أشارت تقارير واردة من سوريا إلى تراجع حدة العنف، بعد دخول قرارا وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عند السادسة من صباح أمس، بموجب المهلة التي حددتها خطة المبعوث الأممي- العربي كوفي عنان، لوضع حد لأعمال العنف المتواصلة في البلاد منذ أكثر من سنة. لكن تقارير أخرى تحدثت عن انتهاكات وخروقات وسقوط ضحايا، أولهم كان في حماة.
وفي حين أكد الجيش السوري الحر أنه "ملتزم مائة في المائة" بوقف إطلاق النار، تبادلت الحكومة والمعارضة الاتهامات بخصوص الخروقات التي سجلت.
كما أنه وفي حين دعت المعارضة السوريين الى التظاهر اليوم تحت شعار "جمعة الثورة لكل السوريين" كـ"اختبار أول" لمدى تقيد الحكومة بالتهدئة، سارعت وزارة الداخلية لإصدار قرار يقضي بوجوب الحصول على ترخيص بالتظاهر، داعية في الوقت نفسه المواطنين الذي نزحوا من منازلهم الى مناطق أخرى، أو الى خارج البلاد "للعودة الى ديارهم" .
وبعد التشكيك الدولي الذي لاقاه إعلان حكومة الرئيس بشار الأسد "وقف إطلاق النار" (الأربعاء)، أبدى عنان رضاه عن سير اليوم الاول من التهدئة، فيما علق الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، على أول أيام التطبيق الفعلي لخطة السلام الدولية، بالقول "إن الوضع في سوريا يبدو هادئا".
لكنه طالب حكومة الأسد بالمحافظة على وعودها بالالتزام بالتهدئة، "وتقرن الأقوال بالأفعال". ونبه الى ضرورة بقاء "المجتمع الدولي متحدا لتجنب انزلاق سوريا نحو الفوضى".
ومضى بان كي مون يقول "إن عسكرة النزاع أكثر فأكثر لا يمثل حلا للأزمة القائمة".
وأضاف أن المنظمة الدولية تعمل مع مجلس الأمن لإيفاد مراقبين دوليين الى سوريا "باسرع وقت" للوقوف على تنفيذ باقي بنود خطة السلام، مضيفا أن الجنرال روبرت مود (المعروف باسم جنرال التهدئة) سيصل إلى دمشق اليوم.
في الأثناء، تبادلت الحكومة السورية والمعارضة اتهامات بخرق التهدئة، إذ قالت السلطات إن عملية تفجير وقعت في حلب، ما أدى إلى مقتل ضابط وجرح 24 شخصا، بينما ذكرت لجان التنسيق المحلية التابعة للمعارضة أن تسعة أشخاص قتلوا برصاص الجيش والأمن، وأشارت الى استمرار الوجود الأمني في المدن وداخل الأحياء السكنية.
واتهم التلفزيون السوري الرسمي من أسماهم بـ"المجموعات الإرهابية"، بـ"تصعيد عملياتها لضرب الاستقرار، وتعمل من خلال إرهابها لإحباط أي جهد لحل الأزمة سياسياً بدعم من دول لها أجندتها الخاصة"، على حد تعبيره. أما لجان التنسيق المحلية، فقالت إن 9 قتلى سقطوا أمس، رغم إعلان التهدئة، وتوزعوا بواقع 3 قتلى في حمص، بينهم اثنان بعمليات قصف على منطقة القصير، بينما سقط الثالث برصاص القنص في حي البياضة، إلى جانب 3 في إدلب وقتيلين في حماة، وقتيل في جرمانا (جنوب دمشق)، بالإضافة الى اعتقال العشرات.
من جانبه، قال المجلس الوطني السوري إن الحواجز الأمنية لاتزال منتشرة على أطراف ومداخل مدينة الرستن القريبة من حمص، كما تنتشر الدبابات قرب الكلية الحربية في حمص نفسها، إلى جانب قناصة يقومون بإطلاق النار على حي الخالدية. وأضاف المجلس أن الدبابات والآليات “مازالت تحتل شوارع درعا، وكل مدن وقرى وبلدات المحافظة، وانتشار القناصة على الأسطح والمباني العالية”.
