرغم من أنه كان مشاركاً فى اجتماع لمناقشة ورقة التهدئة  بمثابة رسالة ضغط على القوى السياسية الفلسطينية  , على الجانب الآخر تحاول  طرح ورقة قوتها العسكرية بهدف التأثير على مسار المفاوضات وتحقيق اكبر قدر من المكاسب .