الرئيسية » رئيسى » أبعد من مصطفى علّوش: عن سنّة لبنان والمشرق، ومن أجلهم (1/4)
الرأي تقارير ودراسات رئيسى

أبعد من مصطفى علّوش: عن سنّة لبنان والمشرق، ومن أجلهم (1/4)

مقال الدكتور مصطفى علّوش المنشور البارحة في “أساس” تحت عنوان “تهافت الفدراليّين” فضيحة فكريّة لأسباب عدّة ليس أقلّها أنّ المقال نفسه قد نشر في “نداء الوطن” في يناير الماضي تحت عنوان “تهافت الحلّ الفدرالي الثقافي”. من مراجعة المقالين، يبدو واضحا أنّ ما حصل هو هذا: غيّر علّوش عنوان المقال الأوّل (قليلا)، ثمّ أضاف اليه بضعة أسطر، وأرسله الى “أساس” التي لا يزعجها على ما يبدو اعادة نشر مقال منشور سابقا بحرفيّته بجريدة أخرى (تحيّاتي لكفاءة الادارة). بهذا يكون علّوش قبض ثمن المقال مرّتين، من “نداء الوطن”، ثمّ من “أساس”، دون أن يكلّف نفسه كثير مجهود. وان كان للنزاهة الفكريّة، أو غيابها، مؤشّرات، فهذا واحد منها. مؤشّر آخر زعم علّوش بنهاية مقاله أنّ “الفدراليّين الأشاوس” كما أسماهم لم يردّوا على مزاعم حسن نصراللّه عن العدد بلبنان. يمكن لأيّ متابع لموقع “لبنان الفدرالي” أن يحكم بنفسه ما اذا كنّا نسكت عن أيّ شيء يقوله نصراللّه أو لا، بما في ذلك قضيّة الأحجام الديموغرافيّة. امّا أنّ علّوش لا يقرأ ما يكتبه الفدراليّون، ويتفلسف (وهذه مصيبة)، وامّا أنّه يقرأ فعلا، ويكتب ما يجانب الحقيقة (وهذه مصيبة أعظم).

لن نسأل علّوش وفق أي تبرير ايديولوجي ابتدأ كناشط بمنظمّات فلسطينيّة يساريّة متطرّفة، وانتهى بأحضان أرباب المال، سواء كنائب بكتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو ككاتب في موقع نهاد المشنوق. بالحقيقة، لو بدأنا بعدّ “اليساريّين” اللبنانيّين والعرب الذين انتقلوا بسرعة، وبسحر ساحر، من الدفاع عن “البروليتاريا” الى أحضان النيوليبراليّة (أو الأصوليّين الاسلاميّين، بحالات أخرى) لضعنا بالعدّ. ولكن لا مفرّ من ملاحظة ما يلي: عندما أوغل الفلسطينيّون اليساريّون الذين تطوّع علّوش بصفوفهم بدم المسيحيّين في الدامور وغير الدامور، لم يمانع. وعندما ارتكب النظام اللبناني مرسوم التجنيس الشهير الذي أحدث خللا عميقا مستمرّا بالتوازن الديموغرافي بلبنان، لم يعترض. أمّا عندنا يقدّم ناشطون مستقلّون مشروعا ليبراليّا لمصلحة كلّ المكوّنات، يضمن منع تحويل الأقليّة الديموغرافيّة الى أقليّة سياسيّة دائمة – كما هو حال أقباط مصر، و”نصارى” كلّ دولة عربيّة أخرى، أو ما بقي منهم فيها أقلّه – فتقوم قائمة علّوش، ويخرج مجاهدا ضدّ الفدراليّين، والعياذ بالله. هي الهويّة العميقة (Identité Profonde) التي تحرّكه ضدّ الآخر، سواء كان هذا الآخر سياديّا لم يطلب بالسبعينات أكثر من عدم جرّ لبنان الى آتون المواجهة مع اسرائيل باسم فلسطين، أو فدراليّا اليوم، لا يقول أكثر ممّا كرّسته التجربة، كما علم السياسة، عنيت أنّ الأنظمة المركزيّة غير صالحة لادارة شؤون المجتمعات التعدديّة.

وان كان الاعتراض أنّ علّوش علماني، ولا يمكن له تاليا أن يكره الآخر، فللتذكير: أكبر محرقتين بتاريخ البشريّة، عنيت استكمال ابادة مسيحيّي تركيا على يد نظام أتاتورك، وابادة يهود ألمانيا وملايين آخرين من اخوانهم بأوروبا على يد نظام أدولف هتلر، ارتكبها نظامان “علمانيّان”. للتذكير أيضا: لم يعرف عن حافظ الأسد تديّنه، ولكن هذا لم يكن ضمانة لسنّة سوريا عندما أوغل بدمهم. وان كان من عنوان ومحرّك حقيقي لنظام آل الأسد “العلماني” بسوريا فهو هذا: كراهية السنّة. بالمقياس نفسه، ان كان من عنوان ومحرّك حقيقي في لبنان لمن يدافع عن نظام مركزي يحوّل حكما الواقع الأقلّي بالعدد، الى موقع دوني بالسياسة، فهو كراهية المسيحيّين بصفتهم هذه. وكراهية المسيحيّين هذه يمكن أن يتورّط بها مؤمن (لأسباب دينيّة)، أو علماني (لأسباب طائفيّة؛ ذلك أنّ الدين شيء، والهويّة الطائفيّة شئ آخر). احتجاجات البراءة بخلاف ذلك، تماما كما السفسطائيّة الفكريّة التي تدبّج مقالا سيّئا تلو الآخر ضدّ الفدراليّة، أو تنشر نفس المقال مرّتين، لا تستحقّ غير ابتسامة.

هشام بوناصيف

هشام بو ناصيف هو أستاذ مساعد في كلية كليرمونت ماكينا. وهو كاتب العديد من المقالات في المجلات الأكاديمية بما في ذلك الديمقراطية، والمجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، ومجلة الشرق الأوسط، ومجلة العلوم السياسية الفصلية، ومجلة الاستراتيجيات

اضف تعليق

اضف تعليق