بدورهم، أكد ناشطون أنه لا يزال بالإمكان مشاهدة الجنود والدبابات والأسلحة الثقيلة في محيط التجمعات السكنية. وأضاف الناشطون أن الجثث لا تزال متناثرة في شوارع حمص، بسبب خوف السكان من تعرضهم لنيران القناصة. وأظهر شريط فيديو، بثته المعارضة، دبابة تابعة للجيش ورشاشات تفتح نيرانها على حي القرابيص في حمص. واتهم ناشطون القوات الحكومية بإطلاق النار على متظاهرين في شرقي سوريا، وعلى جنازة في حلب، إضافة إلى قصف وإطلاق نار في أماكن أخرى.
وأكدت مصادر في المعارضة أن مواجهات “محدودة” اندلعت في داريا وعرطوز في ريف دمشق وأيضا في بانياس. كما أشارت اللجان المحلية إلى استمرار وجود عدد من القناصة فوق أسطح المنازل والمجمع الطبي في منطقة الحاضر في حماة، كما تنتشر الحواجز العسكرية والدبابات في قرية الجلمة، ضمن المحافظة.
وذكرت اللجان أيضا أن تظاهرة حاشدة خرجت في منطقة يبرود في ريف دمشق، دعما للمدن “المنكوبة”، وأشارت إلى أن الهتافات طالبت بـ”إسقاط النظام”، بينما شهدت جامعة حلب تظاهرة طلابية، قام خلالها الطلاب برسم “نداء استغاثة” بأجسادهم.
إلى ذلك، أكد حلف شمال الاطلسي (الناتو)، أمس، أنه “يأخذ على محمل الجد” مسألة حماية الدول الأعضاء فيه، بعد أن قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا يمكن أن تستند الى المادة الخامسة من معاهدة الحلف لحماية حدودها مع سوريا، وذلك بعد إطلاق القوات السورية النار على أراضيها الأحد والاثنين الماضيين، وتكرر أمس.
فقد اطلق جنود سوريون النار على مجموعة من حوالي 15 سوريا، بينهم نساء وأطفال، كانوا يعبرون الحدود في كيليس (جنوب ــ شرق تركيا)، وأصابت رصاصات مخيما للاجئين على مقربة من الحدود.
وقال أردوغان لصحافيين يرافقونه في زيارة الى الصين: إن “الناتو مسؤول عن حماية حدود تركيا”.
وردا على سؤال عما تعتزم الحكومة التركية القيام به، اذا استمر اطلاق النار على الأراضي التركية، أجاب اردوغان: “أمامنا العديد من الخيارات، فنحن لدينا حقوق إذا انتهكت حدودنا. هناك أيضا خيار اللجوء الى المادة الخامسة في ميثاق الحلف الاطلسي. سنقرر وفقا للتطورات”.
وحول إمكانية دعوة تركيا الى اجتماع لمجلس الناتو، الهيئة العليا لاتخاذ القرارات في الحلف الاطلسي، قال أردوغان: “ستتخذ تركيا مثل هذا القرار في حال واجهت وضعا (تستمر معه الخروقات)”.
وتنص المادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي على أن كل دولة عضو في الحلف، يجب أن تعتبر تعرض بلد من الحلف لهجوم كعمل موجه ضد كل الأعضاء، وتتخذ التدابير اللازمة لمساعدة الدولة التي تعرضت لهذا الهجوم.
من جهته، كان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قد حذر في هذا الشأن، معتبرا أن هذا الخيار غير مطروح حاليا.
وشدد أوغلو على أن “الحدود التركية هي حدود حلف شمال الأطلسي. وحماية هذه الحدود تعني جميع الحلفاء”. لكنه أضاف “ليس هذا موضوع الساعة، اليوم الأولوية لوقف إطلاق النار” في سوريا، تطبيقا لخطة المبعوث الدولي كوفي عنان.
في المقابل، أكد الحلف الأطلسي أنه “يأخذ على محمل الجد” مسألة حماية الدول الأعضاء فيه بعد تصريحات أردوغان.
وقالت كارمن روميرو، المتحدثة باسم الحلف، “نتابع الوضع عن كثب، وسنواصل القيام بذلك”، موضحة أن الحلف “قلق جدا للأحداث في سوريا، خصوصا الحوادث الأخيرة على الحدود مع حليفنا التركي”.
وتابعت: ان “العالم أجمع يراقب سوريا، والعالم بأسره يريد أن تنتهي أعمال العنف غير المقبولة هناك”.
اضف تعليق